شيكابالا.. جاني أم مجني عليه؟!

وليد رشاد

لا أحد يستطيع أن يفسر على وجه اليقين ما السر وراء تلك الحملة المسعورة على “شيكابالا” دون كل لاعبى المنتخب، بل لا نتجاوز إذا قلنا دون كل لاعبى مصر، “شيكابالا” لم يكن مسئولاً عن هزيمة البرتغال بأى حال من الأحوال فلا هو مدافع أو حتى حارس مرمى، ولا هو أيضًا مطالب بأن يمنع أفضل لاعبى العالم من أن ينتفض فى اللحظات الأخيرة رفضًا لهزيمة منتخب بلاده من منتخب أفريقي من التصنيف الثالث، “شيكابالا” أيضًا لم ينزل الملعب بـ”مزاجه”، ولكن نزل بناءً على تعليمات المدير الفنى للمنتخب الأرجنتينى “هيكتور كوبر”، صحيح أن المدرب يمكن أن يكون قد تأثر بمطالبات الجمهور فى الملعب بنزول الفهد الأسمر، لكن القصة كلها لم تتعد عشر دقائق أو خمسة عشر وهو تغيير طبيعى فى مبارة ودية الغرض منها تجربة جميع اللاعبين، وليس ذنب “شيكا” أنه نزل بدلاً من “محمد صلاح” أفضل لاعبى مصر فى السنوات الأخيرة على الإطلاق.

نرشح لك:أول مواجهة بين مدرب مصري ومارادونا

كل ما سبق يتعلق بملابسات مباراة المنتخب الأخيرة أمام البرتغال، ولكن القصة تبدو أبعد من ذلك بكثير بل ربما أبعد من ملابسات عودة “شيكابالا” للمنتخب بعد غياب طويل، وتألقه اللافت للنظر فى مباراة المنتخب الختامية فى تصفيات المونديال وإحرازه هدف غالى فى مرمى المنتخب الغانى فى كوماسى، ولكن التساؤل هو لماذا “شيكابالا” بالتحديد يتعرض لكل هذا القدر من الهجوم؟! فاللاعب الذى ظلم نفسه كثيرًا وأضاع سنوات من أجمل سنين عمره الكروى فى مهاترات لا طائل من ورائها، أعلن توبته منذ اقتراب مصر من حلم الوصول للمونديال، وعاد فى الفترة الأخيرة لقيادة فريقه الزمالك بقوة وحقق معه بعض البطولات، وعندما وجد أن الجو العام فى النادى غير مواتي للاستمرار لم يستسلم وانطلق إلى الدورى السعودى للحفاظ على أمله الأخير فى الاشتراك فى المونديال.

“شيكابالا” لم يطلب أن يكون أساسيًا فى المونديال ولم يتذمر كعادته لوجوده احتياطيًا أغلب الوقت، ولكن حرص على نزول كيلوجرامات من وزنه واستعادة بعضًا من لياقته البدنية المفقودة، ولا غبار على وجود لاعب من نوعية “شيكابالا” فى قائمة المونديال حتى مع افتراض عدم اكتمال لياقته البدنية لأن تلك البطولات الكبرى تحتاج أحيانًا إلى بعض اللاعبين من نوعية “شيكابالا”، وهى ليست بدعة مصربة (بالمناسبة) فكل منتخبات العالم تحرص أن تشتمل قوائمها فى البطولات الكبرى (خاصة المونديال) على تلك النوعية من المواهب، لا سيما وأن عدد اللاعبين 23 لاعباً، وفى الغالب الفرق التى لا تتقدم كثيرًا فى أدوار البطولة لا تشرك أكثر من 15 أو 16 لاعب، ولكن أحيانًا فى بعض المباريات يكون وجود اللاعب الموهوب وذو الخبرة ضروريًا فى لحظات معينة، ولا ينس التاريخ الكروى دور الثعلب العجوز “روجيه ميلا” فى دقائق بعض مباريات منتخب بلاده الكاميرون فى مونديال ايطاليا أو حتى مونديال أمريكا.

“شيكابالا” ببشرته السمراء وابتسامته الطفولية أشبه بنجوم الملاحم الإغريقية لأن كل ما يحيط به يدعو للتوقف والتأمل، ويطرح تساؤلاً مهماً: كيف استحوذ على كل هذا الحب فى قلوب عشاق القلعة البيضاء ومعهم محبى الكرة الجميلة رغم قلة بطولاته مع ناديه وندرة مشاركاته الدولية ؟! شعبيته الجارفة وصلت فى بعض الفترات حد منافسته على قلوب الجماهير المصرية مع الساحر “محمد أبو تريكة” الذى لقب بأمير القلوب، تلك الشعبية التى دفعت جماهير الزمالك فى بعض المباريات للرد على هتاف جماهير الأهلى (أبو تريكة يا فنان … قسم وهات أجوان) بهتاف (شيكا .. شيكا .. شيكا … ديه مش كورة .. ديه مزيكا).

اللاعب الذى بدأ حياته ناشئاً فى نادى الزمالك قادماً من أسوان وكان يسكن داخل مدرجات ميت عقبة وانضم للفريق الأول وعمره أقل من 16 عامًا، وبعدها تحول لمعشوق جماهير الزمالك رغم سنوات سفره للاحتراف سواء فى باوك اليونانى أو سبورتنج لشبونة البرتغالى أو إعارته للوصل الإماراتى والإسماعيلى المصرى والرائد السعودى، ذلك اللاعب ذو الابتسامة الطفولية التى أدخلته قلوب كل المصريين متناغمة مع بشرته السمراء التى ترتبط في ذهن أغلب المصريين بالطيبة والجدعنة، اللاعب الذى لا تشاهده إلا فارسًا متألقًا داخل الملعب أو فى وسط غبار أجواء كثيفة من المشاكل ولكن يندر أن تراه على شاشات التليفزيون (عكس كل نجوم جيله الذين يعشقون الأضواء).

“شيكابالا” الذى أخطأ في حق نفسه مرارًا وتكرارًا وأفسد موهبته بكثير من الأخطاء الساذجة، لم يخطئ هذه المرة حينما أراد أن يحتفظ بآخر أمل له فى المشاركة فى المونديال لتعويض كثير مما فاته، لذلك لا أحد يمكن أن يتقبل تلك الحملة المسعورة ضد واحد من أندر المواهب فى تاريخ الكرة المصرية ونقول لهم جميعاً رفقاً بالفهد الأسمر، ولكن على “شيكابالا” أيضاً أن يكون قدر المسئولية حتى النهاية ولا يعود لتصرفاته الصبيانية.