محمد حكيم يكتب: مذبحة أبو مسلم.. من قال لا أعلم فقد أفتى

بعنف يندر أن يتحدث به الناس أمام الكاميرات، قال: “خدوا جزائهم يا بيه، مش كفاية إننا عارفين إنهم شيعة وسايبينهم يعيشوا وسطنا، لكن كمان يعملوا المسخرة بتاعتهم دي في البلد، الموت قليل عليهم”.

أنا: مسخرة إيه يا حاج هم عملوا إيه بالظبط؟

المصدر: أنا عارف (بيقولوا) كانوا عاملين حفلة استغفر الله العظيم من حفلات الشيعة، وانت عارف حفلات الشيعة.

تركت الرجل وإلى جانب الشارع وقفت اتأمل المكان، كانت عزبة أبو مسلم بغرب الجيزة، كمعظم القرى والنجوع التي لا يفكر الصحفيون في زيارتها ولا يستهويهم طابعها التقليدي، لكن كارثة أبو مسلم كانت أكبر بكثير من قدرة أي إعلامي على التجاهل، مجموعة من أهالي القرية هاجموا منزل أحد جيرانهم، من المنتمين إلى المذهب الشيعي، أثناء استضافته لأحد مشايخ المذهب، وألقوا على المنزل زجاجات المولوتوف وهاجموا من فيه بالعصي والشوم حتى انتهت الواقعة بمقتل ثلاثة من المنتمين إلى المذهب الشيعي وإصابة آخرين.

كنت متحمسًا جدًا لمعرفة السبب والاستماع للتفاصيل، لكن كلام الناس كان به كثيرًا جدًا من الحشو وقليلًا جدًا من المعلومات:

أنا: هو ايه اللي حصل يا مدام، ومين اللي هجم على الجماعة دول؟

سيدة منقبة: أنا بصراحة ما شوفتش، بس كلنا كنا متغظين قوي منهم، ومن عمايلهم وهما بدل ما يداروا، قال واحدة زغردت أول ما جاهم الشيخ، فالناس ما استحملتش وهجموا عليهم؟

أنا: أيوه، ما استحملتش أيه؟

السيدة المنقبة: عمايل الشيعة اللي كل الناس عارفاها، واللي أكيد هما كانوا ناوين يعملوها، ما أنت عارف.

المشكلة الحقيقة لم تكن في قلة المعلومات لدى أهالي المكان عن تفاصيل الواقعة، ولا حتى في أن موقفهم من الجريمة، يعتمد في الأساس على موقفهم المعادي للشيعة، المشكلة الحقيقة كانت في أنهم كانوا يرددون دائما عبارة “زي ما أنت عارف”، وانا بصراحة لم أكن أعرف شيء!

لم أقرأ كتابًا واحدًا عن الشيعة، ولا طالعت بحثًا عن تاريخ التشيع، ولا حتى أعرف أسماء أهم الفرق الشيعية!

أنا أيها الكرام مثلكم جميعا، أسمع عن الشيعة كثيرًا، واتحدث عنهم قليلًا، ولا أقرأ عنهم أبدًا، لكنني الآن وبحكم عملي كمراسل اصبحت مضطرًا لأن أصنع عن هؤلاء البشر تقريرًا تليفزيونيًا قد يشاهده الملايين، وربما يسهم في زيادة الكراهية لهم أو في تقليل الرفض الجزئي لتواجدهم، لكن كيف أروي عقول الناس، وانا عقلي متصحر؟

لذلك فقد اتخذت قرارًا وأرجوكم جميعًا أن تعاونونني عليه، طبعا لن أتنحى عن وظيفتي كمراسل نهائيًا، لكنني سأؤجل إعداد هذا التقرير حتى أقرأ.. سأقرأ عن الشيعة، وعن الإسلاميين، وعن المثليين، سأقرأ عن الثورة العرابية، وعن الحركة الوهابية، سأقرأ عن بولاق الدكرور، وعن الجمالية… لن أصنع تقريرا عن شيء لا أعرفه، ولن أكتب عن شيء لم اقرأ عنه،  ابدأ لن أقبل هذا العار، عار أن أكون المراسل الذي شاهد دون أن يرى، أو قال دون أن يعرف.