"قطيعة محدش بياكلها بالساهل".. كيف تقمصت نجمة إبراهيم دور "ريا"؟

نرمين حلمي

الأداء الفني قصة احتراف، يكتب الممثل أجزاءها، بداية من قبوله بتأدية الدور التمثيلي في أي من الأعمال الفنية، مرورًا بتأقلمه مع كيفية تقديم هذه الفكرة، وصولاً بخلق الشخصية السينمائية أو المسرحية الجديدة، التي يجسدها أمام الجمهور؛ إلى أن ينجح في رسم ملامحها في عقل وقلب المُشاهد معًا، قليل من الفنانين استطاعوا أن يقدموا تلك الأدوار بقصص حقيقية لا مثيل لها، خصوصًا لو كانت تلك القصص تحدث مصادفة أثناء تغلبهم على فطرتهم الحقيقية، تمامًا مثلما حدث مع ملكة الفزع على الشاشة، الفنانة نجمة إبراهيم.

نرشح لك: حكايات “الشهد والدموع” في حياة إسماعيل عبد الحافظ

على الرغم من شهرة “نجمة” بسيدة الخوف الأولى على الشاشات المصرية، إلا أن شخصيتها الحقيقية كانت على النقيض تمامًا، وهو الأمر الذي أدى إلى الاعتراف بقدراتها التمثيلية وبراعتها في ذلك؛ حسبما استطاعت أن تقدم الأدوار ذات السمات الشريرة والعنيفة، مثلما قدمت “ريا” بالاشتراك مع الفنانة زوزو حمدي الحكيم، والتي قامت بدور “سكينة”، في فيلم “ريا وسكينة” في فبراير 1953، والذي لاقى نجاحًا كبيرًا، بعكس صفاتها الحقيقية.

“ماحدش بياكلها بالساهل”، بقدر ما اشتهرت “نجمة” بتلك الجملة عن أشهر أعمالها السينمائية والذي لحقته بعمل مسرحي يحمل نفس الفكرة الدرامية ولكن مع أبطال مختلفين، حينما ساعدها زوجها الفنان عباس يونس في ذلك، وقدم عملاً مسرحيًا، “سر السفاحة ريا”، من تأليفه وإخراجه ليتبع مسيرة نجاح فيلمها الأول، ولكن الطريف في الأمر، أنها اعترفت أنها بالفعل لم تكن “تأكل نجاحها بالساهل”، فبحسب ما روت عن حقيقة شخصيتها وما كانت تشعر به قبل وبعد أداء تلك الأدوار الشريرة، في مقال لها في “الكواكب”، بعنوان “الفزع في حياتي”، نُشر في 10 شهر نوفمبر عام 1953، فهي لم تستمتع بنجاحها بصورة كاملة، مثلما يفعل أي ممثل بعد أداء دوره، وانتظار عرضه بشغف على الشاشات.

https://www.youtube.com/watch?v=EKiO_TFYl1s

“حيـن أجلـس لأرى نجمـة إبراهيـم الممثلـة، تتجـه عواطفـي لضحاياهـا فيسـتبد بـي الحنـق عليهـا -التـي هـي أنـا- ويتمتـع المتفرجـون بأدائـي.. إلا أنـا!”، تلك هي الكلمات، التي تحمل بين ثناياها رقة ووداعة قلب “نجمة”، مثلما كتبت عن نفسها في الموضوع ذاته، راوية كواليس استقبالها لأعمالها لأول مرة، موضحة أنها كانت ترفض حضور عرض الـ “البريميير” الخاص بهم؛ مبررة ذلك بأنها كانت تخرج من تلك الأعمال، غاضبة وناقمة على نفسها من كل تلك القسوة التي رأت نفسها بها على الشاشة.

أمًا عن السر الذي كانت تستعين به “نجمة” حتى تنجح في الوصول لذروة الشر لأداء تلك الأعمال ببراعة، قالت إنها كانت تتخيل إن الشر سيلحق بها إن لم تستطع مواجهته؛ “فيتجسـم فـي رأسـي، ويتضخـم وأؤكـد لنفسـي أن الشـر سيلحق بـي إن أنـا لـم أصبه على غيـري”، مبررة أنها تتخيل نفسها في دور المدافع عن نفسه بكل قوة حتى ينقذ حياته من الهلاك، مستشهدة بمثال لدورها “ريا” في فيلم “ريا وسكينة”، حسبما قالت كانت ترتعد خوفًا مـن السفاحة “ريـا” الحقيقية، فباتت تحـاول أن تحول جرمهـا إلـى الضحايـا.

والحقيقة أن نجاحتها السينمائية أو المسرحية أو المشاهد التي خلقت الـ “سوكسيه” وصداه الفني لدى الجمهور، وتَعلق في أذهانهم وأتقنت “نجمة” دورها فيه، كان أيضًا لمشاعرها الرقيقة وحسها المرهف، دورين هامين بهم، فبحسب ما روت “نجمة” عن كواليس أحد أشهر مشاهدها في المسرح، حينما كانت تؤدي دور الخائنـة فـي مسـرحية “الأب ليونـارد” أمـام الفنان جورج أبيـض، وفى اللحظة التـي أكتشـف فيهـا “جـورج” زوجـها أنها أنجبـت ولـدًا ليـس مـن صلبـه، سقطت مغشية عليه، وهو الأمر الذي أشعل المسرح، وأخذ الجمهور يتفاعل معه، ويصفق بحرارة جراء تأثرهم بالمشهد، وبقوة أداءها، ولكنها أعادت الفضل في ذلك الدور، لما قفز بذهنها في تلك اللحظة، حيث إنها تذكرت طفلة صديقتها التي رأتها وهي تحتضر بالمستشفى، وهو الأمر الذي كان يؤثر في نفسيتها بدرجة كبيرة، مما جعلها تقع مغشيًا عليها على خشبة المسرح، غير مدركة لما يحدث حولها، حتى جاء الطبيب وأسعفها لتستطيع تكملة الدور في هذا اليوم.

 

إن طغت أعمال “نجمة” الفنية العنيفة، سواء السينمائية أو المسرحية على مشوارها الفنية، بحسب ما حققت من شهرة واسعة وصدى كبير لدى الجمهور، أوجد بريقًا لامعًا ومميزًا في تاريخ أشهر الشخصيات العنيفة، والإجرامية في تاريخ السينما المصرية، لكننا لا نستطيع أن نغفل عن أدوارها الأخرى، والتي كانت بها جزءًا من شخصيتها، حسبما كانت تُعرف بأنها نجمة المسرح الغنائي، وتميزت بصوتها الغنائي، قدمت عدة أعمال في هذا الصدد، مثل أشهر أدوارها الشبابية، حينما مثلت دور “غادة الكاميليا” أمام الفنان الراحل حسن البارودي في دور “أرمان دوفال” مع فرقته المسرحية.

 

فبالرغم من كل النجاح المبهر الذي حققته بتقديمها لأدوار الشر، إلا أنها ظلت تتبرأ من كل خصال الشر من روحها الحقيقة، قائلة: “إننـي أنفى أنني نجمـة التي ترونها علـى الشاشـة، شـتان بينهـا وبيني، بيـن الغليظـة القلـب والمرهفـة القلـب، بيـن الشـريرة، والطيبـة التـي تعكـر صفوهـا رؤية الـدم، ولو كان دم دجاجـة”.