محمد الريس يكتب: التطبيع بالأقمار الصناعية

تساءل بعض الشباب المصري في الأيام الماضية على بعض صفحات موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، عن كيفية تشغيل القمر الصناعي الإسرائيلي استعدادا لاستقبال مباريات كأس العالم الذي سيقام في يونيو المقبل، على الرغم من أنه ما زالت أمامهم 3 أشهر قبل بداية المباريات الخاصة به، وربما يكون السبب في التبكير في تشغيله هو محاولتهم التكيف مع القنوات الإسرائيلية والتعرف عليها وترتيبها وفقا لأولوياتهم، كي يستطيعوا مشاهدة كأس العالم الذي يبث على ذلك القمر باللغة العربية وهذا بالتأكيد استجاية منهم للبيان الذي نشرته إحدى صفحات الكيان الصهيوني تبشر فيه كل متابعيها من الدول العربية القادرة على استقبال ذلك القمر بأنهم سيشاهدون مباريات كأس العالم بتعليق وتحليل عربي مجانا، وكأن إسرائيل هي المنقذ لهم من هيمنة مجموعة القنوات “bein sport” القطرية المدفوعة التي تسيطر علي بث كأس العالم باللغة العربية.

نرشح لك,, 15 تصريحا للمراسل “محمد الريس” أبرزها عن الفرق بين “الفضولي” و”المتطفل”

نشر الشباب لهذه الاسئلة أفسح المجال لوجود سجالات كتابية بينهم، وخلافات، وحلقات من السباب حول جواز هذا من عدمه، متحدثين عن كون مثل هذا الفعل هو خيانة للوطن، وبيع للقضية العربية، وتطبيع شعبي غير مرغوب مع عدو ينخر في بنيان دولة شقيقة، وينتهك مقدسات مسلمي ومسيحي العالم العربي والعالم أجمع، ويتحين فرصة الضعف المناسبة لدخول أي من الأراضي العربية لتحقيق حلم دولته الدينية من النيل للفرات من خلال استغلال قنوات موجهة للشعوب العربية تمكنهم من غزو كل بيت عربي فكريا.

ربما يعتقد أصحاب قرار بث مباريات كأس العالم على القمر الإسرائيلي أنهم قد نجحوا وأحرزوا هدفا يزعزع ما استقر في مخيلات الشعوب العربية بأن إسرائيل هي كيان سرطاني لا اعتراف شعبي به وأنها عدو أول لكل عربي، على الرغم من وجود علاقات سياسية رسمية وغير رسمية بين بعض الدول العربية وهذا الكيان، وبالتاكيد هم علي حق بعد موجة القبول البادية هذه، لكن المؤكد أنهم من خلال سلكهم لهذا الطريق يسعون لدخول كل بيت في المنطقة العربية من باب الرياضة وينشرون من خلاله كل أفكارهم الكاذبة والمسمومة عن حقهم في الأرض وتاريخهم المنسي أو حتى لفرض أفكار من نوعية تقبل وجودهم على أرض فلسطين في بيوت الشعوب التي سيقف أبناؤها في وجه هذا الكيان يوما ما، لكن الاغرب هو ما انتشر بين الشباب من تقبل لهذا بحجة أنه فرصة جيدة لهم، غير مدركين لخطورته على فكرهم وعقولنا البشرية القابلة لإعادة البرمجة مرة تلو الأخرى، وبالتاكيد فالسبيل الأنجح دائما هو توظيف وسائل الإعلام التي قد تنجح في تغيير واقع أو زرع أفكار جديدة في عقول بشر يؤمنون بأن كل ما يبث إعلاميا هو صحيح غير قابل لنقاش.

الآلة الإعلامية الصهيونية تبث سمومها منذ سنوات عدة في عقول العرب ونجحت جزئيا في التأثير علبهم دون أي إدراك منهم لذلك وبدرجة تلو الأخرى نجحت في تغيير مفاهيم ومصطلحات برسالات ثابتة ومحددة أصبحت تنطقها ألسنتنا اليوم منها على سبيل المثال وربما الأشهر “حائط المبكى” الذي كان يسمى حائط البراق من قبل، كذلك النجاح في طمس المسميات العربية للمدن الفلسطينية مثل “تل الربيع” التي أصبحت تشتهر حاليا بتل ابيب، وإدخال مسميات ربما يضفي ترديدها على المسامع كثيرا قبولا لها، مثل مسمى جيش الدفاع الإسرائيلي وكأنه جيش للدفاع عن قضية وشعب لا غاصب محتل لأرض.

أصحاب هذا القرار يدركون تماما أن الإعلام صار مؤسسة تربوية وتعليمية جديدة حلت مكان الأسرة، وصار وسيلة ثقافية للكثيرين ويقوم بدور أساسي في تلقين أجيال وأجيال أفكار جديدة علي مجتمعاتهم وبيئاتهم وهو ما سيحدث مع التعود على مشاهدة القنوات الإسرائيلية الناطقة بالعربية وتقبل أفكارها وكلماتها وما تزرع في عقولنا وهو الخطر القادم من وسيلة أصبحت كالعصا السحرية تتحكم بالعقول وتوجهها لتبني مختلف المواقف، وخلق واقع وهمي بأهداف بعيدة المدى تخدم الصالح الإسرائيلي في النهاية وتهدم رواسخ معتقداتنا بحقيقة الوضع الفلسطيني وتنسينا تاريخ النكبة التي عاشها العرب أجمعين ويعيشون تبعاتها لليوم.

ختاما أتمنى أن تنتهي حالة القبول هذه قبل تفشي هذا المرض بحلول بديلة للهيمنة علي بث مباريات كأس العالم بين القنوات القطرية أو الإسرائيلية قبل أن تتزعزع رواسخ أبنائنا وأخوتنا وأصدقائنا الفكرية والمجتمعية، وأن ننشر رفضه بين كل فرد يسير علي أرض دولة عربية مجاورة لهذا الكيان وقد يقبل بعرضهم الدني المضر هذا..