محمد حكيم يكتب: من موقع التفجير.. مراسل ما شافش حاجة

على صوت الهاتف المحمول استيقظت….

أنا: الو

هو: “بسرعة يا حكيم، في انفجار في شارع الهرم، المكان قريب من بيتك، عاوزينك هناك خلال عشر دقايق”.

أنا: “حاضر هتحرك حالًا.. سلام”.

بعد دقائق كنت في الطريق إلى موقع الحادث، وقبل الوصول إليه، رن الهاتف مرة أخرى!

أنا: “خلاص أنا تقريبًا وصلت مكان الانفجار”.

هو: “هايل هناخدك لينك على الهوا بعد عشر دقايق من دلوقتي”.

أنا: “إزاي أنا لسه ما عرفتش أي معلومة هطلع اقول ايه؟؟”.

هو: “مش لازم معلومات، كفاية مشاهدات، أول ما توصل بص على المكان، وقلنا مشاهداتك وانت استاذ وخبرة”.

أنا: “أبص على المكان وأقول!! طيب ربنا يسهل، سلام”.

نرشح لك: 9 تصريحات لـ محمد حكيم.. أبرزها عن سن معاش المراسلين في مصر

بمجرد وصولي مكان الانفجار، قابلني فني الصوت، وسلمني المايكرفون وهكذا اكتملت شخصيتي كمراسل، وعملًا بنصيحة زميلي المعد المسئول عن التقارير، بدأت “ابص” حولي لأكون المشاهدات التي من المفترض أن أنقلها للمشاهدين بعد دقائق، وعلى بُعد أمتار وجدته…!

رجلٌ خمسيني بشرته بيضاء كساها الزمن بسمرة خفيفة، واضح أنه من سكان المكان القدامى، وبالطبع هو “ده المنقذ اللي بدور عليه”، كلمتين منه عن الانفجار.. وقع امتى؟؟ وإزاي؟؟ أضيف أنا عليهم كلمتين من عندي واطلع اقولهم في اللايف، وابقى طلعت من المأزق ده.

وفعلا ما كدبتش خبر واتحركت تجاه الرجل، واطمأنيت جدًا لما لقيته بيبتسم لي وقلت لنفسي: “واضح يا واد يا حكيم إنك مشهور، والراجل عارفك، وأول ما هتسأله هيفتح حنفية المعلومات”، وبمجرد ما وصلت للراجل وقبل ما اسأله لقيته بيقول: “استاذ حكيم كويس انك وصلت، قولي هو ايه اللي حصل علشان انا مش لاقي حد يفهمني في أيه؟؟”. “صمت”

سكت أنا طبعًا من المفاجأة، فكمل الراجل: “شكلك ما بتحبش تطلع معلوماتك إلا في التليفزيون، طب أنت هتطلع امتى وأنا هدخل أشغل التلفزيون واسمعك هتقول إيه، علشان نفسي أعرف إيه اللي حصل ومين اللي عمل كده…”.

طبعا أنا خفت على شكلي قدام الراجل وقلت أقوله كلمتين يحافظوا على منظري كمراسل عارف وفاهم كل حاجة وقلتله: “واضح إن الانفجار ده خطير وواضح أنه رسالة من الجماعات الإررر…”، وفجأة لقيت صوت الفنان الكبير محمود عبد العزيز الله يرحمه بيرن في ودني وهو بيقول على لسان الشيخ حسني في فيلم الكيت كات: “هو إذا مكنش سليم النظر اللي زي، يساعد عاجز النظر اللي زيك يبقى قول على الدنيا السلام”.

وبدأ السؤال يسيطر على تفكيري، هل ممكن أكون أنا الشيخ حسني: الراجل اللي عارف من جواه أنه مش شايف حاجة، لكن لأنه متأكد أن اللي بيسمعوه متخيلين أنه شايف، اللي هما مش شايفينه بيمثل دور الخبير وبيقول أي كلام والسلام؟؟

سؤال صعب وإجابته أصعب منه بكتير، وبتولد أسئلة أصعب وأصعب، من نوعية إذا كان كل الناس عندها نظر وبتشوف زي المراسل تمام ويمكن أحسن كمان فليه منتظرين منه يشوف اللي هما مش شايفينه؟؟ وهل ده ممكن أصلا؟؟ الحقيقة إني بعد سنين من مواجهة الاسئلة دي كل يوم تقريبًا وجدتلها إجابة…

الإنسان العادي عنده النظر الفطري، اللي بيوفرله مشاهدة سطحية لأنه مش مُدرب أو مفتقد للخبرة أو حتى مكسل، أما المراسل التليفزيوني فالمفروض أنه عنده نظرة عميقة: اللي هي بتتكون من ثلاث مراحل (النظر، والتفكيك، والربط).

في مرحلة النظر بتشوف الأشياء زي أي إنسان عادي، فبتشوف عم محمود بواب العمارة على أنه عم محمود بواب العمارة وبس، أما في مرحلة التفكيك فبتحلل الأشياء يعني عم محمود بيتحول في عنيك إلى شعر شايب، ووجه مليان تجاعيد، وبشرة سمراء، وجلابية صوف إنجليزي، وأخيرًا في مرحلة الربط بتربط اللي وصلت له في مرحلة التفكيك بمعلوماتك ومخزونك المعرفي، فشعر عم محمود الشايب بتشوف فيه عمره اللي تخطى الخمسين، والوجه المليان تجاعيد بتشوف فيه المعاناة اللي عشها عم محمود في حياته، أما بشرته السمراء فبتأكد لك أنه من أبناء الصعيد، لكن جلابيته الصوف بتفضح لك سر شغلانة السمسرة، اللي بيشتغلها عم محمود جنب مهنته الاساسية، واللي بيكسب منها فلوس كتير.

ولما تشوف المكان والناس بالنظرة العميقة دي هتكتشف إنك فعلا بتشوف اللي الناس العادية ما بتقدرش تشوفه، وساعتها بس هيختفي من جواك صوت الشيخ حسني، وهتسمع بدل منه صوت الفنان محمد صبحي في شخصية عرة الشواف، وهو بيقول: “الشوف الحقيقي يا ابني مش نظر الشوف الحقيقي وجهة نظر”.