أحمد ندا: وبات اسم هيكل يُجمع مع توفيق عكاشة

يبدو أن “عاصفة الحزم” تقتلع جذور الكثيرين ممن رسخوا لعقود. في ذروة هبوبها، أربكت حسابات السياسيين، مع الغموض الذي يحيط بتفاصيلها اليومية. والصحافة تتغذى على النميمة والتخمينات أكثر مما تمنح المعلومات. غير أن العاصفة العاتية شهدت، أخيراً، سقوط هيكلها التاريخي، محمد حسنين هيكل، في فخ “التحليل الخاطئ”.

الصحافي التاريخي، والتاريخ الصحافي الماشي على قدمين، و”المفكر الضرورة” محمد حسنين هيكل، لم يقرأ، بتحليلاته، الواقع، ولا متغيرات التاريخ. فهيكل الذي يطل بشكل ثابت عبر شاشة “سي بي سي” ومن خلال برنامج لميس الحديدي “هنا العاصمة”، كان قد “تكرّم” على مشاهديه بتسجيل حلقة عن الوضع في اليمن وما ستؤول إليه الأحوال، والتسجيل تمّ في اليوم السابق لبداية الحرب، وهو استبعد خلاله التدخل العسكري لحل الأزمة اليمنية المستعرة، الأمر الذي ثبت أنه خاطئ، بالطبع، بعد ساعات قليلة من تسجيل الحلقة.

فماذا يفعل “الأستاذ” أمام المتغير المفاجئ الذي لم يتوقعه؟ طلب هيكل من قناة “سي بي سي” ألا تذيع الحلقة لأنه سيظهر بمعلومات وتحليلات غير صحيحة، وبعيدة من دوائر صنع القرار دوليًا وعربيًا، بحسب ما جاء في “جريدة الوطن”، المملوكة لمحمد الأمين صاحب “سي بي سي”. وتبرع الأستاذ بتسجيل حلقة جديدة بناء على المعطيات الجديدة والأحداث المتسارعة، ليعطي تحليلاً جديداً، يقينياً كذلك(!)، عن ملابسات ما يحدث وعن نتائج هذه الحرب.

يقف “الأستاذ” دائماً على ناصية اليقين الذي لا يتزعزع، ويجلس على كرسي الحتمية، مشرفاً على دراويشه كالأنبياء، ليلقي عليهم من “حكمته الواسعة” ومعلوماته التي لا يمكن أن يرقى إليها شك. “الأستاذ” قادر على الثرثرة لساعات في اللاشيء، طالما أن صورته النبوية محفوظة في عيون متابعيه، فهو القريب دائماً وأبداً من دوائر صنع القرار، العالِم بخفايا الأمور التي لا يعلمها أصحابها أنفسهم.

لا يقدم هيكل نفسه بوصفه “محللاً” لظروف تاريخية ملتبسة، بل “المحلل” بألف ولام التعريف! وهو ما أجبره على عدم الانصراف عن المشهد.. فكيف يمكن أن يفهم المُشاهد المصري والعربي ما يحدث من دون وجوده؟ خصوصاً أن دراويشه وعبّاده ومحبيه موجودون ليحولوا كلامه إلى قرآن صحافي يتلونه آناء الليل وأطراف النهار؟

عندما انصرف هيكل عن الصحافة الورقية واتجه إلى الشاشة، كان يعلم جيداً أن قوة الصورة تجاوزت الكلمة المكتوبة، وأنها الأدوات والوسائل الأكثر مساهمة وفاعلية في الضبط والتحكم في المجتمعات الحديثة. وتبعاً لبورديو، فهي أداة من أدوات “العنف الرمزي” الذي تستغله الطبقات الاجتماعية السائدة والمهيمنة تقوم بتسييرها خدمة لمصالحها ومكتسباتها. هيكل يوظف سلطة الصورة، وعنفها الرمزي لتكريس نبويته، بعدما أخذ كل ما يمكن أن يؤخذ من الصحافة الورقية، مرتديا لقب “الأستاذ” الذي لا يقصد به هيكل.

المهم، أنه مع التسريب الأخير، الذي لا يليق بقدسية هيكل وتاريخه، والثبوت اللفظي لتحليلاته وتعدده التأويلي، خرج بعض الصحافيين ليهاجموه هجوماً عاتياً، مثل صحافي النظام، الدندراوي الهواري، في صفحات جريدة “اليوم السابع”، والإعلامي أحمد المسلماني، الذي قال إن هيكل لم يكن إلا ليعارض #عاصفة_الحزم بسبب ارتباطه ومصالحه مع إيران.

وذكر المسلماني، أن هيكل ارتبط بعلاقة خاصة ومتينة مع الزعيم الإيراني آية الله الخميني، منذ سنوات طويلة، وتحديداً منذ نفي الخميني إلى باريس قبل سنوات قليلة من الثورة الإيرانية. وكشف أن هيكل “عمل مستشاراً إعلامياً للخميني في منفاه الفرنسي، ثم بعد عودته إلى إيران وسيطرته على مقاليد الأمور والسلطة فيها، وساهم بشكل محوري في الحملات الإعلامية التي تعرض لها الشاه في الإعلام العربي، بدفع وحرص من هيكل”. واستشهد المسلماني بكتاب من أشهر كتب هيكل وهو “مدافع آية الله”، وإطلاقه “الخليج الفارسي” على ما يُعرف بالخليج العربي في كتابه “المقالات اليابانية”، وأُطلق عليه لقب “روبرت فيسك” العالم العربي.

كل ما سبق، اعتاده هيكل طوال حياته، وتحديداً بعد عزله من مؤسسة “الأهرام” في منتصف السبعينات، والهجوم عليه دائماً ما يكون قاسياً وعنيفاً. غير أنه يشهد –هذه الأيام- أسوأ أشكال الهجوم عليه، والمتمثّل في جَمعه مع توفيق عكاشة في جملة واحدة! ليس هذا فحسب، بل إن مَن جمع الإسمين قال إن “هيكل أخطأ في تحليله وأصاب توفيق عكاشة”.

بعد اغتيال السادات بشهور قليلة، خرج محمد حسنين هيكل بكتاب “خريف الغضب” وسخر فيه من أصل السادات وجدّته السودانية وبشرته السمراء في واحدة من أكثر كتبه وضاعة، ليردّ عليه الفيلسوف والمفكر فؤاد زكريا بكتاب اسمه “كم عمر الغضب” وعنوانه الفرعي “انتقام الأرشيف” ليحلل احتياج هيكل وإلحاحه على صورة أنه يعرف ما لا يعرفه غيره.

غير أن الأرشيف الورقي المتهالك المترب، لم يعد له مكان يا “أستاذ”. والأحرى أن تستخدم “غوغل”، لعلك تُجاري اللحظة، بدلاً من التعالي عليها.. والسقوط في بئر تحليلاتك.

نقلًا عن موقع “المدن”

اقرأ أيضًا:

خمسة الآف جنيه سبب وفاة حمادة سلطان

‫يوسف الحسيني: التوتوك المصري زي “الصرصار” وقبيح زي المسئولين

السيسي لرافضي استقباله أمير قطر: الكبير كبير

عكاشة: السيسي قادر على حل الأزمة السورية في يوم واحد

‫الأزهر يطلب رسميًا وقف برنامج إسلام البحيري

كاريكاتير إيهاب هندي : التردد والتطبيل والقنوات الفضائية

10 صور من عزاء والد إبراهيم عيسى

عمر الشريف يكشف سر عدم كتابته مذكراته

 7 صور من تكريم أميتاب بتشان بالهرم

منى سلمان في ضيافة مكتبة الإسكندرية

الحسيني لـ”برهامي”: كلامك كذب وتدليس

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا