أحمد فرغلي رضوان يكتب: "Darkest Hour"..  سينما "تبييض" الوجوه!

“الفيلم غير وجهة نظري عن تشرشل” هكذا قال لي صديقي الدبلوماسي عقب مشاهدتنا لفيلم Darkest Hour والذي تدور أحداثه عن الجزء الأهم لحياة السياسي البريطاني الشهير ونستون تشرشل، لن أجاوز الحقيقة إذا قلت إن الممثل العبقري “جاري اولدمان” سبب مباشر في نجاح الفيلم منذ المشهد الأول وحتى الأخير تظل مشدودا في اندهاش من عبقرية الآداء لهذا الممثل.
الفيلم الذي كتب له السيناريو “أنتوني ماكارتن”، والإخراج ل”جو رايت”، تدور أحداثه خلال شهر مايو 1940، وهو الشهر الأصعب في تاريخ بريطانيا وحلفائها أثناء الحرب العالمية الثانية والتي كادت أن تنتهي فيها الامبراطورية إلى الأبد، اختاروا تشرشل ليكون كبش فداء الساعات العصيبة ويواجه رئيس الوزراء المعين حديثا تحديا لا يحسد عليه سواء “التفاوض” مع العدو “هتلر” الذي كان كثيرون في مجلس وزارة الحرب التي شكلها يحثونه على القيام به وكان بمثابة الاهانة لبريطانيا، وبالتالي تجنيب الجنود المحاصرين من الإبادة المحتملة، أو وضع خطة “الهروب” مع بناء الروح المعنوية لعامة الشعب ، وهو ما يتطلب منه عمل توازن دقيق في قراراته، ليفاجئ الجميع بالعكس فيحشد الشعب لخوض الحرب والانتصار في النهاية! حيث نجح نداءه للشعب وإنقاذ مراكب الصيد المدنية للجنود العالقين المحاصرين في “دونكيرك”.
العبقري
يأخذنا في أداءٍ آسر وساحر الممثل البريطاني “جاري أولدمان” وراء ونستون تشرشل مسحورين ومبهورين به فجعل المتفرج يصدق أن الذي تشاهده على الشاشة “تشرشل” العجوز “السكير” الذي يدخن السيجار بشراهة، بالفعل وصل لأعلى درجات مستوى التمثيل في هذا العمل ولذلك كان من الطبيعي أن يقتنص جائزة أفضل ممثل من القدير “توم هانكس” في حفل جوائز الجولدن جلوب الأخير ومرشح بقوة للأوسكار، أيضا تميزت الإضاءة والديكور والمكياج في الفيلم على الإحساس بتلك الفترة، ولفتت نظر المشاهدين الممثلة “ليلى جيمس” بملامحها البريئة وعيونها المعبرة فقدمت شخصية السكرتيرة بجاذبية شديدة.
درس للساسة!
في أفضل مشاهد الفيلم ينزل “تشرشل” فجأة من سيارته ويتوجه بمفرده ودون مرافقيه إلى مترو الأنفاق “يقولون إنه فعل ذلك متعمدا” لأخذ رأي الشعب، ونشاهد مشهد حواري بليغ بينه وبين الركاب خلال رحلته إلى محطة “وستمنستر” ينجح خلال تلك الدقائق أن يلهب حماسة المواطنين، ويظهر في البرلمان ويوجه رسالة للشعب بقراره بخوض المعركة للنهاية وهو القرار الذي أعتبره الكثيرون “انتحارا”. الفيلم يؤكد أن هناك اتجاه في الغرب لإعادة تقديم التاريخ السياسي والحربي بوجهات نظر جديدة في الفترة الأخيرة، ولكن لا يمكن إغفال أن الفيلم “تبييض” وتلميع شخصية تشرشل التي أستحوذت على سيناريو الفيلم فلم نشاهد صراع سياسي مشوق مع خصومه في السيناريو رغم وجود أطراف كثيرة بالأحداث كانت ممكن أن تساهم في ذلك، أيضا لم يجعلنا المخرج نشاهد الحرب مكتفيا بصور طائرات تسقط قذائفها في مشهدين فقط، فالتركيز الأكبر كان عن كواليس البرلمان وقصر بكنجهام ومكتب تشرشل وجزء من الصراع الخفي بين تشرشل وأعدائه، الفيلم به درس “للساسة” حول ممارسة الحرفة في وقت “الأزمات”، فكيف لرئيس حكومة لا يحبه العديد من زملائه في حزب المحافظين ولا يثق به الملك، والوضع السياسي مهزوم، والتقارير العسكرية سيئة أن يتغلب على كل ذلك وينقذ الأمة، وعلى الرغم من الكوارث التي خلفها لنا تشرشل إلا أن هذا الفيلم ممكن أن نقول أنه نجح في “تبييض” صورته وسيرته وأيضا ليضخ في “الأمة البريطانية” معنويات عالية من جديد بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، ويقولون إنه لدينا ما نفخر به في تاريخنا، على الرغم من ان تشرشل لازال يُذكر اسمه بجانب جرائم أرتكبتها الامبراطورية البريطانية في الهند وكينيا وغيرها من المستعمرات، وأيضا تصريحاته حول “فلسطين” في الأربعينيات ولكن الفيلم جعله هذا السياسي “البطل” صاحب المشاعر الإنسانية النبيلة في خطاباته! وممكن جدا أن تصدقه وتغير وجهة نظرك بعد مشاهدة الفيلم.
يعتبر تشرشل أول رئيس وزراء يحصل على جائزة نوبل في الأداب وذلك لاتقانه الوصف التاريخي والسير فضلا عن أسلوب خطابته المذهل في الدفاع عن القيم الإنسانية السامية، وبالفعل منذ مشهد ظهوره الأول تركيز كاميرا المخرج على الاهتمام الكبير لتشرشل بالكتابة وهو في غرفة نومه و سكرتيرته جالسه خلف الآلة الكاتبة والتي ظلت معنا حتى مشهد النهاية، فنجح عبر خطاباته في تلك الأيام أن يحشد الجمهور وراءه.