"آخر الرجال في حلب".. يهتف ضد بشار الأسد!!

نقلًا عن المصري اليوم

طارق الشناوي

الموقف من السينما السورية في المهرجانات العربية كان ولا يزال ملتبسا وغير محدد القسمات، وذلك منذ 2015، حيث تبدلت العديد من المواقف السياسية الرسمية تجاه بقاء بشار، الذي كان ينظر إليه قبلها على اعتبار أن لا حل سياسي في وجود بشار ليصبح لا حل إلا بيد بشار.

لا تدري على وجه الدقة هل هي توجهات المهرجانات أم أنها توجهات الدولة التي يقام المهرجان تحت رعايتها؟ أتصور أن مهرجان (القاهرة) وقبله مهرجان (قرطاج ) وسبقهما (الإسكندرية ) باتت تعلن انحيازها للوضع القائم في سوريا، والذي يقضي ببقاء الأسد بشار على سدة الحكم، وأنه لا مجال لتوجيه أي ضربات له والتغاضي حتى عن عنف النظام ضد معارضيه، لقد اشتعلت الثورة بسبب ممارساته القمعية. هناك مع الأسف مساحة من الضبابية تغلف مثل هذه الأمور، برغم أن الأمر بات واضحا، من يقف مع الحرية كهدف سام لا يمكن أن يدافع عن ديكتاتور أغرق شعبه في معارك وشرد الملايين، للدفاع عن بقائه، نعم للسياسة حسابات أخرى، العالم الذي كان يقف ضد الأسد، انحاز له لأن لديه عدو أكبر وهو القضاء على داعش وأخواته، في العادة هناك حسابات سياسية قصيرة وأخرى طويلة الأمد، بقاء بشار مرحليا هو ما توافق عليه العالم ،لأن المعركة الأساسية هي مع من يريدون العودة بنا لعصور الظلام، معركتنا الأساسية ضد أعداء الحياة ولكن علينا ألا ننسي أن من خلق ومهد الطريق لكل ذلك هو الديكتاتور، وهكذا استمعنا في فيلم (آخر رجال حلب) إلى هتاف يعلو بسقوط بشار.

نعم الامر في مثل هذه الأفلام التوثيقية أنها تتحدي الدنيا بكل تقلباتها وتقف صامدة، أما من يريد طمس الحقائق فهو ينتقي منها ما يؤيد وجهة نظره، علمنا التاريخ أن الحقيقة لا تموت وهكذا ستظل تلك الأفلام وثائق تتنفس أوكسجين الصدق.

المخرج السوري فراس فياض يتناول في فيلمه موقف رجال الدفاع المدني وبطولاتهم في إنقاذ البشر من الدمار ويتخلل الفيلم توثيق حي لكل التفاصيل، وتري الأطفال وهم يخرجون من تحت الأنقاض والدماء تغرق أجسادهم، ولكنها إرادة الله التي جعلت هؤلاء شهود أحياء للزمن القادم، الفيلم يقف ضد داعش ولكنه في نفس الوقت كثيرا ما يتوقف بالتذكير بعدائه للديكتاتور، عدد ممن شاركوا في الفيلم من رجال الدفاع المدني لاقوا حتفهم وأصبحوا شهداء عند عرض الفيلم، بعد أن كانوا شهودا على ممارسات بشار ولكن الفيلم يظل وثيقة ووسام على صدرورهم.

علينا أن نُطل على المعارضة السورية التي تف في وجه بشار، هي الآن في موقف ضعف، لأن أغلب الأوراق لم تعد في حوزتها، بينما بشار يصنف المعارضة أنهم أعداء الوطن، الفيلم طبعا خرج عنوة من تحت يدي النظام السوري الذي يملك من خلال مؤسسة السينما السورية التي تتبع وزارة الثقافة هناك، توجيه الدفة كما يحلو له، فهو يقدم أفلامه لتتبني وجهة نظر بشار، بينما هناك خط مواز يفضح ممارسات بشار.

من المؤكد أن المهرجانات السينمائية العربية باتت في مأزق ولكن مهرجان (دبي) اختار أن يقف مباشرة مع الحرية ويعرض الأفلام التي يعلو صوتها ضد الديكتاتور.

**

وتماشيا مع موقف الحرية أيضا كانت هناك وقفة احتجاجية ضد ترامب من عدد من المشاركين في المهرجان ومع اختلاف جنسياتهم تضامنوا في وقفة جماعية، وهناك بيان تم توقيعه بعدد من ضيوف المهرجان.

**

المهرجان ينتعش بالسوق الموازية وهو ما تجده في (دبي) ربما لو حدث في مهرجان (القاهرة ) لوجدنا أن المدفعية الثقيلة توجه لقصف المهرجان من كل الاتجاهات، برغم ان السوق سينمائية بالدرجة الأولي، حيث تعقد الصفقات التجارية لإنتاج وتوزيع الأفلام، إلا أن هناك توازنا مع الدراما التليفزيونية، حيث عقدت ندوة على هامش المهرجان، نظرا لأن هناك هامش مشترك بين صناعة الأفلام والدراما، كما أن تكدس العروض التليفزيونية في رمضان بات يشكل عائقا، تكتشف أن قرابة نحو 40 % من الإعلانات المرصودة طوال العام تتوجه نحو رمضان وبالتالي تصبح السوق منتعشة فقط في تلك الأجواء الرمضانية، وعندما تعلو أجور النجوم تليفزيونيا، وتدفع صناعة السينما الثمن فهي أشبه بنظرية الأواني المستطرقة، من هنا جاءت الندوة التي تتوقف أمام الهامش الذي تجد فيه السينما والدراما في المواجهة.

**

تستطيع أن تعثر على مفتاح التحرر الاجتماعي، من خلال رصد ما تحظى به المرأة من حرية، وفي دولة الإمارات العربية تم تعيين السيدة نورة الكعبي وزيرة للثقافة وتنمية المعرفة وهى لم تبلغ بعد 38 من عمرها، والرسالة قطعا واضحة في مدلولها للعالم، حيث افتتحت الوزيرة المهرجان بكلمة أشادت فيها بفن السينما، وكيف أن الأفلام ساهمت في تشكيل وجدانها؟ ومن المملكة العربية السعودية تأتي المخرجة هيفاء المنصور لتقدم وجها آخر للمرأة، أخرجت قبل خمسة أعوام فيلم (وجدة) وهو أول فيلم روائي سعودي يرشح للأوسكار، وفي هذا الفيلم الذي كان يتناول حق البنت في قيادة الدراجة لنجد أن السعودية قبل بضعة أسابيع أقرت حق المرأة في قيادة السيارة وهكذا سبقت السينما الواقع.

نرشح لك: محمد وليد بركات يكتب: مدينة الإنتاج الإعلامي الفاضلة!
تاريخيا طبعا هناك أكثر من مخرج سعودي سبق هيفاء، إلا أن ما قدمته هيفاء المنصور هو في الحقيقة سينما بالمعني الحقيقي للغة السينمائية وهو أيضا، ما قدمه بعدها المخرج محمود الصباغ في فيلمه الجريء (بركة يقابل بركة) الذي عرض في منتدي مهرجان (برلين) قبل عامين ورشح أيضا لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، وهو من الأفلام التي لا يمكن إلا أن تجد فيها درجة من النقد الاجتماعي تتجاوز العديد من (التابوهات) الخليجية.

هيفاء المنصور هي نجمة المهرجان هذه الدورة شاركت بفيلم (ماري شيلي) وهو فيلم بريطاني في قسم (سينمات العالم) كما أنها حصلت على جائزة (آي دبليو سي) منحتها لها النجمة الأسترالية العالمية كيت بلانشيت عن سيناريو فيلم (ملكة جمال الإبل) في حضور يسرا وهند صبري وعبدالحميد جمعة رئيس المهرجان ومسعود أمرالله المدير الفني، وهو سيناريو فيلم (رسوم متحركة ) يروي علاقة ثلاثية بين ناقة تريد المشاركة في مسابقة ملكة الجمال في أبوظبي وفتاة تريد استكمال دراستها في أبوظبي وصقر يوجههما في الطريق من جده إلى أبوظبي، علاقة ثلاثية تجمع بين إنسان وحيوان وطائر ينشد الثلاثة الحرية والجمال، وهما القيمة التي ندافع عنها جميعا!!