مصطفى حمدي يكتب : شادية تحييكم من ستاد القاهرة

مئة ألف متفرج يملأون جنبات ستاد القاهرة منذ الصباح الباكر، لا موضع لقدم في المدرجات التي تشتعل بالحماس أملًا في التأهل لكأس العالم ، في 17 نوفمبر 1989 قرر الجنرال محمود الجوهري إعادة اكتشاف الكثير من الأشياء، بدأت بالأمل في الولاد السمر الشداد، وانتهت بصوت شادية .

يحكي سمير عدلي المدير الإداري للمنتخب وقتها أن الجوهري اتفق مع ادارة الاستاد على تشغيل الأغاني الوطنية عبر الإذاعة الداخلية قبل المباراة بساعات ، كان الجوهري يكتب سيناريو المباراة بداية من طعام اللاعبين مرورا بخطة اللعب وصولًا إلى ضبط الحالة المزاجية والحماسية للجمهور، توقف الجنرال أمام أغنية واحدة طلب تكرارها مرارا ، “ياحبيبتي يامصر” هذه الأغنية ستشعل حماس الجمهور وستثير غيرة اللاعبين، وقد كان، فلا ينسى من حضر المباراة هذه الرجفة التي تسللت تحت الجلود لحظة الهتاف مع شادية بصوت عالي وهي تشدو “ياحبيبتي يامصر ياااااامصر” والدموع تهرب من الجفون وسط إيادي ترتفع وحناجر تهتف “يارب يامسهل المنتخب يتأهل “.

صعدنا كأس العالم وبقيت الأغنية كنقش أصيل في الذاكرة ننثر عنه غبار الأيام مع كل مناسبة وطنية ، ومباراة هامة ، أو ذكرى تدعوا للفخر ، عاشت الأغنية رغم اختيار صاحبتها الإنسحاب والابتعاد عن الأضواء ، اختيار لم تعرف معه شادية أن فنها الخالد سيجعل أضواء الشهرة ومحبة الملايين ترافقها حتى مشهد النهاية .

تحكي شادية في لقاء تليفزيوني نادر قصة الأغنية الأشهر فتقول : قبل هذه الأغنية لم نكن نردد إسم مصر ، كنا نقول الجمهورية العربية المتحدة ، تصادف أنني كنت قد ابتعدت عن الغناء على خشبة المسرح منذ أربع سنوات واتفقت على العودة بأغنية تحمل اسم “عالي” ،كان بليغ حمدي يحفظني لحنها استعدادا للحفل ، وتطرقنا لسؤال لماذا لا نقول مصر ونصر على اسم الجمهورية المتحدة ، مصر أقرب للقلب من أي شيء ، فكتب محمد حمزة “ياحبيبتي يامصر” ، ولحنها بليغ فورا وسجلناها في الإذاعة قبل أغنية عالي وغنيتها في الحفل وأصبحت واحدة من أشهر الأغنيات الوطنية .

تحكي شادية متأثرة : كلما غنيت جملة “ولا شاف النيل في أحضان الشجر” تدمع عيني ، أتخيل المشهد الذي أصبح صورة مرتبطة بكلمة مصر في وجداني ، بعد سنوات تلقيت العديد من القصائد والكلمات المناسبة لأغنيات وطنية ولكنني ظللت متعلقة بـ”ياحبيبتي يامصر” ، هذا الإحساس قد يفسر تصريحها لكمال الملاخ في حوار اذاعي بأنها تحب اللون الأخضر لأنه يذكرها بالزرع ، هل كانت شادية تزرع نبته جديدة في قلب جمهورهامع كل أغنية تغنيها ؟ ربما .

في ستاد القاهرة أيضا وفي نوفمبر 2009 ، نفس الأغنية تصدح في مكبرات صوت الاذاعة الداخلية ، والالاف يحتشدون في مباراة الجزائر الشهيرة ، فزنا بهدفين وذهبنا لفاصلة في أم درمان لم يحالفنا الحظ فيها ، بعد 8 سنوات أخرى تكرر المشهد في ستاد برج العرب ، ظلت شادية حاضرة بصوتها وكأن خيطا متينا ربط بين الأغنية وصاحبتها وكأس العالم والكورة ومزاج المصريين والوطنية والأيام الحلوة وأشياء كثيرة ستبقى شادية شريكًا فيها .