محمد إبراهيم طعيمة يكتب: عندما صفعتنا الجزائر على وجوهنا!!

لم يكن قرار الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، تخليد اسم الفنان المصري محمد فوزي بإطلاق اسمه على المعهد الوطني العالي للموسيقى بالجزائر، ومنحه وسام الاستحقاق الوطني ما بعد الوفاة، إلا صفعة على وجه كل مسئول مصري كان سببًا في ظلم فوزي في حياته وبعد مماته.

ففي الوقت الذي قررت فيه الجزائر تكريم فوزي وتخليد اسمه في إطار ذكرى مرور 60 عامًا على قيامه بتلحين أغنية النشيد الوطني لبلد المليون شهيد -والتي حملت اسم “قسمًا”؛ وعرفانًا من الجزائر لمن قدموا لها الدعم والمساعدة في وقت كان يتطلب ذلك، مازال المسئولون عن الثقافة والفنون في مصر مُصرين على تجاهل فوزي ونكران حقه رغم كل ما قدمه لمصر.

ولمن لا يعرف، فمحمد فوزي هو ابن ريف مصر الذي بدأ حياته ليس من الصفر بل من تحت هذا الصفر، فقد جاء من قريته القريبة من مدينة طنطا وهو لا يملك قوت يومه، ولا يحمل إلا فنه وموهبته، وكافح حتى أصبح أحد أهم نجوم الغناء والتلحين والتمثيل ليس في مصر وحدها وإنما في كل أنحاء الوطن العربي، ويجمع من وراء هذا الفن مالًا يضمن له حياة كريمة.

لم يبخل محمد فوزي على مصر يومًا ما، فقد وقف بجانبها في أحلك ظروفها، ليس بفنه وأغنياته كـ “وطني أحببتك يا وطني” فقط، وإنما بماله أيضًا، فقد شارك في مساندة ثورة 23 يوليو وقام بجمع التبرعات للجيش المصري من خلال فعاليات “قطار الرحمة”، وحين قرر الرئيس جمال عبدالناصر، دعم الصناعة المصرية والاستغناء عن المنتج الأجنبي وتوفير العملة الصعبة التي يتم الاستيراد بها من الخارج، استجاب فوزي على الفور وباع كل ما يملك من عقارات، وسحب رصيده من البنك، ليؤسس شركة “مصر فون” عام 1958، لتكون أول شركة مصرية في منطقة الشرق الأوسط لإنتاج وصناعة الأسطوانات.

ومن جديد يساهم محمد فوزي في دعم الاقتصاد المصري، بقراره أن يضرب المنتج الأجنبي لصالح المصري، حيث قرر بيع الأسطوانة التي تنتجها شركته “مصر فون” بسعر 35 قرشًا فقط، في الوقت الذي كانت تبيعها الشركات الأجنبية بسعر 1 جنيه، أي ضعفي الثمن، ليوفر بذلك على المواطن المصري، ويصدر أسطواناته للخارج بالعملة الأجنبية.

وقرر المسئولون في الدولة المصرية وقتها رد الجميل لمحمد فوزي على كل ما قدمه لمصر، حيث قرروا في عام 1961، تأميم شركة “مصر فون” وضمها للدولة لتصبح فيما بعد “صوت القاهرة”، رغم أن فوزي لم يكن من الإقطاعيين أو الوصوليين أو أبناء الذوات، ليتأثر فوزي بذلك القرار الظالم ويصاب بمرض نادر لم يعرفه الأطباء بعد، ووصل به الحال لأن صار وزنه مثل طفل لا يتجاوز عمره 7 سنوات، ليتوفى نتيجة حسرته على ضياع حلمه وتجاهل الدولة له، في أكتوبر عام 1966.

الآن وبعد 51 عامًا على وفاة محمد فوزي، مازالت أغنياته تعيش بيننا ويعرفها الأطفال قبل الكبار.. الآن وبعد 51 عامًا مازالت شركته التي بناها بماله وجهده وعرقه تعمل وتدر الأموال على خزانة الدولة المصرية.. الآن وبعد 51 عامًا لم يفكر مسئول مصري واحد في تكريم محمد فوزي، حتى جاءت الجزائر وصفعتنا جميعًا على وجوهنا لتذكرنا بأننا جاحدون، ظالمون لأبنائنا، ناكرون للجميل.. فهل نفيق؟!