3 مخرجات مصريات أضأن لجان تحكيم "قرطاج"

طارق الشناوي

نقلا عن المصري اليوم

ومهرجان قرطاج يلملم أوراقه فى تلك الدورة التى تحمل رقم 28 وأعلنت جوائزه مساء أمس (السبت)، أتوقف أمام لمحة تابعتها فى البداية، لم أكن أستطيع أن أتأملها وأكتب عنها وأفلام المهرجان وأحداثه تتدفق أمامنا، ولكن الآن أصبح من المهم، بل واللازم، أن نسترجعها معا.

المهرجان استعان بثلاث مخرجات مصريات فى لجان التحكيم المختلفة، حضور مصر فى أى مهرجان عربى لا أتصوره حدثا، دائما لنا تواجد بالأفلام والفعاليات ولجان التحكيم والتكريمات، ولكن ثلاث مخرجات دفعة واحدة فى لجان التحكيم هو الحدث الاستثنائى، المخرجات وهن كاملة أبو ذكرى فى لجنة تحكيم (الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة)، وجيهان الطاهرى فى (الوثاثقية الطويلة والقصيرة)، وهالة لطفى فى مسابقة (العمل الأول) التى تحمل اسم الناقد التونسى الكبير (الطاهر شريعة).

قبل الحديث عن المخرجات الثلاث يجب أولا أن نذكر أن نجيب عياد، رئيس المهرجان، عندما وقع اختياره على المخرجات لم يتم اختيارهن بسبب تاء التأنيث، ولكن كانت المفاضلة هنا أساسا للإنجاز الفنى، فلا يمكن أن يُصبح الرهان على هذا النحو لمهرجان عريق يتوجه إلى ذرى آفاق الإبداع، لأن (كوتة) المرأة، خاصة فى المجال الإبداعى، هى أسوأ ما يمكن أن تطالب أو تسعى إليه المرأة، حتى فى المجال السياسى، فما بالكم بالإبداع الثقافى والفنى؟، ربما وبنسبة ما وطبقا لعامل التوازن الجغرافى يلعب البلد الذى ينتمى إليه المخرج دورا فى الاختيار، بمعنى كل مهرجانات تراعى أن تتسع الرؤية لتشمل العديد من البلاد طبقا للمساحة الجغرافية التى تتحرك فيها أنشطة المهرجان، تلك هى الرؤية الحاكمة، ولكن مثلا لو قلت إن مهرجان قرطاج له إطلالته الأفريقية والعربية سوف يسعى لكى تتواجد عناصر فى التحكيم تمثل هذه الدول، ولكن لا يمكن قطعا تصور أن مجموع هذه الدول تقريبا 60 وأن كل دولة سيمثلها عضو مستحيل عمليا، ولكن الأقرب للصحة أن يوازن بين العربى والأفريقى معا حتى يبدو الأمر لا يحمل أى انحياز يؤثر على المصداقية بين العربى والأفريقى، ومن هنا فإن إدارة المهرجان هذه المرة جاء أيضا اختيارها لصالح المخرجات فنيا وليس للجنسية المصرية التى لا أنكر أهميتها، ولكنها ليست الفيصل، لم تلعب جنسية المهرجان ولا جنس المخرجات دورا، تم اختيارهن فقط لما قدمنه من فن.

صحيح أن تونس هى البلد العربى الأول فى منح المرأة حقوقها، والحبيب بورقيبة منذ الستينيات أدرك أن الذى يحقق للمجتمع توازنه حصول المرأة على حقوقها، ولكن لا يوجد قرار ولا منهج لفرض المرأة على المواقع المختلفة، ولكن فقط فى حصولها على حقوقها، قوة المجتمع تقاس عالميا بعديد من المؤشرات، أهمها حقوق الأقليات، وأيضا مدى تمتع المرأة بحقوقها.

عدد من المهرجانات كنوع من المؤازرة تتعمد تشكيل لجنة تحكيم نسائية، ولست من أنصار تلك التقسيمة المجحفة، التطرف فى الانحياز للمرأة مثل التطرف للرجل مرفوض، لأنه يطيح بالمصداقية، ما حدث فى قرطاج هو أن الاختيار للقيمة المطروحة التى حققها الفنان ولا دخل هنا لرجل أو امرأة.

لو تابعت جوائز المهرجانات فى العالم، هناك فقط جائزة أفضل ممثل وأفضل ممثلة نظرا لطبيعة الاختلاف فى الأدوار، ولكن لا توجد فى المهرجانات مثلا جائزة لأحسن مخرجة ولا مونتيرة او مصورة، لأن الإبداع بطبعه لا يعترف بتلك الفروق البيولوجية، فهى ليست مسابقات رياضية تلمح فيها القوة، هى المسيطرة فى الجرى والقفز وحمل الأثقال، من الممكن، بل من الحتمى، أن نضع تلك الفروق، بين المرأة والرجل، العضلات النافرة المعبرة عن القوة من الممكن أن تلعب حقا دورا ولكن الإبداع مصدره العقل لا جنس له.

المخرجات الثلاث لهن رصيدهن الذى حققنه فى المشوار مع اختلاف مجال الإبداع بين كل منهن، كاملة أبوذكرى انطلقت سينمائيا فى الألفية الثالثة، وكان لها أكثر من فيلم وصلت به للذروة فى الإبداع مثل (ملك وكتابة) و(واحد صفر) وابتعدت بضع سنوات وعادت إلى السينما فى (يوم للستات) الذى حصد، ولايزال، العديد من الجوائز، فى تلك المرحلة الفاصلة توجهت للدراما التليفزيونية، وحققت إنجازا هاما بمسلسلات مثل (ذات) الذى شكل لمحة مضيئة فى مجال الدراما التليفزيونية و(سجن النساء)، وأخير رائعة الروائى بهاء طاهر (واحة الغروب).

جيهان الطاهرى هى الاسم الأقل شهرة على الساحة المصرية، لها مشوارها خارج مصر، أنتجت وأخرجت العديد من الأفلام التسجيلية لمحطات (بى بى سى) و(آرت) وغيرهما، وآخر أفلامها (ناصر)، جيهان تحمل أيضا الجنسية الفرنسية مع الأسف لم التقها حتى كتابة هذه السطور.

هالة لطفى مناضلة سينمائية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، هى لا تكتفى فقط بإخراج أعمالها، ولكن من خلال شركة صغيرة وبرأسمال محدود جدا، أطلقت عليها (حصالة) أنتجت أيضا لزملائها أفلاما، هى تحفر فى الصخر، المناخ المصرى الحالى صار طاردا لأى موهبة جادة تريد أن تتحقق فى ظل نظام سينمائى احتكارى صارم لا يسمح بتعدد الأفلام ولا الاتجاهات.

فيلمها الروائى الطويل الأول (الخروج للنهار) حصد العديد من الجوائز، وتم اختياره فى المركز 96 ضمن أفضل 100 فيلم فى تاريخ السينما العربية، وذلك فى الاستفتاء الذى أجراه مهرجان (دبى) السينمائى قبل نحو خمس سنوات، كما أن الفيلم حصل أيضا على جائزة مهرجان (أبوظبى) و(التانيت البرونزى) من مهرجان (قرطاج) وأنتجت هالة بإمكانيات مادية محدودة العديد من الأفلام، آخرها (النسور الصغيرة) للمخرج محمد رشاد، الحاصل فى الشهر الماضى على جائزة مهرجان (مالمو) بالسويد كأفضل فيلم تسجيلى طويل.

فى الألفية الثالثة تستطيع أن ترى فعلا السينما المصرية وهى تقدم عددا من المخرجات المتميزات، مثل ساندرا نشأت، وهالة خليل، ورغم أن المجتمع باتت تسيطر عليه تلك النظرة الذكورية المتزمتة تجاه المرأة بوجه عام، إلا أن المرأة احتلت مساحتها، أو بالأحرى انتزعت تلك المساحة، ليصبح الإنجاز هنا ليس له علاقة برجل أو امرأة، وهنا تكمن أهمية اختيار مهرجان (قرطاج) الذى وجه تحية للفنانة المصرية بعيدا عن تاء التأنيث.