"إعلام دوت أورج" يحاور البطل الصغير لفيلم عمر المختار

أمنية الغنام

اغتالته يد الغدر والإرهاب في تفجير مروع أصاب العاصمة الأردنية عمَان عام 2005 ،ليسدل الستار على مسيرة أحد أهم مخرجي السينما العربية والعالمية في القرن الواحد والعشرين، المخرج السوري مصطفى العقَاد صاحب فيلمي “الرسالة” و”أسد الصحراء”، بالإضافة لثمانية أجزاء من سلسلة الأفلام الشهيرة “هالووين”.

إعلام دوت أورج” أراد ألا تمر ذكرى رحيله التي توافق 11 من نوفمبر مرور الكرام ودون الاحتفاء به بشكل مختلف، فبدأ رحلة البحث عن شخصية بعينها يعيها جيدًا مواليد السبعينات والثمانينات وأدركها جيل التسعينات بينما يتذكرها على استحياء الجيل الجديد نظرًا لندرة عرض الفيلم الأول والأخير الذي شارك فيه -أسد الصحراء- وهو صغير، عن قصة كفاح شيخ المجاهدين عمر المختار ضد الاحتلال الإيطالي لليبيا، في دور الطفل “علي” الذي حمل نظارة عمر المختار في الفيلم، هو المهندس إيهاب الورفلي من مواليد بنغازي 1973 لأب ليبي وأم مصرية من الإسكندرية والمقيم حاليًا في ليبيا، وهو  أب لثلاث بنات، وقد تلقى تعليمه في ليبيا حتى دخوله جامعة قاريونس وتخرج منها مهندساً للكومبيوتر.

تواصلنا مع “الورفلي” وكانت تلك أبرز ذكرياته عن العقاد وفيلم عمر المختار:

1- لم يكن لدي ميول فنية ولا يوجد في عائلتي شخصية فنية، جاء اختياري بمحض الصدفة حيث كُنت طالبًا في روضة الزهور حين حضر إليها مجموعة من فريق عمل الفيلم منهم مساعد المخرج وقتها محمد بوفانه وتم التقاط صور لجميع الطلبة وبعد يومين عادوا وطلبوا من الإدارة الاتصال بوالدي وبعد أكثر من لقاء معه وافق على اشتراكي في الفيلم حيث كان معارضًا تمامًا لذلك، ولم يوافق إلا بعد ثلاث محاولات للإقناع… آخرها كانت رسالة تهديد موجهة له من جهة أمنية -في ذلك الوقت- اتُهم فيها بإعاقة مسيرة الجهاد الليبي.

2- دوري في الفيلم لم يكن به حوارًا، فقط كلمة واحدة وهي عندما سألني أنتوني كوين “عمر المختار” عن اسمي فأجبته بـ”علي”، وبالرغم من ذلك كان العقاد حريصًا على تدريبي بنفسه ولم أشعر بخوف أو رهبة نظرًا لتواجد والدي بجواري طيلة الثلاث أشهر فترة تصوير المشاهد الخاصة بي ،كما كانت توجيهات العقاد دقيقة جدًا ومشددة بالنسبة لطفل وكان خطوة بخطوة مع تحركاتي حتى تخرج كما يريدها وأحيانا كان يعاتبني عتابًا بسيطًا فقد كان يمتلك حس الفكاهة الراقية.

 

3- كنت سأنسحب من تكملة مشاهدي في الفيلم نظرًا لسفر والدي لمدة أسبوعين وأراد إيقاف التصوير حتى عودته لولا تدخل العقَاد وإصراره على بقائي في رعايته شخصيًا ومع سكرتيرته الخاصة.

4- صورت معظم المشاهد الصحراوية في منطقة الواحات بعد “جالو” ثم انتقلنا إلى مدينة شحات في الجبل الأخضر وفيها تم تصوير مشاهد وادي الكوف وهناك بعض المشاهد في قصر موسيليني في روما… أما مشهد شنق عمر المختار فاختار له العقاد مدينة سلوق –على بعد 50 كيلومترا من بنغازي- حيث أعدم فعليا وحسب ما أذكر تمت إعادة هذا المشهد أكثر من مرة.

5- بدأ تصوير مشاهد الفيلم عام 79 وانتهت عام 81 وشاهدته في السينما أول مرة في مصر في عرض الافتتاح وكانت بدعوة رسمية من هيئة الإعلام المصري للعائلة بالكامل وتزامنت الدعوة مع تواجدنا في الإسكندرية أثناء زيارتنا السنوية لأسرة والدتي، وبعدها تم إرسال نسخة أصلية من الفيلم للمنزل.

6 من أكثر المواقف التي أعتبرها ضاحكة مررنا بها أثناء التصوير إنه كان هناك ضابطًا من الأمن الخارجي متواجد في موقع التصوير باستمرار من جانب الحكومة ويتدخل في كل شيء فاستدعاه العقاد وسأله هل تحب أن تأخذ دور في الفيلم؟ فأجاب فرحًا نعم فرد العقاد: “خذوه والبسوه لبس مجاهد ليبي”، وكتب دور الرجل في أربع كلمات “مجاهد ليبي يقع في الأسر ويعذب”، وفعلًا تم تعذيبه حتى أنهكوه.

7- من المواقف الطريفة التي تعرضت لها كانت أثناء خطبة زوجتي وكانت جدتها كبيرة في السن وأخبروها أن المتقدم للزواج هو الذي مثَل في عمر المختار فكان ردها “عليش تعطوا فيها لشايب كبير؟” ظنا منها أنني عجوز.

الفنان التشكيلي ومصمم ملابس فيلم المختار حسن بن دردف

8- مشاهدي في الفيلم لا تغيب عن ذهني وأذكر أننا أعدنا تصوير مشهد التقاط أمي -قامت بأداء دورها اليونانية إليونورا ستاثبولو- لي من بين جنازير الدبابة أكثر من 10 مرات وكانت مشكلة العقاد في طريقة ارتمائها واحتضاني، كما أذكر أنه تم حرماني من الفطور وإعطائي فقط بعض السوائل، وساندويتش صغير لأبدو في حالة إعياء بعد اختطاف أمي في الفيلم وإعدامها في معتقل العقيلة.

9- المشهد الأصعب على نفسي كان وقت مشاهدتي للحظة إعدام عمر المختار وقتها أصرَ المخرج مصطفى العقاد على تواجد أسرتي بالكامل معي لحضور التصوير، ولا أنسى أبدًا لقطة التقاطي لنظارة المختار والاحتفاظ بها، وهي بالمناسبة تم تصنيعها خصيصا للفيلم لتطابق النظارة الأصلية الموجودة بمتحف روما لشيخ المجاهدين المختار، وحتى هذه اللحظة عندما ألتقي بشخصٍ جديدٍ يتم تعريفي بـ”هذا اللي سرق نظارات عمر المختار”.

10- المرة الأخيرة التي رأيت فيها العقاد كانت في طرابلس تحديدًا مايو 2005 حيث كان يجري ترتيبات لإنتاج فيلم عن صلاح الدين الأيوبي وتقابل بالصدفة مع مجموعة من الإعلاميين الذين طلبوا تصوير حلقة عن فيلميه الرسالة وعمر المختار وتم دعوة الممثلين الليبيين المشاركين فيهما وطلب مني العقاد البقاء في طرابلس بضعة أيام أخرى كنا نتقابل ونجلس على المقاهي وكانت آخر كلماته لي قبل مغادرته طرابلس بخلاف دعوته لي لزيارته في مقر عمله بهوليوود، هي إجابته على سؤال حائر مني كيف لعمر المختار التي امتدت رحلة كفاحه لعشرين عامًا لم يكبر “علي” خلالها في الفيلم؟ فأجاب قائلا إن “علي” رمز للجهاد القادم ، رمز للجيل الجديد والرمز لا يكبر.

مع مساعد المخرج علي أحمد سالم وهو في نفس الوقت ادى دور بلال بن رباح في الرسالة