علي الشريف.. "حفيد سيدنا الحسين"

بسام رؤوف

من فنان في المعتقل، إلى زاهد يتنبأ بموعد وفاته؛ يوجد فنانون جسدوا أدواراً على الشاشة الصغيرة ولكن الجمهور لا يتذكرهم لأنهم لم يستطيعوا جذب انتباههم ولم يسطروا تاريخاً في ذاكرة السينما، على الجانب الآخر، هناك فنانون لابد أن تتذكرهم الشاشة الصغيرة لأنه قلما تتواجد مواهب مثلهم؛ ومن ضمن هؤلاء الذين ربما لم ينالوا حظ نجومية شباك التذاكر وأدوار البطولة المطلقة -إلا أنهم أبطال في ذاكرة السينما المصرية- هو “علي الشريف”.

نستعرض معكم بعض النقاط التي تجعل من “علي الشريف” بطلاً داخل ذاكرة السينما:

النقطة الأولى: ملامحه الشكلية وصوته الأجش المميز كان سببًا في شهرته، خاصة في تأدية أدوار “المعلم” و”الشرير”، وقد استغل ذلك بشكل جيد في انتشاره الفني.

النقطة الثانية: لم تكن حياته تسير على وتيرة واحدة بشكل روتيني، بل كانت حياة مليئة بالتقلبات والصراعات، نتيجة اختلافه الفكري ومناهضته للنظام والسلطة في حقبة الستينيات والسبعينيات، مما أدى إلى اعتقاله.

النقطة الثالثة: بدايته الفنية لم تكن مثل أقرانه من خلال مسرح أو معهد تمثيل أو قصر ثقافة، بل كانت في “معتقل الواحات”، حيث تم اعتقاله بتهمة الانضمام إلى تنظيم سياسي يهدف إلى قلب نظام الحكم، وهناك تعرف على السيناريست “حسن فؤاد” الذي كتب فيلم “الأرض” بعد ذلك، حيث لم يكن المعتقلون يجدون أي وسائل ترفيه داخل المعتقل، فكانوا يقومون بتمثيل المسرحيات، ومنها مسرحية للكاتب “صلاح عبد الصبور”، والتي جسدها “علي الشريف” في دور “امرأة”. هنا خطف أنظار “حسن فؤاد” بموهبته الفريدة.

النقطة الرابعة: من أهم نقاط تحول حياته الفنية، وقد جاءت بعدما ذهب إلى صديقه المعتقل السابق “حسن فؤاد” في منزله، وكان المخرج العالمي “يوسف شاهين” هناك يرتب مع “فؤاد” تحضيرات فيلمه العظيم “الأرض” ، فما أن رأى “شاهين”، علي الشريف، حتى صرخ قائلاً له “أهلاً يا دياب”، وهو الدور الذي لعبه بعد ذلك “الشريف” في فيلم “الأرض”، وكان دور عمره وبداية توهجه الفني، حتى إن أقرانه الممثلين كانوا يعتقدون بأنه خريج معهد تمثيل وليس هاوياً يقف أمام الكاميرا لأول مرة؛ وحاز بعدها على جائزة “أحسن دور ثانٍ” عن هذا الدور، من “جمعية الفيلم”، وكان لهذا الأثر الكبير في استعانة “شاهين” به في معظم أفلامه بعد ذلك مثل: عودة الابن الضال، وداعاً بونابرت، حدوتة مصرية، الاختيار.

النقطة الخامسة: كان يفكر دائماً في الأوضاع السياسية، وكان معارضاً للنظام، مما جعله يترك دراسة الهندسة ويلتحق بكلية التجارة حتى يتفرغ للعمل السياسي، الأمر الذي أدى إلى حدوث مشاكل بينه وبين النظام والسلطة، ومن ثم منعه من ممارسة الحياة السياسية سواء حق الانتخاب أو الانضمام إلى أي أحزاب سياسية، واعتقاله في وقت سابق، وكذلك عدم تسليط الضوء على موهبته إعلاميا، مما عرض موهبته للظلم بشكل كبير مقارنة بزملائه الذين لم تكن لديهم مشاكل مع النظام.

النقطة السادسة: استطاع تكوين ثنائي شهير وناجح مع الزعيم “عادل إمام” في أفلام: الأفوكاتو، كراكون في الشارع، واحدة بواحدة، وكان له صدى واسع أدى لانتشار نجوميته لدى الجمهور.

النقطة السابعة: ومثلما كانت حياته مليئة بالأحداث المثيرة، لم تخلُ قصة وفاته من الإثارة أيضاً، حيث كان في تحضير آخر يوم بروفات مسرحية “علشان خاطر عيونك”، للاستعداد للافتتاح، وذهب إلى منزله بعدها ومعه كتاب “استشهاد سيدنا الحسين”، حيث إنه كان من نسل “سيدنا الحسين رضي الله عنه”، وجلس يقرأ الكتاب حتى صلاة الفجر، وبعد الصلاة شعر بتعب شديد وآلام في القولون لانفعاله أثناء قراءة أحداث مقتل “الحسين”، وعندما دخلت عليه زوجته لتحضر له الطبيب قال لها “متكلميش الدكتور عشان أنا خلاص هموت بعد شوية وخلي العيال ماتوديهومش المدارس”، وبعدها قال “مدد ياحسين، جايلكم يا أهل البيت”، وحسب رواية زوجته أسند رأسه وقال لها: “أنا خلاص في حياة البرزخ”؛ وتوفي عام 1987 يوم 11 فبراير.

وسيظل “علي الشريف” واحداً من أهم عباقرة جيله، وإذا لم يعطه شباك التذاكر حقه من النجومية والجماهيرية وأيضاً من أداء البطولة المطلقة، فإن السينما لم تتخلى عنه وجعلته راسخاً داخل ذاكرتها القوية التي لن تنسى أبدا صاحب الملامح المميزة والموهبة التي ربما لن تتكرر ثانياً في الفن السابع.