ريم خيري: اتمنى أن تصل هذه الرسالة لوالدي

شيماء خميس

بعد ترحيب شديد من الفنانة ريم خيري، مهندسة الصوتيات بالإذاعة المصرية، أجرى إعلام دوت أورج، حوارًا معها، ضمن ملف خاص عن “شيخ الحكائين”، وذلك بعد استضافتنا بمنزل الأديب والروائي خيري شلبي، بمنطقة المعادي، للحديث عن تفاصيل حياته، وأهم ذكرياتها معه، وذلك من خلال التصريحات التالية:

1. أبي كان كائنًا ليليًا، يقضي ليله في الكتابة والقراءة حتى شروق الشمس، ثم ينام بضع ساعات قليلة حتى الواحدة ظهرا، فقد كان يكره النوم ويعتبره يسرق الوقت، كان يحتاج كثيراً إلى منوم ليستطيع أن يخلد إلى النوم فقد كان عقله يعمل طوال الوقت، وكان يكره أن يعمل الصحفي والكاتب بمواعيد حضور وانصراف.

2. كثيرًا ما كان يفيق من نومه لتذكره شخصية ما لم يكتب عنها في البورتريه الذي اعتاد أن يرسم بالكلمات ملامح شخصياتهم، ولشعوره بالذنب أنه لم يتذكرها من قبل، وكان يعتبر زيارة هذه الشخصية له في الحلم هي بمثابة عتاب منها على عدم الكتابة عنها. وانتقل هذا الشعور إلى والدتي، فقد كانت في بعض الأوقات تحلم بشخصية ما وتحكي له عنها في الصباح وتخبره أنها بالتأكيد زارتها في الحلم لتذكره بها، وهي تفصيلة تعبر عن مدى توحد هذه السيدة العظيمة مع ما يشغل بال زوجها، فقد كانت مثالا رائعا لشريكة الحياة.

3. لم يكن له طقوس معينة في حياته، ومشاهدة التليفزيون كانت فقط لمتابعة الأعمال الجديدة، والتي كان حريصا جدا على الاتصال بأصحاب المتميزة منها وتهنئتهم والإشادة بأعمالهم وإن لم يستطع التواصل مع أحدهم كان يحرص على الكتابة عنه للإشادة بتميز عمله. كذلك كان متابعا جيدا لبرنامج “الموسيقى العربية” وبرنامج “عالم البحار”، وكان من محبي “فرقة رضا”.

4. الإذاعة كانت لا تنقطع أبداً في منزلنا، فوالدي كان يعشق الراديو وخاصة “البرنامج العام” و”صوت العرب” ومؤخراً “إذاعة الأغاني”.

5. لم أر والدي يدير شرائط كاسيت سوى للفنانة “فيروز” والشيخ “إمام عيسى”، إلا نادراً عندما يلفت نظره أغنية مميزة من جيل الشباب، بالإضافة إلى حبه الشديد للفنانة ليلى مراد وأسمهان وعشقه لحنجرة محمد قنديل وكارم محمود، ولم يكن من مستمعي أم كلثوم إلا أنه كان يحترمها ويقدرها كثيراً وكتب عن عظمة فنها، كما كان متابعا لفرقة الموسيقى العربية وللأصوات المتميزة بها ومن كان يتوسم في أصواتهم مستقبلا واعدا، كالفنان أحمد إبراهيم والفنانة سوزان عطية.

6. رغم كثرة صور والدي بالجلابية المصري إلا أنه لم يكن يرتديها كثيراً وارتداها مؤخراً عندما أهداه خالي إياها وكان يعتز بها ويقابل بها الزائرين من فرحته بها ومن فرط بساطته، رغم اهتمامه الشديد بمظهره وأناقته إلا أنه لم يكن يرتدى سوى ما يجد قيه راحته في هذه اللحظة أياً ما كان.

7. لم نرد كلمة لأبي طيلة حياته حباً واحتراماً وليس خوفاً، فأبي كان حنون القلب لم يظلم أو يقسو على أحد منا يوما، فقد كان عادلا معنا إلى أقصى درجة، ولم يجعله غضبه مني أو من اخوتي يوما أن يحرم أحدنا من حنان وعطاء منحه للآخر، كما أن رضاه على أحدنا في أي موقف لم يجعله يوما يمنحه أكثر من إخوته، حتى ولو “جنيهًا واحدًا”.

8. كثيرًا ما كتب في مؤسسات صحفية بدون مقابل، وإذا تقاضى مقابلًا كان يسأل عن أقل الأشخاص أجرًا في هذه المؤسسة ويطلب أن يتم إرسال هذه المستحقات مع هذا الشخص ليعطيه هذه المكافأة، ولم يكتشفوا هذه التفاصيل إلا بعد وفاته، وذلك عبر العاملين بتلك المؤسسات.

9. كان دائمًا يكتب من داخل مكتبه أو على أحد المقاهي ولم يكن له طقس بعينه للكتابة، وعند شعوره بالملل من مكتبه كان يقوم ببعض الأعمال اليدوية لتجديد نشاطه الذهني، وخلال سنواته الأخيرة كان يكتب في مكتبه بالمنزل، فكل أعماله الأخيرة مدون عليها بجانب التاريخ “المعادي” فهو كان حريصا على تدوين المكان الذي كُتب فيه كل أعماله سواء وسط البلد أو منشية ناصر أو المعادي مؤخرًا.

10. لم يخبر والدي أحدًا بمكان المقابر التي اعتاد زيارتها، إلا المقربين فقط، على سبيل المثال الفنان محمود حميدة والفنان أحمد عبد العزيز، اللذان أحبا المكان وأصبحا من رواده، وكذلك لاعب الكرة حمدي نوح أحد أبناء منشية ناصر.

11. أبي كان يتناول إفطارًا خفيفًا ولا يتناول الفول والطعمية، وكذلك وجبة العشاء كانت خفيفة كالزبادي، ووجبته الأساسية هي وجبة الغذاء ولابد أن تحتوي على الشوربة وطبق السلطة، وكان يعشق الأكل المصري مثل: الملوخية والبط والكرشة والفتة، وكذلك الفاكهة التي يحرص دائما على تواجدها في المنزل.

12. طوال حياة والدي لم يحصل على إجازة ولم يسافر للمصيف معنا إلا مرتين بعد إلحاح شديد منا، وقضى وقته أمام البحر يكتب.

13. كان أبي يشجعني على الغناء وكان معجبا بصوتي وكثيرا ما كنت أغني له على سبيل المثال أغنية “سلم علي لما قابلني”، فقد عشقت الغناء وخصوصًا أغاني التراث من خلال رصدي لبعض سكان منطقة العرب بالقرب من منزلنا، وانبهرت بأغاني ليلة الحناء والأفراح.

https://www.youtube.com/watch?v=xiIUipJ1kVc

14. فرقة “هيصة” تم إنشاؤها بعد وفاة والدي وأطلقت عليها هذا الاسم لسببين: أولهم اسم “صالح هيصه” الشخصية التي رسمها والدي والسبب التاني يرجع إلى ما تعلمته منه أن على هذه الأرض شعوبا تتميز بـ “الهيصة”، ومنها الشعب المصري سواء في الفرح أو الحزن أو البكاء أو الحديث، والتي ظل طوال حياته يكتب ليعبر عنها.

15. ابني “أحمد” الذي يشبه والدي في الملامح بدرجة كبيرة، هو الحفيد الأول والوحيد لوالدي لمدة 10 سنوات، ورغم رفضه أن أنشغل وقتها بالإنجاب بهذه السرعة إلا أنه فرح بولادته وأحبه حبا شديدا وأقر بحقيقة مقولة “أعز الوِلد وِلد الولد”، وكان يحمله بالساعات أمام مكتبته، وعندما نسأله ماذا تفعل كان يجيب “بحكيله عن المكتبة لأخلق ألفة بينه وبين الكتب”، فقد ارتاح لفكرة وجود أحفاد يرثوا مكتبته العظيمة والغالية على قلبه وأصبح ينتظر ولادة الأحفاد وحضر ولادتهم جميعا باستثناء ليلى بنت أخي إسلام التي ولدت بعد وفاته بثلاثة أيام، وخيري ابن أخي زين.

16. عندما كنت أحتاج لمعلومة ما، كان لا يخبرني بها، إنما يساعدني في إيجاد كتاب أبحث بداخله عنها، فقد كانت غايته أن يصبح أولاده مثقفين بحق، يقرأون ليبحثوا عن المعلومة، لأن مجتمعنا لا يقرأ ويأخذ معلوماته من التليفزيون والسينما، وعندما كنت أختار كتابا أكبر من عمري، كان يطلب مني تأجيله إلى أن يصبح مناسبا، على سبيل المثال “مجلد ألف ليلة وليلة”، وقد أحضر لي وقتها “مجلد ألف ليلة وليلة” نسخة مطبوعة خصيصًا للأطفال.

17. كان يوصينا دائما بالحفاظ على مكتبته والأهم من الحفاظ عليها أن تُقرأ، فقد كان حريصا في حياته أن يُهادي كل من يتوسم فيه حبه للقراءة بمجموعة من الكتب التي يملكها، ونحن حريصون على تنفيذ وصيته حتى لا تُفقد مكتبته مثل مكتبة الأستاذ إبراهيم أصلان.

18. أقرب أصدقاء والدي إلى قلبه بالترتيب: الكاتب الكبير يحيي حقي، الكاتب محمود السعدني، الكاتب أحمد بهجت، الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، الكاتب إبراهيم أصلان، الكاتب سعيد الكفراوي، الأديب محمد البساطي، والفنانون محمود حميدة وأحمد عبد العزيز وسعيد صالح وزين العشماوي وعادل إمام، بالإضافة إلى عم أحمد السماك ومجموعة كبيرة من الكتاب الشباب.

19. أبي كان يعشق الشعر، ومن أقرب الشعراء إلى قلبه: فؤاد حداد وصلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودي وصلاح عبد الصبور، وكان يحفظ الكثير من أعمالهم، وكان دوما يحاول الهروب من القافية في كتاباته بسبب تأثره الشديد بالشعر.

?

20. الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي كان الوحيد الذي يواظب على السؤال عنا يوم الجمعة من كل أسبوع ولم يسأل عنا بعد وفاة والدي سواه، فقد استمر يطمئن علينا حتى قبل وفاته بيومين، وآخر مكالمة هاتفية كانت من المستشفى، ذلك الاتصال الذي شعرت معه أنه يودعنا قبل أن يغادر الحياة.

21. كان يحب كل كتبه وأعماله ويفرح بنجاحهم كطفل صغير، إلا أن فرحته بنجاح “وكالة عطية” كانت الأقرب لقلبه لأن هذه الرواية كتبها عن مرحلة مهمة جدا في حياته.

22. حينما نظمت دار نشر “الشروق” حفل توقيع بمعرض الكتاب وخصصت مكانا لمطبوعات خيري شلبي -ولم يكن هذا التقليد شائعا وقتها- تردد كثيرا في الذهاب وهو يحدث نفسه: “أنا مين عشان الناس تجيلي أوقعلها ما يمكن محدش يجي”، وعند عودته من حفل التوقيع كانت الفرحة تملأ قسمات وجهه لتوافد طوابير طويلة من محبين خيري شلبي للحصول على توقيعه، ويومها فقط تأكد من وصول كتاباته.

23. أتمنى أن أرسل له رسالة وأتخيل أنه سيقرؤها، أخبره فيها: “يوميًا أحتاج أن أطرح عليك بعض الأسئلة التي لا يملك أحد الإجابة عليها سواك، أحتاج أن تعلمني كيف أصل لدرجة التسامح التي كنت تمارسها مع الجميع، من أحبك ومن كرهك.. أفتقدك كثيرًا”.