10 حقائق تجعل محمود المليجي أفضل ممثل مصري

بسام رؤوف

لم يكن يعلم ذلك الطفل، ابن حي المغربلين، أنه سوف يصبح واحداً من أعظم من حملوا لواء الفن المصري لفترات طويلة تصل إلى نصف قرن، ولم يكن يعلم أيضاً أنه سوف تكون له مدرسة تمثيلية خاصة تحمل اسمه.

هو حامل لواء الإخلاص الفني على مدار سنوات عديدة.

هو الذي رفض استكمال تعليمه من أجل الفن.

هو الذي قال عنه “يوسف شاهين” بأنه الوحيد الذي يؤدي الدور بتلقائية لم يجدها في غيره من أقرانه.

إنه “أنتوني كوين العرب”.. “محمود المليجي”.

واليوم سوف نستعرض معاً، عشر حقائق في حياته جعلت منه أفضل ممثل مصري.

الحقيقة الأولى: عشق المليجي الفن منذ نعومة أظافره مما جعله يصر على استكمال تعليمه الثانوي في مدرسة “الخديوية” حتى يتسنى له الالتحاق بفرقة التمثيل هناك، والتي كان يشرف عليها في ذلك الوقت، العظماء؛ جورج أبيض وعزيز عيد وفتوح نشاطي. وبالفعل تتلمذ على يد هؤلاء، وكان لتلك الفرقة عامل كبير في نضجه الفني المبكر وإبراز موهبته الفذة، حيث رآته الفنانة “فاطمة رشدي” وهو يؤدي دور “ميكلوبيد” في مسرحية “الذهب”، ودعته للانضمام إلى فرقتها المسرحية، وبالفعل رحب بالعرض وجسد أدوارا جيدة جعلت الناس لا تدرك أنه مازال طالبا في المدرسة، بل جعلتهم يعتقدون بأنه ممثل له ثقله الفني.

الحقيقة الثانية: من المواقف التي أثرت على “المليجي” في بداية مشواره الفني، هو حينما عنفه أستاذه وقدوته الفنية “عزيز عيد” وقال له “إنت مش ممثل ولا تصلح للتمثيل”، فكانت هذه الكلمات توغر صدره بالألم، وترقرق الدموع في عينيه، حتى نما إلى علمه من أحد المقربين أن كلام “عيد” من وراء قلبه وأنه يحبه بشدة ولكنه قال ذلك حتى لا يصاب بالغرور الفني.

 

الحقيقة الثالثة: إصرار المليجي على استكمال مشواره الفني رغم فشل فيلمه الأول وحل فرقة “فاطمة رشدي”، مما جعله ينضم إلى فرقة “رمسيس المسرحية”، ولكن ليس كممثل بل “ملقن”!! نعم. تخيل هذه الموهبة الفذة في يوم من الأيام كانت تلقن أناس على خشبة المسرح، ربما كانوا أقل موهبة منه، من وراء الخشبة المسماة بـ “الكمبوشة”، ولكن عشقه للفن والمسرح جعله يقبل بأي دور ما دام داخل هذه الجنة الكبيرة.

الحقيقة الرابعة: برع المليجي في تمثيل أدوار الشر منذ عام 1939 في فيلم “قيس وليلي”، ونجح الفيلم جماهيريا ولمع اسم المليجي ولم يكن به إلا أنه استطاع أن يستغل نجاحه في تلك النوعية من الأدوار بأن تكون له أيقونة أدوار تحمل اسمه في السينما المصرية.

 

الحقيقة الخامسة: هو أفضل من جسد أدوار الشر، بشهادة الجمهور والنقاد وصناع السينما، حيث كانت تلك الأدوار تُجسد بشكل نمطي، وتقتصر في تجسيدها وتشخيصها على جعل العينين في وضع الجحوظ وتحريك الحاجب إلى أسفل وأعلى، ولكنه جاء بمدرسة جديدة تعتمد على الهدوء والتلقائية وعدم التكلف في تجسيد أدوار الشر.

الحقيقة السادسة: لم ينجح المليجي فقط في أدوار الشر، بل استطاع أن ينسلخ من تلك الأدوار ويغير جلده الفني بتجسيد أدوار أخرى مثل “الطبيب والمحامي ورجل المباحث والدكتور والفلاح”، والدليل على ذلك أن أعظم أدواره والتي حصل بسببها على وسام الاستحقاق، لم يكن دور شرير، بل كان الفلاح “محمد أبو سويلم” في رائعة “يوسف شاهين”، فيلم “الأرض”، وبذلك أثبت “المليجي” أنه ليس رجل الدور الواحد، بل رجل كل الأدوار.

الحقيقة السابعة: كانت نقطة التحول في حياته الفنية عندما استدعاه “يوسف شاهين” لأداء دور البطولة في فيلم “الأرض” عام 1970، والذي قدم من خلاله أعظم مشاهد السينما المصرية على الإطلاق، وهو مشهد الارتجال بين أفراد القرية، والمشهد الأعظم وهو مشهد النهاية، عندما تم تكبيل أقدام “محمد أبو سويلم” وسحله على أرضه والدم ينزف منه وتروي أرضه بدلا من المياه، وفي خلفية المشهد موسيقى الرائع “علي إسماعيل”، وقد رفض المليجي الاستعانة بدوبلير في تنفيذ ذلك المشهد حتى يتسم بالواقعية والمصداقية لدي الجمهور، وتم تصنيف فيلم “الأرض” في المركز الثاني بين أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما.

الحقيقة الثامنة: فيلم “القادسية” كان من المحطات الفارقة في حياته الفنية أيضاً، حيث جسد دور “أنتوني كوين”، بالنسخة العربية واستطاع أن يتفوق عليه مما جعل الغرب والنقاد يطلقون عليه لقب “أنتوني كوين العرب”.

الحقيقة التاسعة: المليجي لم يتخذ التمثيل كمجرد مهنة، بل كان ينظر إليه نظرة العاشق إلى حبيبته، وتترجم ذلك حينما قرر أن يأخذ خطوة الإنتاج السينمائي، حتى يرتقي بمستوى الأفلام ويصلح ما أفسده غيره من أشباه المنتجين، وأنتج أفلاما منها “الملاك الأبيض، المقامر، وسوق السلاح”.

الحقيقة العاشرة: وكما قضى المليجي أكثر من نصف عمره داخل مواقع التصوير، توفي أيضاً وهو يجسد آخر مشاهده في فيلم “أيوب”، إلى جوار صديقه “عمر الشريف”، لكنه رحل بجسده فقط وترك لنا قرابة سبعمئة وخمسين عملا فنيا على مدار نصف قرن من الزمان، كل هذه الحقائق تجعل من المليجي هو الأعظم بين أقرانه، وهو من الذين جعلوا من الفن السابع مكانة وقيمة لدى الشعوب، وإذا كان لكل قاعدة استثناء، فالاستثناء في الفن هو “محمود المليجي”، حيث من الصعب على الزمان أن يجود بمثله مرة أخري.