يوسف شعبان ومحمود الجندي يبصقان في البئر!!

نقلًا عن “المصري اليوم”

(لا تبصق في بئر شربت منها يوما)، تلك هي الحكمة الخالدة، والتي أضاف لها البعض (فقد تعود يوما إليها)، سوف أفترض أنك لن تعود أبدا إليها، فهل نتنكر لمن كان يوما مصدر حياتنا ورزقنا؟!.

أتابع حالة الغضب التى انتابت الفنانين الكبيرين يوسف شعبان ومحمود الجندي، وهو ما دفعهما لإعلان الاعتزال، لم يكن انسحابا هادئا، امتلأ بحسرة وثورة ضد القواعد المجحفة للوسط الفني، الذي لا يراعي حقوق الكبار، مثل هذه المادة تثير شهية زملائي في (الميديا)، لأنها تتحول إلى مانشيت جاذب، ولكن قبل أشهر قلائل ألم يكن الفنانان الكبيران جزءًا من تلك اللعبة الظالمة؟!

قبل أن أكمل، أؤكد أنني أُثمن إنجاز شعبان والجندى، بل أرى أن إمكانياتهما الحقيقية أكبر حتى من الفرص التى أتيحت لهما، إلا أنني لا أرضى لهما بأن يغادرا الحياة الفنية على طريقة (يا رايح كتر من الفضايح)، قانون الفن في العالم كله، مع اختلاف الدرجة، ليس عادلا في التعامل مع الكبار، هل يتصور أحد أن كلا من جاك نيكلسون وألباتشينو مثلا يتقاضيان أجرا أكبر من جوني ديب أو ليوناردو دى كابريو؟ وبديهي لو اجتمعوا جميعا في فيلم فإن الصدارة لجوني ودي كابريو.

الكبار في بلادنا يُعاملون بقسوة أكبر، يوما ما صرخ عماد حمدي، عندما كان مطلوبا من المخرج حسام الدين مصطفى حذف 20 دقيقة من فيلم (سونيا والمجنون) فتخلص تقريبا من كل دور عماد حمدي، ولم يقترب من أدوار نجلاء فتحي ومحمود ياسين ونور الشريف، وعندما عاتب المخرج قال له الناس تقطع التذكرة من أجل نجلاء ومحمود ونور!!

هل يتذكر يوسف شعبان كم مرة جاء اسمه سابقا لنجوم بحجم عماد وحسين رياض والمليجي وأمينة رزق وغيرهم؟

تلك هى شريعة الحياة (يوم لك وبالكتير يومين وباقي أيام الأسبوع عليك).

الفنان من حقه طبعا التوقف في اللحظة التى يجد فيها أنه غير قادر على العطاء أو أنه يهين- من أجل الاستمرار- تاريخه واسمه.

محمود الجندي ربما كان الطموح المرتبط به أكبر بكثير مما حققه، كان من الممكن بشيء من التدريب الغنائي والاستعراضي أن يقدم بصمة في هذا المجال، إيقاع الحياة الفنية لم يتح له ذلك. يوسف شعبان تواجد في مرحلة عمرية صعبة جدا، فهو يصغر جيل الكبار بنحو 10 سنوات، أقصد فريد ورشدي وكمال، وكان عليه أن يحفر في الصخر حتى يتواجد، كما أنه يكبر الجيل التالي محمود ونور وحسين بنفس الفارق، فظل متشبثا بين نجومية جيل أسبق يرفض أن يغادر الصدارة، وجيل قادم يعتبر نفسه جديرا بالصدارة، ورغم ذلك له في تاريخنا نحو 100 فيلم، صار عدد منها علامات، ناهيك عن المسرحيات والمسلسلات، وعندما تصدى للخدمة العامة، كنقيب للممثلين، سدد ديون النقابة وأنشأ ناديا، وأهم من كل ذلك كان واجهة مشرفة للفنانين في مصر.

لا أريد للفنانين الكبيرين سوى أن يتمتعا بالمرونة في مواجهة الزمن، المرونة لا تعني بالمناسبة التنازل، وكما وافق فؤاد المهندس، أستاذ عادل إمام، على أن يسبقه تلميذه على الأفيش، فإن محمود ياسين ونور الشريف وحسين فهمي ومحمود عبد العزيز وافقوا على أن تسبقهم أسماء كريم والسقا وعز.

بئر الحياة الفنية بها طبعا الكثير من العكارة، ولكن لا تبصقوا فيمن منحكم يوما الحياة والحضور والتاريخ!!.