أحمد فرغلي رضوان يكتب: Dunkirk.. إعادة إكتشاف للفيلم الحربي

من أفضل المخرجين “ابتكارا” ويتميز بأنه يعرف كيف “يروي” قصص أفلامه على الشاشة هكذا يقولون عنه في هوليوود عندما يذكر أسمه، في رصيده تسع أفلام حققت أرباحا تجاوزت ٤ مليارات دولار! أشهرها تجاريا سلسلة “فارس الظلام” هو المخرج كريستوفر نولان.

بعد ثلاث سنوات قضاها في كتابة فيلم “دنكيرك” دخل المخرج كريستوفر نولان لتجربة وعالم جديد غير عالمه السينمائي الذي ننتظره، ولكنه كعادته أخذ الفيلم الحربي بعيدا عن شكله المعتاد فلم تشاهد معارك مباشرة على الأرض أو مشاهد قتل ودماء وجثث وأشلاء بشرية حيث ذهب بأحداث الفيلم الرئيسية للاقتراب أكثرمن مشاعر وأحاسيس الجنود المحاصرين والمواطنين “الإنجليز” الذين لبوا نداء الإستغاثة لإنقاذ جنودهم المحاصرين فوق شواطيء “دنكيرك” الفرنسية.

المعركة الوحيدة التي شاهدناها كانت في الجو لطائرات الحلفاء التي تحاول إبعاد الهجوم عن السفن الحربية والجنود المحاصرين على شواطيء دنكيرك وينتظرون إنقاذهم في ما عرف بأنه أكبر عملية إجلاء عسكري في التاريخ لما يزيد عن 300 ألف جندي ظلوا محاصرون لمدة أسبوع خلال الحرب العالمية الثانية عام 1940! وكاد أن يفتك بهم الجنود الألمان! وهو ما أعتبره الحلفاء نجاح لهم أن تتم عملية الإجلاء للجنود الذين كانوا خائفين وهم عائدون في القطارات من ردة فعل الشعب عندما يشاهدونهم فوجدوا الشعب يستقبلهم بزجاجات “البيرة” لتحيتهم فيقول الجندي مستغربا لأحدهم “نحن لم نفعل شيء سوى الصمود!”.

بالتأكيد هي وجهة نظر للمخرج أن نشاهد الفيلم الحربي بعيدا عن المعارك المباشرة بين الجنود فكان تركيزه أكثر على القصة الإنسانية لعملية الإجلاء الأشهر في التاريخ العسكري وهو مفهوم جديد للفيلم الحربي، فيربكك كريستوفر نولان طوال الأحداث بين هزيمة مذلة لحقت بالإنجليز والحلفاء المحاصرين وبين نصر كبير بعد إنقاذهم عبر مراكب الصيد للمواطنين! ونجاح ‏عملية الإجلاء الإعجازي لجنود الحلفاء من بريطانيا وبلجيكا وفرنسا حيث تقطعت السبل بالجنود وحوصروا بواسطة الجيش الألماني وفقدوا الأمل في أوقات كثيرة للخلاص وهي ما صورها في أكثر من مشهد المخرج مع الموسيقى الرئعة لهانز زيمر الحائز على الأوسكار مرتين مما جعل المتفرج كأنه داخل المعركة الحربية بكل أحاسيسه لدرجة أن التوتر والخوف يتسرب إليك مثل الجنود المحاصرين! المخرج صور الأحداث من ثلاث زوايا في قصص منفصلة نتابع الجنود على الشاطئ وفي القوارب وسفن مدنية في طريقها لإنقاذهم وطيار يحاول توفير غطاء جوي لهم، هو فيلم إثارة للمشاعر أكثر منه فيلم حربي حتى مع مشهده الرائع الطويل “وان شوت” نحو خمس دقائق يستعرض نولان أرض المعركة مع الجنود دون أن تشعر بملل، بسبب متعة الجمال البصري للعمل مع كم من الأحداث والتويستات الجيدة بالفيلم ويعيب الفيلم إفتقاد شخصياته للعمق فلا تستطيع التعرف بشكل جيد على أي شخصية في الفيلم، وأيضا لا يوجد أبطال محورين للأحداث، والفيلم يأتي أقرب للوحة بصرية وشاعرية لعملية الإجلاء، ولكن ربما قصد ذلك لأنه يريد المشاهد أن يرتبط أكثر بالمعاني الإنسانية بالفيلم.

ويتفوق عنصر التصوير ليحتل صدارة عناصر الفيلم الفنية وهو مرشح بشدة للمنافسة على أوسكار التصوير ولكن في نفس الوقت الحوار كان من أقل أفلام “نولان” فلم تجد حوارا بين الشخصيات مميز سوى في مشاهد النهاية فقط غير ذلك كان تركيز المخرج على تعبيرات وجوه الممثلين لإبراز تفاصيل مشاعر القلق والخوف واليأس والخطر طوال الأحداث لآلاف الجنود الذين تتعاطف معهم بشدة وتتأثر بمشاعرهم  وتنتقل الأحداث بين عدد من الشخصيات لمعايشة هذه المحنة الإنسانية العصيبة لمحاولة البقاء على قيد الحياة ولكن لن تجد ممثل مميز في هذا الفيلم ربما “مارك ريلانس” إلى حد ما وذلك كما قلت بسبب عدم وجود شخصيات محورية.

وبالفعل كان الممثلين كالعادة مع نولان مميزين في حدود شخصياتهم حتى من يمثل لأول مرة مثل نجم الغناء “هاري ستايلز” وهو ما قال عنه المخرج “معي مجموعة من أفضل الممثلين” ويحسب للمخرج نجاحه في تهيئة وخلق أجواء مثل التي كانت في المعركة الحقيقية وهو ما دعاه لشكر شركة “ورانر برازر” انها خصصت ميزانية لفيلم بريطاني كميزانية الفيلم الأمريكي وهو ما ساعده على إنجاز الفيلم بهذا الشكل .

الفيلم به درس من التاريخ في حب الوطن، فنرى مشهد إنساني مؤثر والقائد يقف على الشاطيء ينتظر قدوم السفن الحربية لإنقاذهم ويكاد يفقدون الأمل وفجأة تدمع عينيه بعدما وجد مراكب الصيد الصغيرة للمواطنين الانجليز هي القادمة في مجموعات كبيرة لإنقاذ جنوده فيسأله زميله الضابط ماذا ترى فيجيب أرى “الوطن”! وبالفعل أصبحت عبارة “روح دنكيرك” في قاموس اللغة الإنجليزية بالمملكة المتحدة تعبر عن روح التشجيع ورفع المعنويات بين الأشخاص الذي يمرون بمحنة معينة.

هاري ستايلز

بعيدا عن الفيلم نجد أن فانز المغني الشاب هاري ستايلز “لديه أكثر من 30 مليون متابع على تويتر” خاصة “الفتيات” صنعوا دعاية غير مسبوقة على السوشيال ميديا لدرجة أزعجت عشاق سينما “نولان” وكيف أن هؤلاء الشباب الصغار يختزلون فيلم لهذا المبدع “بالصياح” لمعشوقهم هاري ستايلز،والذي لا تتجاوز مساحة دوره أي من الممثلين الأخرين بالفيلم مما جعل “نولان” يقول لم أكن أعرف أن لديه تلك الشعبية الكبيرة بين المراهقين إلا بعد تصوير الفيلم.

أين الفيلم الحربي؟

اللافت أن السينما المصرية بعيدا تماما الأن عن الأفلام الحربية رغم أن الفترة ما بين حربي يونيه 1967 وأكتوبر 1973 بها قصص إنسانية وبطولات كثيرة لم تجد الحماس لدى السينمائيين حتى الأن وأذكر أن المخرج علي إدريس قال لي ذات مرة إن من أمنياته إخراج فيلم عن معركة “رأس العش” وهي من بطولات رجال الصاعقة المصرية حيث تصدى 30 جندي وضابط  بأسحلة خفيفة لهجوم من فرقة مشاة ميكانيكية إسرائيلية مدعمة بعشر دبابات لإحتلال مدينة “بورفؤاد” وأجبرتهم على التراجع بعد معركة أستمرت سبع ساعات أعترفت إسرائيل بخسارتها لثلاث دبابات وعدد من المدرعات تم تدميرها.