ورود شارع شامبليون التى قطفها رئيس الحى

هبة محمد على

حكاية شارع شامبليون بوسط البلد حكاية لن يتمكن من روايتها سوى من يعشقون بروحهم الجدران والحجر مثلما يعشقون البشر، خاصة أن الشارع بمعالمه التى تتحدى الزمن كاف وحده لأن يقص الحكاية من أولها، لكن أيا كان الراوى فمن المؤكد أن عم محمد وردة صاحب أشهر كشك لبيع الورد بوسط البلد سيكون أحد أهم معالم تلك الحكاية.

عرفت عم محمد منذ حوالى خمس سنوات، عندما كلفت من مجلتى الحبيبة صباح الخير بعمل تحقيق عن أشهر بائعى الورد، وكان السؤال الذى يشغلنى فى طريقى إلى شامبليون هو: هل لايزال الورد رسولا للغرام لا يخطئ أبدا فى الوصول إلى أعمق نقطة فى قلب المحبين أم استبدلوه بتلك الدمى المفزعة الضخمة؟

 

عم محمد وردة ليس مجرد اسم لبائع ورود عاشر أهل الشارع لمدة أربعين عاما، بل عاصر ماهو أبعد من ذلك، منذ أن كان الباشوات يمرون عليه كل صباح ليضع لهم الوردة فى عروة الجاكيت، لكنه أصبح أيقونة لكل قاطنى الشارع، فقط ادخل شامبليون من أى اتجاه، واسأل عن عم محمد وردة، ولا تقلق فستجد ألف من يدلك عليه.

وقف عم محمد وردة أمام هذا الطاولة الصغيرة التى احتوت أشكالا وألوانا من الورود يحدثنى عنها كما يتحدث الأب عن ابناءه، حتى طريقة وضعه لها على الطاولة بحنية كانت أشبه بمن يضع وليدا فى مهده برفق لكى لايستقيظ من غفوته.

 

محمد وردة صديق المشاهير، وقد يكون ذلك سببا فى ظهوره فى بعض المشاهد التمثيلية، لكن الحقيقة هى أنه يحبهم ويحبونه، ويفضلون باقة الورد التى يصنعها بحب داخل كشكه المتواضع عن أى باقة آخرى تصنع بمئات الجنيهات فى أماكن آخرى يتعامل أصحابها مع الورد كمصدر رزق فقط.

فنانون عرب فى زيارة لورده
ورود عم محمد بكل لغات العالم

لكن، ولأننا فى زمن يتسيد فيه القبح معالم كل شئ، استيقظ عم محمد وردة يوم الأربعاء الماضى على خبر إزالة كشك الورد المرخص، وإزالة عداد الكهرباء، والاستيلاء على كل ماهو داخل الكشك من أدوات بلا أى سبب سوى أن رئيس حى غرب القاهرة الجديد يريد شامبليون بلا إشغالات!!

لن أتحدث هنا عن عن فكرة محو أربعين عاما من عمر الشارع ومن عمر رجل قضى أكثر من نصف حياته داخل حديقته الغناء بجرة قلم، لكن كل مايشغلنى هو كيف يتم المساواة بين إشغالات المقاهى، وورش ميكانيكا السيارات، وبين الورود !!

 

لا أدرى لماذا يصر المسؤولون على أن يملؤوا أعيننا بالقبح، وأنفسنا بالألم؟ ولماذا لايسلم منهم حتى من قرر أن يعتزل كل هموم الحياة، ومشاكلها، وسياستها، ومعارضتها، ويكتفى بالجمال فقط، ليملئ به روحه، ويفيض منه على كل من حوله؟

فيا رئيس حى غرب

أرجوك اسمح لعبير الورد أن يفوح فى جنابات هذا الشارع العريق.

أرجوك اترك كشك الرجل الذى فك رموز الحب بوروده كما فك شامبليون رموز حجر رشيد.

محمد وردة فى كليب منير رباعيات فى حب الله

هبة محمد على مع محمد وردة منذ خمس سنوات