أسئلة مشروعة لوزير الثقافة في موقعة "الشارقة"

محمود خيرالله

حين أعلنت اللجنة الدولية لعواصم الكتاب العالمية التابعة لمنظمة “اليونسكو”، مطلع الأسبوع الماضي، اختيار مدينة الشارقة “الإماراتية”، عاصمة عالمية للكتاب، عام 2019، طالعتنا الصحف المصرية بتصريح يسارع فيه وزير الثقافة “المصرية” حلمي النمنم، بمحض إرادته، بتقديم التهنئة إلى الشيخ سلطان القاسمى، وإلى حكومة الشارقة وشعبها، بمناسبة اختيار الشارقة، عاصمة عالمية للكتاب لعام 2019، قبل أن يسمع أعتى عُتاة المهتمين بالشأن الثقافي في مصر ـ أعتقد أنني واحد منهم ـ أن مصر نفسها كانت مدعوَّة للمنافسة، من أجل الحصول على هذا اللقب بالذات، ليس هذا فقط، بل إن شُبهات فسادٍ تحوم حول تباطؤ وزارة الثقافة المصرية في تقديم الملف الخاص بها في هذا الشأن، إلى المنظمة الدولية المرموقة، الأمر الذي سهَّل فوز مدينة عربية في دولة “شقيقة”، هي مدينة “الشارقة”، بهذا اللقب الغالي.

كلنا ـ طبعاً ـ مع تثمين وزير الثقافة، اختيار منظمة اليونسكو، للشارقة، ومع تأكيده ـ في تصريحات رسمية ـ بأن هذا الاختيار يعد تتويجاً للدور الذى يقوم به الشيخ الدكتور سلطان القاسمي فى نشر الثقافة ودعم الكتاب، طوال العقود الماضية، فكل هذا الكلام الدبلوماسي يمكن قبوله من وزير حيال دولة عربية شقيقة لها كل التقدير والاحترام، لكن ما لا يمكن فهمه حقيقة، هو لماذا لم نسمع ـ لا من الوزير ولا من أبواقه الإعلامية الكثيرة ـ عن ترشح مصر للمنافسة على اللقب، فلربما كنا ساعدناه في الإعلام والإعلان عن هذا الحدث الثقافي الكبير، الذي كان كفيلاً أن يعيد الوهج ـ ولو قليلاً ـ إلى الحياة الثقافية المصرية، ولمدة عاميْن مُقبلين، على الأقل.

ثم أين تلك “اللجنة” الحكومية الموقرة، التي كان يُفترض بها أن تقدر حجم المسئولية الملقاة على عاتقها، لتقدم ملف القاهرة للمنظمة الدولية المحترمة، قبل موعد إغلاق باب تقديم الملفات بمدة كافية، لماذا يا معالي الوزير تأخرتَ وتأخر قرار تشكيل هذه اللجنة، التي لم تجتمع سوى مرة واحدة “يتيمة”، لأي سبب تأخرت هذه اللجنة لدرجة أنها لم تقدم ـ أصلاً ـ ملف مصر إلى اليونسكو، سوى قبيل إغلاق باب التقديم، بـ 48 ساعة فقط، علماً بأنه من المعروف أن اليونسكو أرسلت إعلانها إلى وزارة الثقافة المصرية، في شهر سبتمبر من العام الماضي، 2016، وأن باب التقدم للمسابقة أغلق في (مارس) 2017، لماذا يا معاليك لم تتحرك الوزارة طوال هذه المدة “6 شهر بالتمام والكمال”.

البعض يتحدث عن الفشل المصري في فهم متطلبات الشروط التي وضعتها اليونسكو، ووزعتها على موقعها الألكتروني، وهذا الكلام مردود عليه، يا معالي الوزير، لأن مدينة الإسكندرية اختيرت من قبل اليونسكو، عاصمة عالمية للكتاب، عام 2002، لأنه ليس هناك صعوبة تذكر في أن تطالب المنظمة الدولية اللجنة المصرية المعنية بتقديم الملف، بتقديم إجابات واضحة ومحددة على عدد من الأسئلة مثل: “ما مفهوم برنامج النشاطات المخططة؟ كيف يتم اختيار النشاطات المقررة للعام؟ ما المبادرات المخطط لها لدعم لنشاطات بعد السنة المقررة للتعيين؟.. وهكذا،

معالي الوزير:

الذين شاركوا في مهرجانات فنية أو أدبية في العالم الحديث، يعرفون الإجابة عن الأسئلة التي تطرحها المنظمة من عينة، كيف يشارك المواطنون في تنفيذ برنامج النشاطات؟ كيف يمكنك تطوير الروابط بين برنامج النشاطات الخاصة ونشاطات البرنامج السابق لعواصم الكتاب؟.. كيف تخطط المدينة لإشراك الفنانين المحليين والمنظمات الثقافية؟ ما استراتيجية جذب اهتمام جمهور دولي؟ ما استراتيجية التسويق والاتصال؟ من سيكون الفريق المسؤول عن الاتصال؟ ما الفئات المستهدفة الرئيسية للحملة الإعلامية؟”.

والحق أن من يطالع الأسئلة التي تقدمها اليونسكو للجنة المصرية المعنية بتقديم الملف المصري، لهذه المسابقة، يعرف أننا في جهازنا البيروقراطي المتخلف لن نستطيع أن نجيب عن كل هذه الأسئلة، التي تعكس مدى دقة العمل في المنظمة، وهي الدقة التي نفتقدها نحن في وزاراتنا التعيسة، لأنها تتطلب جهازاً إدارياً يقظاً ومدرباً ومحترفاً، يلائم احتياجات المنظمات الدولية، وهذا ما لا يتمتع به موظفونا للأسف، وكلنا ـ للأسف ـ يعرف ذلك.

أسئلة المنظمة تمتد أيضاً إلى كل تفاصيل الاحتفالية التي ستصاحب إعلان فوز مدينة ما بهذا اللقب الدولي الكبير، وبينها سؤال بشأن الرسائل الأساسية التي ترغب في توصيلها أنت كدولة مقر؟ وآخر حول استراتيجية كل بلد في حشد جمهور واسع، وهل هناك أي شراكة مع الصحافة أو وسائل الإعلام الأخرى؟ كيف سيتم ضمان التغطية الإعلامية للأحداث؟ من هم أصحاب المصلحة التي يمكن أن تساعد في تعزيز برنامج النشاطات الخاصة بكم؟ كيف تم حساب موازنة النشاطات وكيف سيتم استخدامها؟

أعتقد أن التفريط في مثل هذا اللقب، في ظل ما يعانيه الاقتصاد المصري من كساد، وفي ظل الرغبة التي يعلنها النظام دائماً بالبحث عن تقديم صورة أفضل لمصر في عيون العالم، لاسترجاع ما فاتنا ـ وهو كثير ـ من ملايين السياح حول العالم، يتطلب من جميع الجهات الرقابية في الدولة المصرية، فتح تحقيق موسَّع في هذه “الفضيحة الثقافية الكبرى”، لتحديد المسئول عن هذا الإهمال الجسيم في حق مصر وثقافتها وشعبها، على حد السواء.