مصطفى حمدي يكتب: إلى تامر حسني.. "متلفش وترجع تاني"

تتعامل السينما المصرية بحذر شديد مع الفانتازيا أو الحكايات المستندة إلى الخيال العلمي كنقطة انطلاق نحو الفكرة سواء كانت كوميدية أو تراجيدية ، ولكن الغريب أن في موسم عيد الفطر الحالي يطل فيلمين ينطلقان من هذه الأرضية ، أحدهما هو “تصبح على خير” لتامر حسني والذي يراهن في هذا العمل على عدة أوراق أهمها التخلي إلى حد كبير عن الكوميديا والغناء كعنصرين مهمين في صناعة كل أفلامه السابقة ، وهو رهان يحسب لمطرب بنى شعبيته كممثل على هذين العنصرين فما بالك عندما يقرر التخلي عنهما والبحث عن فكرة جديدة – غير مضمونة- بل وعرضها في موسم مزدحم بأسماك قرش ضخمة قادرة على ابتلاع كعكة الايرادات في ساعات !

يحكي “تصبح على خير” قصة ملياردير شاب يعاني من اكتئاب بسبب عدم قدرة زوجته على الإنجاب ، فتظهر له فجأة مبرمجة شابة تعرض عليه مشاركتها في مشروع علمي قائم على اختراع يسمح للبشر بالتعايش مع احلامهم كأنها واقع ، ومن خلال سيناريوهات معدة مسبقًا تمنح الفرصة للملياردير المكتئب كي يخوض مغامرات مختلفة في عالم موازي .

نحن أمام فكرة طازجة بالنسبة لمشاهد الفيلم المصري الذي اعتاد على قوالب ثابتة لا تلامس الخيال ، حتى أن هذا المشاهد نفسه لم يعد متقبلًا لتحطيم تلك القوالب سوى في الأفلام الهوليودية فقط ، وهي إشكالية يحاسب عليها صناع السينما المصرية أولًا وليس المشاهد .

سواء كان محمد سامي مخرج الفيلم هو كاتبة أو كان لكاتب آخر بصمته على العمل يبدو سيناريو “تصبح على خير” متماسكًا على مستوى الصنعة مقارنة بأفلام أخرى حققت إيرادات أعلى في هذا الموسم ، التمهيد للثلث الثاني من أحداث الفيلم يحمل قدرا كبيرا من التشويق عندما يلتقي حسام المليونير بالمبرمجه وتبدأ في طرح سيناريوهات اللعبة عليه بل وتجربتها لأول مرة على غرار خدعة “أول شمة” التي تبدأ طريق الإدمان ، الشد والجذب بين حسام والمبرمجة التي تمارس كل الحيل للإيقاع به كان محكما بشكل كبير مقارنة بتفاصيل علاقته بزوجته وشقيقة .
الخيارات المتاحة داخل البرنامج في حد ذاتها قماشة للكثير من القصص ، اختار منها صناعه القصة الأكثر تجارية ، شخصية “جمال اللالي” التي تحمل في سياق حدوتتها بعضًا من نجاحات تامر القديمة “الخلطة الشعبية” ولكنها في إطار مقبول دراميا خاصة وأنه في إطار عالم موازي يخوضه الملياردير لأول مرة ، ولكن لا أعلم لماذا تخلى المؤلف سريعًا عن مداعبة فضول المشاهد لمتابعة عدة شخصيات أخرى واكتفى بطرح سيناريو اخر قصير لشخصية قرصان الكاريبي التائه في البحر ، أعتقد أن السبب هو الحاجة الملحة لتقليل زمن الفيلم للموائمة مع ظروف العرض “الضاغطة” في زحمة حفلات العيد .

مع الوصول لذروة الحبكة كان أمام المؤلف طريقين لاستكمال القصة ، إما ان يسير في طريق الفناتازيا حتى النهاية وينحاز للتجديد التام بلا قيود ويلامس أفكارًا أكثر عمقًا تلعب على المقارنة بين الواقع والخيال في حياة الإنسان والتعامل مع البرنامج باعتباره اختراع حقيقي سيغير حياة البشر مثلما فعلت فينا مواقع التواصل الإجتماعي مثلًا ، أو الإستسلام للنهاية المضمونة التي قد يبدأ المشاهد المصري في طرحها داخل قاعة العرض مع بداية الثلث الأخير من الفيلم ، تيقنت من انحياز صناع الفيلم للخيار الثاني ، خصوصًا مع التفريغ المتعمد لشخصيتي الأخ والزوجة لمنح المشاهد احساسًا بالريبة والغموض تجاههما ، لا أحب حرق نهايات الأفلام ولكن في المجمل الفيلم يحمل الكثير من النقاط المضيئة ، مثل الإنتاج الضخم الذي منح الفيلم ثراء على النقيض تمامًا من اعمال تامر السابقة مع السبكية ، وهو أمر يحسب للمنتج الشاب وليد منصور الذي يخوض تجربته الثانية بعد فيلم ضخم انتاجيا هو “من 30 سنة ” .

يُحسب لتامر حسني أيضا تعامله مع فكرة التمثيل كمشروع فني بعيد تمامًا عن مشروعه كمطرب ، اختيارات تامر على صعيد التمثيل ابتعد تمامًا عن أي تماس مع شخصيته كمطرب وهو مايبدو واضحا في هذا الفيلم الذي اكتفى فيه بأغنية دعائية مع اليسا عُرضت خارج سياق الأحداث تماما ، وبالمناسبة اختيار إليسا للدويتو نجاح انتاجي آخر .

المخرج محمد سامي يملك ميزة أراها سببًا حقيقيًا وراء نجاحاته ، ألا وهي قدرته على مخاطبة فئات مختلفة من الجماهير بطريقته هو ، أغلب أفلام محمد سامي تنتمي للون التجاري وبعضها تجاري شعبي ولكنه لم يتورط خلال مشواره في تقديم عمل مصاب بالأعراض الجانبية للفيلم التجاري الشعبي المصري وعلى رأسها البُخل الانتاجي ، وما يصاحبه من افتقار للصورة الجمالية ، وعناصر الإبهار وإن يعيبة الإكثار منها أحيانا ، في هذا العمل انتقل سامي بالجمهور لعالم المليارديرات بكل مافيه من ثراء وبذخ ثم قفز لعالم جمال اللالي بعشوائيته وشعبيته ولم يفتقد المشاهد جمال الصورة بين عالمين صدقهما ، بل ان مشاهد معارك الكبارية الكوميدية التي جاءت بخلطة تامر حسني السينمائية الشهيرة لتخاطب جمهوره وضعت في حدودها ومساحتها المقبولة .

الملاحظة السلبية الأبرز على الفيلم هي اختيار صُناعة الإحتماء بالمنطق في النهاية كطرح مناسب لعقلية المشاهد المصري ولكنه فقد الكثير من المنطق في تبرير سلوك الزوجة – التي تجسد شخصيتها نور- ربما كان الأمر في حاجة لحدث صادم من قبل زوجها الملياردير حسام كي يبرر هذا السلوك ويقبله المشاهد بعيدًا عن مبرر “الخوف” !

على مستوى التمثيل يحافظ تامر حسني على حضوره كممثل يملك قدرًا جيدًا من الموهبة ، وكبيرًا إذا ما قارناه بكل المطربين الذين اتجهو للتمثيل في الحقبتين الماضيتين ، ولكن يبقى السؤال : هل يملك تامر الجهد لتطوير هذه الموهبة لاستيعاب شخصيات أكثر اختلافًا وجرأة ، وهل يملك الجرأة لاختيار موضوعات أبعد عن النجاحات المضمونة ؟ أرى في “تصبح على خير” بداية مقبولة لهذا الطريق الصعب ، ولكن هل يستمر تامر في طريقة أم يقرر في لحظة “خوف” العودة إلى حيث بدأ عاملًا بهتاف علاء ولي الدين الشهير ” لف وارجع تاني” ؟ أعتقد أن تامر وجده يملك الإجابة على هذا السؤال .