نرمين سعد الدين تكتب: الدلهاب حقيقة أم سراب

منذ بدأ عرض برومو مسلسل كفر دلهاب والكثير من الناس يتسألون عن معنى دلهاب خاصة أنه كان هناك تسأول جاء على لسان أحد الأبطال وهو أحمد سعيد عبد الغني يسأل ” أنت عارف الكفر ده ليه سموه كفر دلهاب”

اعتقد البعض أن كفر دلهاب مكان رمزي لأحداث حقيقة بعد العرض، ولكن تردد على لسان الكثير من الأبطال الحديث عن جن البحر المدعو الدلهاب فعاد التساؤل من جديد هل هذا الدلهاب من نبت أبداع الكاتب أم اسطورة حقيقة من الأساطير العربية والمصرية المنتشره بين العامة عن عالم الجن واسمائهم

في الحقيقة أن الحكايات الشعبية غير المخطوطة أو المخطوطة، مثل ألف ليلة وليلة وسيف بن ذي يزن، تمتليء بقصص غريبة وبالشخصيات الممتعة والمرعبة، وشخصيات اختفى الخط الفاصل بين كونهم وجدوا فعلًا ذات يوم، ثم تم تحريف الحقائق عنهم ليتحولوا إلى هذه الكائنات المرعبة غير المعقولة، أو كونهم من الأصل كائنات خيالية لم توجد قط، كالسعلاه، الدلهاب، امنا الغولة، النداهه، عيشة قنديشة، وغيرها

وما يعنينا هنا من كل تلك الأساطير هو جن مسلسل كفر دلهاب ، فالدلهاب كما جاء في الأساطير العربية هو “نوع من الجن يوجد في البحار ويُرى على صورة إنسان جلده كصخر البحر الذي تجمع عليه الطحالب وهو يتعرض للمراكب القريبة منه، ويقذف أهله في البحر”.

والأساطير العربية، هي الاعتقادات القديمة التي كانت تؤمن بها العرب عامة في عصور ما قبل الإسلام. فنجد قبل الإسلام الكعبة مغطاة برموز لمئات العفاريت، الجن، وأنصاف الآلهة، وهي ما كانت تمثل الآلهة القبلية أو آلهة أخرى متنوعة تعبر عن ثقافة الشرك السائدة في ذلك الوقت

ومن الصعب دراسة الأساطير العربية القديمة بشكل علمي، لأن مصادر التاريخ قليلة وغير موضوعية، والأدب العربي القديم ضاع بسبب عدم وجود الكتابة عند العرب، ومعظم ما كتب عن تاريخ الجاهلية كان بين 500 و622م أي مئة سنة قبل الإسلام، وقد وصلتنا عن طريق النقوش والرواة أخبار متقطعة مبعثرة مثل الأساطير البابلية التي اكتشفت في الألواح السبعة ونقوش الساميين الشماليين، والأدب العربي الذي نعرفه يتعلق بالجاهلية قبل الإسلام بفترة قصيرة، حيث دونه الكتاب ووصلنا عن طريقهم مثل سيرة ابن هشام، وأخبار عبيد بن شرية، والإكليل، وحياة الحيوان للدميري، وفي كتب المتأخرين مثل الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، ومروج الذهب للمسعودي، والأزرقي، والبلخي، والقزويني، والثعالبي، والألوسي

ولقد تأثر العرب في العصر الجاهلي بالوثنية البابلية، وحين اشتهرت الأديان في شبه الجزيرة العربية، تأثر بالأديان اليهودية والمسيحية، وتأثر بآراء الصابئة خاصة في عبادة النجوم.

كان خيال العرب الجاهليين قادرا على توليد الأسطورة والخرافة بشكل تصوري، فقد تصوروا الأشياء، واسترجعوا التجارب وركبوا صورهم الشعرية المادية المحسوسة، وتصورهم السمعي هام يظهر في الأساطير العربية، وفكرتهم عن الأشياء الروحية تأخذ تصورا ماديا، فقد تصوروا الروح في شكل الهامة، والعمر الطويل في شكل النسر، والشجاعة في شكل الأسد، والأمانة في الكلب، والصبر في الحمار، والمكر والدهاء في الثعلب.

واعتقدوا العرب أن الجن خلقوا من بيضة، وأنهم من نسل الحيوان، وكذلك الغيلان والسعالى والهوام، حسب قول المسعودي في مروج الذهب، وتطورت فكرة الجن بحيث إذا تحولت السعلاة إلى صورة امرأة تبقى رجلاها مثل رجلي الحمار أو العنزة. ونسبوا الأفراد والقبائل إلى نسل الجن، وقيل إن بلقيس ملكة سبأ وذي القرنين من أولاد الجن، وكان الجن يمثلون قوة الشر التي يقاومها شجعان القبيلة

وفي الأساطير العربية يمسخ الإنسان حجرا أو شجرا أو حيوانا، كما جاء في عجائب المخلوقات للقزويني وكتاب الحيوان للجاحظ.

ومن معتقدات الجاهليين كذلك أن الجبال تؤثر في الإنسان، وقد قدسوا الأشجار وعبدوها، ورأوا روح الشر في بعضها، وعبد العرب كل ما يتعلق بالأشجار من أغصان وجذور وقشور، وعبدوا العظم والريش والناب والمخلب والحافر والسن والظفر والحجر، وقدموا لها القرابين، واتخذوها تميمة تحميهم، وكانوا يعلقون على الصبي سن ثعلب وسن هرة خوفا من الخطف والنظرة. وعبدوا النار وكانوا يرونها في الأشجار، وبطون الأحجار، والجبال.

وتطورت الأساطير العربية مع الزمن لتصبح أساطير شعبية كل بلد له حكاياته وسماته، وبعض الحكايات تشابهت مع حكايات أخرى لأنها كلها غالبا مستمده من نبع واحد وهو عالم الجن والآلهة

وجدير بالذكر أن الأساطير أو الخرافات العربية التي تم الاستعانه بها في الأعمال الدرامية لم يكن كفر دلهاب أولها فنذكر في فترة التسعينات فيلم دقة زار استعانوا بدقات ذكر فيها اسماء جن ممن ورد ذكرهم في الكتب الخاصة بعالم الجن وانسابه واسماء قبائلهم وصفاتهم، ويعتبر مسلسل الكبريت الأحمر أكثر تلك الأعمال الدرامية التي تم ذكر اسماء وعوالم الجن باستفاضه به، والآن كفر دلهاب وفيما يبدوا أنها لن تكون الأخيره في استعانة كتاب الدراما لشخصيات من الأساطير العربية والحكايا الشعبية.