محمود خليل يكتب: هل صنع الإخوان نصر أكتوبر؟!

هل تنظيم الإخوان المسلمين وراء نصر أكتوبر العظيم؟!!

قد يبدو لك تساؤلا غبيا، مغرضا، عبثيا، لا طائل من ورائه سوى زعزعة ثقة الشعب في جيشه وفي انتصاره الأكبر والأعظم على مدار التاريخ الحديث، وقد تتهم كاتب هذه السطور بالجنون أو ربما بالخيانة والعمالة.. ولكن دعونا أولا نتأرجح زمنيا بين الماضي والحاضر، قبل أن نجيب عنه.

الكاتب الصحفي نصر القفاص كتب على صفحته على الفيس بوك: “عظمة عبد الناصر أنه يهزم أعدائه حتى وهو داخل قبره”، تعليقا منه على ما أثاره مسلسل “الجماعة 2” من جدل حول طبيعة علاقة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتنظيم الإخوان المسلمين، وأنه كان عضوا بالجماعة في أواخر الأربعينيات، وهو الاتهام الذي أغضب الناصريين ومؤيدي الرئيس الراحل بشدة، وصبوا غضبهم على الكاتب وحيد حامد واتهموه بمجاملة التنظيم وتحسين صورته المشوهة، مستندين إلى تفاصيل الحلقة الثالثة من المسلسل، لكنهم لم يقرأوا جيدا الحوار الذي دار بين جمال عبد الناصر وحسن العشماوي حين قال: “الجماعة تعمل لصالحها وليس لصالح الشعب، فهم يدعون أنهم أعداء الإنجليز والملك بالنهار وهم أصدقاء بالليل”.

والحقيقة أن جمال عبد الناصر كان داهية سياسي لا يشق له غبار، استفاد كثيرا من دروس الماضي، قرأ جيدا ما حدث لأحمد عرابي، وقرأ جيدا ما حدث مع سعد زغلول، وقرأ جيدا المشهد السياسي المتشابك بأحزابه وقواه السياسية الهشة التي تؤسس حكومات وتقيلها في أيام معدودة، وما يثبت هذا الدهاء ما كتبه المخرج خالد يوسف في مقاله بالمصري اليوم – وهو بالمناسبة أحد الغاضبين من وحيد حامد – قائلا: “جمال عبدالناصر وبدوافع وطنية بحث فى كل التنظيمات والأحزاب والحركات السياسية عن ضالّته، فلم يجدها، ويئس من أن يجد فيهم الكيان الوطنى الخالص الذى يستطيع أن يحرر من خلاله البلاد والعباد، مر وتعرف عن قرب ودرس وحلل أفكار ومناهج وأساليب وبرامج حزب مصر الفتاة والإخوان والحركات الشيوعية والحزب الوطني والطليعة الوفدية والسعديين وغيرهم، وانضم شكليا لبعضهم ليستطيع التقييم الصحيح، وعندما يئس من أن يجد فى أى منهم ما ينشده بدأت فكرة تنظيم الضباط الأحرار تفرض نفسها حلا وحيدا للخلاص، والشاب جمال عبدالناصر- الذي مارس السياسة منذ صباه وتخرج فى كلية أركان الحرب ودرس الاستراتيجيات والتكتيكات، وكان نهِماً لقراءة دروس التاريخ وعالم السياسة وأساليبها- كل ذلك جعله يدرك أهمية الدعم الشعبى لحركته وضرورة التواصل مع المجتمع المدنى والسياسى، فحافظ على “شعرة معاوية” بينه وبين كل تلك التنظيمات والأحزاب والحركات، بل إنه ضم أنور السادات إلى التنظيم للاستفادة بعلاقاته مع المجتمع السياسى خارج الجيش، ولكنه- أي عبد الناصر- كان قادرا على إدارة كل تلك التناقضات والاستفادة بما يمكن الاستفادة منه”.

إذن عبد الناصر كان يساريا شيوعيا إخوانيا رأسماليا وفدا سعديا، قل ما شئت واتهمه بما تريد، واقرأ ما تريد من كتب التاريخ بتوجهات من تريد من مؤرخين تابعين لهذا التيار أو ذاك، لكنه يبقى في النهاية مصريا، ولنعد إلى مسلسل “الجماعة 2” في حلقته الثامنة لنقرأ بعناية ما يريد وحيد حامد إيصاله لنا.

مأمون الهضيبي مرشد التنظيم يوافق على دعم جماعته للضباط الأحرار لكن بحرص، تنزل كتائب الإخوان أمام الإنجليز في طريق القاهرة السويس، فإذا فشلت ثورة الضباط الأحرار تظهر الجماعة في صورة من تقوم بحركة فدائية ضد الانجليز أمام القصر الملكي، وفي كل الأحوال هم مع الفائز وقتها، إنه منطق اللعب على جميع الحبال المعروف في أدبيات التنظيم التي وضعها مرشدهم الأول حسن البنا، لكن ألا يذكركم هذا المشهد بمشهد قريب للغاية، قبل 6 سنوات تقريبا..

في عام 2011 اندلعت ثورة 25 يناير، كانت الثورة الوليدة عبارة عن تظاهرات احتجاجية معتادة، وقابلها نظام مبارك بنفس الطريقة المعتادة أيضا، وتداخلت فيها جماعة الإخوان بطريقتهم المعتادة، لا تأييد أو دعم أو ظهور حقيقي في الأحداث، وكلنا نذكر جيدا أن أول ظهور رسمي للتنظيم كان في اليوم الرابع أي بعد جمعة الغضب في 28 يناير التي أنهكت الشرطة وأفقدتها سطوتها، ليعلن الجيش نزوله لمسرح الأحداث حاميا للوطن، وتعلن الجماعة أيضا نزولها لمسرح الأحداث حامية لمصالحها وساعية لالتهام نصيبها الوافر من “التورتة”.

اللعبة التي انطلت على الجميع يكشفها وحيد حامد في جمل عابرة ومشاهد متناثرة بإتقان، تنظيم الإخوان يقدم نفسه على أنه حامي حمى الوطن، تنظيم الإخوان هو الذي أسقط الملكية وطرد الإنجليز في ثورة المصريين الأولى عام 1952، وهو الذي أزاح نظام مبارك في ثورة المصريين الثانية في يناير 2011، تنظيم الإخوان هو “الثائر الحق يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبني الأمجاد”، الجملة التي أغرقوا بها مواقع التواصل الاجتماعي بعد انتهاء الـ11 يوم لثورة 25 يناير لقائلها الشيخ محمد متولي الشعراوي، ليترك الثوار الحقيقيون الميدان، وبينما هم ينتظرون بناء الأمجاد، كان تنظيم الإخوان يبني مجده الشخصي الذي أوصلنا جميعا للعام الأسود في تاريخ مصر، عام حكم الإخوان الذي انتهى بلا رجعة على يد ثورة المصريين الثالثة في 30 يونيو.

الخطأ الذي وقع فيه الثوار الحقيقيون لـ25 يناير، لم يقع فيه جمال عبد الناصر بعد نجاح ثورة 23 يوليو، وهنا أحيلك مباشرة لمشهد في الحلقة الثامنة من الجماعة 2، عندما دخل حسن العشماوي لمكتب جمال عبد الناصر ليهنئه بنجاح الثورة، لكن عبد الناصر قابله ببرود شديد واستغراب من موقف الجماعة غير المحدد، فجميع الهيئات من كل أنحاء البلاد هنأتهم بنجاح الثورة إلا تنظيم الإخوان المسلمين، وهذا يدل على تشكيك المرشد في قدرات التنظيم، معلنا أن الجماعة ستكون في نظر الثورة مثلهم مثل بقية الشعب، ولن يكون لهم معاملة خاصة.

وهنا يبرز السبب الحقيقي للكره الشديد من قبل تنظيم الإخوان لجمال عبد الناصر، وحاولوا تصفيته في حادث المنشية الشهير، وهو ما قابله عبد الناصر بإلقائهم في السجون وإعدام سيد قطب، وهي نفس درجة الكره للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أزالهم من الوجود، وأعادهم لمكانهم الطبيعي، في غياهب السجون.

هل عرفتم الآن إجابة السؤال الذي بدأت به هذه السطور؟!