"ورطة إنسانية" بعد "الصدمة".. محاولات إيجابية لتغيير شكل الكاميرا الخفية

رباب طلعت

بعد ثورة يناير، وتحديدًا منذ عام 2012، اتجه المخرج أحمد عساف، لتغيير خريطة الكاميرا الخفية في مصر، بفكرة برنامج “خليك إيجابي”، التي تعتمد على رصد الشخص صاحب رد الفعل الإيجابي، على المواقف السلبية التي تحدث أمامه، بدعم من إحدى شركات الاتصالات وقتها، وفي رمضان 2016، تبنت “mbc”، نفس المبدأ، بإصدارها برنامج “الصدمة”، والذي يستمر في موسمه الثاني هذا العام، مع ظهور الامتداد التلفزيوني لفكرة “عساف”، بنكهته المصرية، على شاشة “dmc”، والتي عرضت حلقات برنامج “ورطة إنسانية”، الذي يخرجه أحمد عساف، منذ بداية رمضان 2017.

بعد ظهور برنامجي “ورطة إنسانية”، و”الصدمة”، البرنامجين اللذان استطاعا جذب قطاع كبير من الجمهور العربي وليس المصري فقط، يستعرض “إعلام دوت أورج”، أبرز أوجه التشابه والاختلاف بين التجربتين.

(1)

“الإنسانية لا تتجزأ”، الكلمة التي يرددها “كوجاك” باستمرار منذ الموسم الأول لـ”الصدمة”، تأكيدًا على هدف البرنامج الذي انطلق من أجل ترسيخه، وإلقاء الضوء عليه، وإظهار شعاع الأمل فيما تحمله القلوب من رحمة، وهي أيضًا منطلق صناع “ورطة إنسانية”، الذين اختاروا إرفاقها بإسم البرنامج.

(2)

أعطى صناع “ورطة إنسانية” طابعًا مختلفًا قليلًا، عن نظيره العربي “الصدمة”، فمع تشابه البرنامجين في طريقة عرض الفكرة بالاعتماد الأساسي على تمثيل مشهد يخرج عن الإنسانية، في الشارع، لجذب انتباه المارة، لمعرفة ردود أفعالهم، ووضع ترمومتر لإنسانيتهم التي تبدأ بنظرة تعاطف، وترتقي للتدخل المباشر، ومحاولة تصحيح الموقف، والدفاع عن الطرف الضعيف الذي يتعرض للاعتداء أو الإهانة، لتصوير ذلك وطرحه في الحلقة، إلا أن فريق عمل “الورطة”، لا يتدخل أبدًا لتوضيح الموقف، حتى لو احتد، وأصبح هناك مشادة بين الممثلين، والناس، بعكس “الصدمة”، الذي يتدخل المذيع لفض المشادة التي نشبت على خلفية المشهد التمثيلي الصادم، ومحاورة الجمهور، لتحليل ومعرفة سبب موقفهم الإيجابي أو السلبي.

(3)

ذلك الاختلاف يوصلنا لشيء آخر هو أن “الصدمة” اعتمد على أكثر من مذيع كل بحسب بلده، ففي مصر مثلًا، كان كريم كوجاك المألوف وجهه عند شريحة كبيرة من الناس،ما أعطى له طابعًا حواريًا أيضًا، وتهدئة الموقف، لكن في “ورطة إنسانية”، لم يكن هناك سوى الممثلين وفقط، منهم للناس، ما أفقد البرنامج عاملًا ترويجًا، كباقي برامج “الكاميرا الخفية”، الشهيرة، منذ بدايتها، مع الفنان الراحل فؤاد المهندس، مرورًا بتطورها على يد الفنان إبراهيم نصر، في “زكية زكريا”، وصولًا لرامز جلال وهاني رمزي، في السنوات الماضية، ما جعل البرنامج مجهولًا عند الكثيرين، ومن شاهدوه أغلبهم كان بالصدفة، بعكس الصدمة، الذي منذ الحلقات الأولى العام الماضي حقق مشاهدة كبيرة وانتشارًا واسعًا، وذلك شيء غريب خاصة لعرض “ورطة إنسانية”، على قناة مثل “dmc”، التي نجحت في استقطاب الجماهير منذ انطلاقتها منذ عدة أشهر، بوجوه فنية وإعلامية كبيرة وبارزة.

(4)

من الاختلافات البارزة في البرنامجين أيضًا، هي مقدمة كل منهما، فـ”الصدمة” يعتمد على موسيقى تبدو “جامدة”، تعطي إيحاءً بـ”الصدمة” فعليًا، وخلفيتها تصميم “جرافيك”، لتلك الديكورات الحديثة التي باتت “mbc”، تستخدمها مؤخرًا في برامجها مثل “المتاهة” على سبيل المثال، ومن ثم يبدأ عرض “مانشتات” الصحف عن قضايا خطيرة، وهامة، وجرائم مستمرة، بسبب “إنعدام الإنسانية”، منها تقل الوالدين، أو الأبناء، وقضايا الأسرة والمرأة وغيرها، والمنتشرة في المجتمع، بشكل كبير، ومحزن، بالاستعانة ببعض الإحصائيات في بعض الأوقات، ويبدأ المقلب، إلا أن “ورطة إنسانية”، اختار زاوية إنسانية أكثر، وأقرب لطبيعة المشاهد المصري، وهي “تتر” بأغنية بصوت محمد رشاد، مرفق بها عدد من المشاهد لأفعال إنسانية، بسيطة، كإنقاذ أطفال لقطة على شجرة، بالإضافة للقطات مشهورة على الإنترنت، كالرجل الكبير الذي يقف في وسط القاهرة رافعًا لافتة مكتوب عليها “الأمل”، كذلك تصوير بعض شوارع القاهرة، والمارة بها، ومن ثم يبدأ تعليقًا صوتيًا يوضح فكرة البرنامج، ويبدأ المشهد التمثيلي، بعكس “الصدمة” الذي يقوم بتلك المهمة فيها مقدم البرنامج.

(5)

اختيار موضوع الحلقات، وإن كان مشابهًا للحظة الأولى إلى أن هناك اختلافًا صغيرًا بين البرنامجين، فصحيح أن كل منهم لمس جوانب ومواقف إنسانية، إلا أن “الصدمة” اعتمد فعليًا على الصدمة، أو بالأحرى على اختيار قضية شائكة، كـ”إهانة الوالدين”، أو “خطف الأطفال”، أو”العنصرية ضد اللاجئين”، أو على الجانب الأخف، تعريض المارة لموقف مقابلة طفل أو طفلة، تشعر بالبرد ولا تجد والدتها، وتطلب منهم معطفًا لتدفى به، مواقف يصعب على البعض التدخل فيها، بدافع الخوف من رد فعل “إنت مالك احنا عيلة”، أو “مش معايا غيره”، في موقف المعطف، لكن “ورطة إنسانية”، كان طالع المواضيع للآن خفيفًا، ويسهل التدخل فيه، كلافتة إنسانية لتشجيع طفلة يحملها والدها، لعرض رسمتها الأولى على الناس في الشارع، فبالطبع، سيتدخل الجميع، خاصة أن الشعب المصري من طبعه الاجتماعية، والحديث والتفاعل مع أفراح الغرب، أو سلبيًا كحلقة معارضة الفتاتان اللتان تريدان صورة مع رجل دون مأوى في الشارع، ووصفه بأن “شكله غريب”، فيرفض الأغلبية تصويرهما، وتبدأ المشادات الكلامية وإهانتهما من البعض، وفي محاولة فريق العمل بزيادة صعوبة الموقف مثلًا في إحدى الحلقات التي طلبت فيها سيدة مسنة “طلب فول”، من على إحدى العربات، وتطوع الجميع لدفع الثمن لها، طالما أنها لا تملك مالًا، وفجأة يظهر ممثل من بينهم يتطوع هو لأن يدفع لها، لكنه يكتشف أن ماله وقع منه، فيتطوع كل من حوله للمحاسبة على طلب كلاهما.

(6)

بالرغم من كل تلك الاختلافات يظل الاختلاف الأبرز أو تحديدًا “الأغرب”، هي ردود الأفعال، ففي “الصدمة”، يبدو الأمر طبيعيًا جدًا فليس الجميع إيجابي، ولا يملك الكل نفس القدر من الشجاعة للتدخل في المواقف اليومية التي تحدث أمامه، فغالبًا ما يتعرض الجميع في الشارع لمواقف مشابهة لأن تطلب طفلة مالًا أو معطفًا للتدفئة، أو أن يعلو صوت أحدهم على زوجته، أو تنفعل فتاة على أمها، ولا يتدخل أحد بمبدأ “وأنا مالي”، أو “مش معايا”، وهو ما رصدته عدسة “الصدمة” بالفعل، والتأكيد في بعض الحلقات، أنهم انتظروا لساعات دون تدخل من أحد، ومن ثم ظهور الإيجابيين أخيرًا، والذي يشكرهم البرنامج في نهاية الحلقة، لكن في “ورطة إنسانية” ظهر كل الناس ملائكة، وإيجابيين بشكل ملفت، من الممكن إرجاع ذلك لواحدًا من سببين، إما تعمد صناع البرنامج على إظهار الجانب الإيجابي فقط، أو لأن المواقف كما ذكرنا سابقًا أخف من “الصدمة”، وتعتمد أكثر على التفاعل الإنساني وعدم الدخول في مصادمات.

(7)

الشيء الغير مفهوم في “ورطة إنسانية”، هو عدم إظهار جانبًا هامًا لم يختفِ من قبل في برامج “الكاميرا الخفية” باختلاف أنواعها، وهو رد فعل ضيوف الحلقة، من الناس الذين تدخلوا في الموقف، فلم يظهر البرنامج للمشاهد، هل أخبروهم، الحقيقة، وسألوهم على طريقة إبراهيم نصر، القديمة “نذيع ولا منذيعش؟”، أم أنهم بثوا الحلقة دون إذنهم، بما أن جميعهم إيجابيين، ولن يضرهم شيء الظهور، واكتشف كل منهم أنه بطل الحلقة بالصدفة، عند مشاهدته للبرنامج.