حسين عثمان يكتب : إطاحة مفاجئة واتهامات صادمة

تستمر قيمة الشفافية غائبة عن أداء مؤسسات الدولة، فتتجدد داخلنا الحيرة من آن لآخر، وحدث إقالة الدكتور أحمد درويش، الرئيس السابق للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية بقناة السويس، لم يكن الأول في هذا الخصوص، ولا نعتقده بالطبع الأخير، طالما ظلت القيمة في غياب مصارحة الرأي العام بالحقائق، وليست في مشاركته في مختلف القضايا من قبل ومن بعد، وهو ما يجعل الهواجس تلفنا جميعاً في دوامتها المهلكة، خاصة حين يلتزم الطرف الثاني هو الآخر الصمت، حتى وإن مست تلك الهواجس الشرف والنزاهة، ولا نقول الإنجاز أو كفاءة الأداء، فتزيد المناطق الرمادية وتتعدد في حياتنا، ولا نستطيع تقييم الأوضاع بميزان العقل أو المنطق!!.
 
في تقرير للزميل عبد الرحمن سليم، نشرته جريدة الفجر في عددها الأخير الخميس الماضي، وتحت عنوان (التقرير السري الذي أطاح بأحمد درويش)، إتهامات صريحة تمس شرف الرجل، تبدأ بمجاملة العديد من أصدقائه، أو ذوي الصلة به من قريب أو من بعيد، حين قام أثناء ولايته بتعيينهم في مناصب لا يتمتعون بالخبرة اللازمة لشغلها، وبمرتبات خيالية، أو على أقل تقدير، تزيد في معظمها على الحد الأقصى للعاملين بالجهات الحكومية، وهو ما زاد عدد العاملين بالهيئة من 142 إلى 200 موظف، ورغم تأكيدات الدكتور أحمد درويش المستمرة لمرؤسيه بقدرته على إدارة الهيئة بالكامل بعشرين فرداً فقط لا غير!!.. هكذا تحدث تقرير الفجر.
 
قبل أن تحكم على الكلام هنا بأنه مرسل، يرد عليك التقرير بقائمة تضم بعضاً من أسماء هؤلاء مقرونة بالمرتبات الخيالية المشار إليها، منهم على سبيل المثال، أحمد لبيب الموصوف في التقرير بالرجل الثاني في الهيئة، بمرتب شهري 65 ألف جنيه، علاوة على تخصيص سيارة خاصة له بدون سائق، ومعه الضابط المتقاعد محمد عبد الرحيم في وظيفة مهندس مشروعات، بمرتب شهري 23 ألف جنيه، وأماني عيسوي، الحاصلة على ليسانس آداب لغة فرنسية، في وظيفة محلل مالي، وبمرتب شهري 16 ألف جنيه.. خريجة آداب فرنساوي تعمل في وظيفة محلل مالي!!.. التعليق الأخير وعلامات التعجب من عندي، ومع هؤلاء آخرون بالاسم والمنصب والمرتب.
 
ثم يكشف التقرير عن علاقة ابن أحمد درويش الأكبر بالهيئة، فيشير إلى استعانة رئيس هيئة المنطقة الاقتصادية بقناة السويس، بشركة (هاي فليكس) الاستشارية المملوكة لنجله الأكبر، ويتهمه بتزوير عقد للشركة مع الهيئة بتاريخ قديم سابق على تاريخ توليه رئاسة الهيئة، ثم يتطرق التقرير إلى رحلات سفر درويش، والتي بلغت 19 رحلة خلال 8 أشهر فقط، ومنها ما كان لصالح عمله الخاص، بينما تحملت الهيئة تكلفتها بالكامل، هذا وقد اشترى أحمد درويش 17 سيارة جديدة موديل العام لمستشاريه ورجاله المقربين، كما خصص للسيدة حرمه أحد سائقي الهيئة لسيارتها الخاصة.. كل هذا في سياق تقرير جريدة الفجر ونشاركه معكم فقط لا غير.
 
وأخيراً اتهم التقرير درويش بتجاهل عرض وزارة المالية الأفضل، بشأن مقر الهيئة بالقاهرة، لصالح أحد أصدقائه بوكالة أنباء الشرق الأوسط، مستأجراً بناية تخصها خمسة أشهر مقابل 150 ألف جنيه، ومعها قاعة اجتماعات بـ400ج للساعة.. تقرير الفجر يضعنا في مواجهة الدولة ودرويش معاً، وإن اعتدنا منهج التعتيم من الدولة في مختلف القضايا، فلم نعرف عن الدكتور أحمد درويش إلا الكفاءة منذ تولى وزارة التنمية الإدارية في عهد مبارك وأحدث بها الفارق، وهو ما جعلنا نتفاءل خيراً بتكليفه برئاسة المنطقة الاقتصادية بقناة السويس، حتى كانت الإطاحة المفاجئة، ثم الاتهامات الصادمة.. وحقنا عليه الآن أن يرد.. فالسكوت هنا ليس من ذهب على الإطلاق.