طارق الشناوي يكتب: لقاء مع "ريا وسكينة"

هل أخطأ عمرو أديب وأسامة كمال بلقاء عدد من أفراد أسرة الإرهابيين، أم هما قد لبيا رغبة دفينة لدى المشاهد للتعرف على الجانب الآخر للصورة؟.. كثافة المشاهدة في اللقاءين وصلت للذروة، الاستناد للرقم ليس دليلا على القيمة الفعلية، مشاهدو قناتي «on e» و«dmc»، أغلبهم قد استهجنوا تلك اللقاءات، بينما كانوا شغوفين بمتابعتها، مثلما تعودنا أن ننتقد التسريبات التي تنتهك الخصوصية، وفي نفس الوقت نطاردها بشغف، إنه النفاق الاجتماعي، الخط الأحمر الذي لا يمكن اختراقه، هل تعاطف المذيعان مع الإرهابيين القتلة؟ بالتأكيد لا، ولكنهما التقيا بالأقرب، أسامة مع زوجة الإرهابي، كان حريصا على أن يهيئها لكي تمنحه أكبر قسط من المعلومات عن زوجها، فلو هاجمها لتوقف الحوار، وكانت تبدو أكثر تماسكا، بينما شقيق الإرهابي كان منهارا، فكان لابد من أن يعيد له عمرو التوازن ليحصل على مادة إعلامية، عمرو أمام بكاء الشقيق احتضنه، طبعا لا أحد مهما بلغت درجة طيبته ولن أقول سذاجته، سيصدق أن الغرض هو كشف البيئة الحاضنة للإرهاب، لأن هذا الأمر لا يمكن رصده في تلك اللحظات، هل كشفت مثلا تلك اللقاءات عن شيء غامض في تكوين الأسرة والبيئة المحيطة؟ أكيد لا، هي فقط كانت المبرر الذي يتيح للإعلامي مشروعية تصوير الجانب الأكثر إثارة، التوقيت الذي تم فيه الحوار، لا يمكن أن يصلح لتلك الدراسة، فلا حوار ولا عشرة سيكشف الدوافع العميقة، فكل ما يمكن أن تسمعه هو دفاع نفسي عن الذات، خوفا من أن يمتد إليه العقاب، مثلما فعل شقيق الإرهابي مع عمرو، أو نفى قاطع للواقعة مثلما قالت زوجة الإرهابي، فهي تنكر صلته بالواقعة أصلا، وتنتظر أن يتصل بها تليفونيا ليطمئن على بناته، عمرو وأسامة تحركا بنهم إعلامي جامح، ويجب أن نذكر أن الأجهزة الأمنية ساعدتهما في تحقيق الهدف، فهي ليست فقط مجرد رغبة من المذيعين، المنطق يؤكد أن الدولة ممثلة في الجهاز الأمني تحمست بنفس الدرجة.

مشاعر المصريين كانت مع هؤلاء الأنقياء الأطهار الذين أريقت دماؤهم وهم يعبدون الله في الكنيسة، تصعد أرواحهم للسماء بينما كانت «الميديا» تجري تلك الحوارات، في كل الأديان «لا تزر وازرة وزر أخرى»، لكنّ اللقاءين في توقيتهما مع الانتشار الفضائي أثارا مساحات من السخط لا يمكن إغفالها.

أشهر قاتلتين في التاريخ «ريا وسكينة».. وثقت الصحافة عام 1921 لحظاتهما الأخيرة قبل الإعدام بدقائق، ريا طلبت أن ترى ابنتها بديعة، ومأمور السجن أصر على تنفيذ الحكم، سكينة كانت أشد تماسكا ونطقت بضمير مستريح الشهادتين ولم تطلب شيئا، أما حسب الله فلقد كان يرى أنه نفذ شرع الله وقتل سيدات خائنات، فقط اعترف بقتل 15 وليس 17، وطالب ببراءة عبدالعال.. الصحافة لم تجد حرجا في كشف تلك اللحظات.

الصحفي لا يُجري فقط لقاءات مع الأبطال والشرفاء، ولكنه يلتقي أيضا القتلة والجواسيس والقوادين، ولو كان الإرهابي على قيد الحياة، لشاهدنا صراعا محتدما بين عمرو وأسامة على من ينال قبل الآخر هذا السبق، القاعدة الصحفية المستقرة هي كلب عض إنسانا ليس خبرا، أما إنسان عض كلبا فهو الخبر، وأسامة وعمرو نفذا القاعدة بضمير مهني مستريح، لا تحدثني عن هم اجتماعي أو مشاعر إنسانية، صراع الفضائيات على المشاهدين لا يعرف قلبا ولا مشاعر ولا دياولو!!.