قصص نجاح وسائل إعلام رفعت شعار "الإبتكار أولًا"

خالد البرماوي

نقلاً عن النشرة الأسبوعية لمنتدى المحررين المصريين    

واحدة من التحديات الكبرى التي تواجه صناعة الإعلام الآن هي البحث عن مصادر ربح جديدة، خاصة بعد التآكل المستمر لحصة وسائل الإعلام من كعكة الإعلانات، في ظل تقاسم العملاقين جوجل وفيس أغلب هذه العائدات؛ واستحواذهما على نسبة 103% من حركة نمو سوق الإعلانات، في ظل تناقص نسبة وسائل الإعلام.

هذا يعنى أن على وسائل الإعلام أن تسعى بكل قوة في اتجاهين، الأول: مزاحمة جوجل وفيس بوك في عائداتهما بكل الطرق، وبناء تحالفات محلية وإقليمية للضغط عليهما لوضع معايير جديدة وعادلة للمنافسة، ففي نهاية الأمر وسائل الإعلام هي من تثري الانترنت بمحتوى حقيقي محترف، يكلف أموال طائلة، وخسارتها وتوقفها سيعني خسارة فيس بوك وجوجل أيضا على المدى المتوسط والبعيد.

والثاني: البحث عن طرق ربح غير تقليدية، ونماذج أعمال جديدة ومبتكرة مثل محاولات جارديان للدخول في مشروعات استثمارية متنوعة، أو ما تقوم به نيويورك تايمز من محاولات لضم كيانات صغيرة بنماذج ربحية جديدة من عائدات الانترنت، وأخر صفقاتها كانت للاستحواذ على موقع صغير ولكن مربح وهو The Wire Cutter بقيمة 30 مليون دولار.

ورغم أن المؤسسات الإعلامية المحلية بات موقفها صعب وسط هذه المعمعة، ولكن مازال لديها فرصة جيدة لخفة حركتها، وقدرتها على التجربة والمغامرة؛ وهو ما نجحت فيه هذه النماذج الأربع التي نعرضها عليكم في هذا العدد، وسر تفوقها في يكمن في شعار “الابتكار هو الحل”.

روبوت المحادثات الفورية

كلنا يعرف ما تفعله فيس بوك تحديدًا، تجبرنا على أن ندفع أموال طائلة لكي نحصل على ملايين المعجبين لصفحات مؤسساتنا الإعلامية، ثم تبدأ في سحب أموال أخرى لكي نعرض محتوانا على من دفعنا بالفعل أموال لنصل إليهم!

موقع رابلرrappler الفلبيني يعد واحدًا من أقوى منصات الإعلام في الفلبين الآن، ورغم أن بدايته كانت قاصرة على صفحة فيسبوك عام 2011، إلا أنه حقق نجاح لافتا وأظهر تميزا واحترافا كبيرًا، واستطاع الوصول لعدد زيارات ضخم استغرقت أكبر وسائل الإعلام الفلبينية التقليدية عشر سنوات لتصل إليه.

في وقت مبكر جدا من عمر المشروع خططت ماريا ريسا الرئيس التنفيذي للشركة لبناء نماذج أعمال متماسكة ومربحة، لدعم هذا النوع من الصحافة المستقلة التي قدموها للناس، كما تقول “لنايمان لاب ريبورت”.

قدموا مجموعة من الانشطة التجارية تحت راية “#BrandRap ” والذي يبتكر محتوى مخصص، وينتج إعلانات مبتكرة باللغة الأم، ويقوم بالتسويق للغير عبر منصات التواصل الاجتماعي، بجانب تجميع بيانات عن طريق الجماهير واستطلاعات رأي، ومشاريع بيانات كبيرة-تسويقية وخدمية- للعملاء والشركات.

قبل فترة بدأت الشركة في التركيز على مشروع جديد، سعيًا لحل مشكلة الوصول عبر فيس بوك، خاصة أنه المنصة الاولى في الفلبين وتقريبًا كل شخص هناك لديه قريب في الخارج يتواصل مع عبر شبكة التواصل الأولى في العالم، وهو وضع مشابهة لما يحدث في مصر.

وللاستفادة من هيمنة فيس بوك، والتغلب على الحدود والعوائق الذي يضعها الموقع للوصول للجمهور، أطلقت الشركة روبوت محادثة فورية والذي يعرف باسم “Chatbot”، وهو وأحد من الاستخدامات الأخذة في الانتشار بسرعة على الشبكات الاجتماعية، وهناك أكثر من 30 ألف نموذج يطبقه حاليا، وفيس بوك اتاح الدفع الإليكتروني مباشرة من خلاله، وسنخصص لاحقًا عدد خاصة عنه في “النيوزليتر”.

المؤسسة الفلبينية أطلقت “RapRap”، وهو مصمم من قبل الفريق التقني والتحريري للتغلب على قيود خوارزميات فيس بوك التي تتيح الوصول لما يقترب من 10% فقط من الجمهور الذي يوجد لديهم على الصفحة.

ويأمل الفريق أن تعمل مجموعة الخدمات الجديدة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي على اعطاء فرص أكبر للمحتوى الذي يقدمونه لكي يصل للجمهور، وهو ما يعنى قدرة أكبر على تسويق المنتجات والخدمات الأخرى، وحتى الآن ردود الفعل جيدة كما يقولون، وعملية التطوير والتعلم من النصائح التي يقدمها لهم الجمهور تتزايد، ما يعنى قدرتهم على أن يقدموا خدمة أفضل وعائدات أكبر.

الي أي مدى صعب مخاطبة الشباب؟

في فنلندا ابتكرت مؤسسة ” Helsingin Sanomat ” الإعلامية تطبيق يعتمد في عملة على منصة واتس اب فقط، مستهدفة شريحة الشباب، ويصف جوسي بولنين محرر قسم الشباب “نوت Nyt” هذه الفكرة بأنها بوابة تحايل للوصول للشباب “كنا نريد ترغيبهم في عادة قراءة الصحف على الهواتف الذكية”. والدافع للفكرة بعد أن اكتشف المؤسسة أن 80% من الشباب الفنلندي يستخدم “واتس اب”.

وهكذا انطلقت خدمة “Nyt” وتعنى “الآن” مستهدفة الشباب فقط دون أي تسويق، وكان رد الفعل قوى وسريع وغير متوقع، فحصلوا على 3 آلاف متابع في أول أسبوع، دون أدوات للمطورين. ولكنهم تعلموا أن نمط “المحادثة” هو المناسب لمخاطبة جمهورهم، وطوروا مع شركة خارجية تطبيق منفصل يتضمن أدوات تحرير يفتقدها واتس آب، وتتيح إمكانية تسويق أكبر، دون الخوف من خرق شروط استخدام المنصة التي يعملون عليها.

وبناء على الأبحاث والمتابعة وتدوين الملاحظات وتجربة الاستخدام User Experience وجدوا أن القراء الشباب يقاومون عرض الإعلانات، لذا دعموا قناة مستقلة للمحتوى الإعلاني بها مسابقات وهدايا وكوبونات من المعلنين.

فعلى سبيل المثال كان لديهم مسابقة لأفضل صورة سيلفي مستوحاة من سلسلة “Hunger Games” لربح تذاكر لمشاهدة الفيلم، وهكذا مع معلنين عن أجهزة، أو مطاعم، وكانوا حريصين على أن يتواصلوا مع معلنين لديهم منتجات تستهدف هذه الفئة من الشباب بشكل خاص.

ويبدو أن التجاوب كبير ومبشر في المرحلة الأولى للمشروع، خاصة وأنهم يضعون حدود فاصلة وواضحة بين المحتوى الخبري وغيره من الألوان التي تستدعى خفة ومرونة في أسلوب الكتابة تمامًا مثل أسلوب التدوين والحكي على الشبكات الاجتماعية، مع تضمين اعلانات شيقة بصورة جذابة، ويعقب فريق العمل على هذه التجربة: “لا يبدو أن المستخدمين يمانعون وجودها، إذا ما كان المحتوى جيد جذاب، وأيضا له مغزى ومفيد”.

حتى الآن تم تحميل التطبيق حتى الآن 30 ألف مرة، وهو عدد كبير نسبيا مقارنة بعدد سكان يبلغ 5 ملايين شخص بفلندا، والتحدي الذي يسعى له فريق العمل من المحررين والمطورين، هو زيادة المتفاعلين وأيضا زيادة نسبة التفاعل مع المحتوى الخدمي والاعلاني.

اختبار الابتكار

رغم أن صحيفة El País الباييس الشهيرة واحدة من أكبر صحف إسبانيا وأكثرها توزيعًا، إلا أنها قبل عام تقريبًا أعلنت أنها بدأت العدد التنازلي لوقف نسخها المطبوعة، والتركيز على المنصات الرقمية، خاصة وأنها تعد من أكبر 50 موقع أخباري على مستوى العالم، مستفيدة من الجمهور العريض المتحدث باللغة الاسبانية، لتخرج من نطاق الجمهور المحلي لجمهور عالمي في أي مكان، وهو ما يذكرنا بقصة “دايلي ميل” التي يصعب الآن أن نقول عليها صحيفة بريطانية ونصمت.

في ذكرى انطلاقها الأربعين الذي صادف العام الماضي، قررت الدخول في تجارب لمشاريع مبتكرة، مثل الواقع الافتراضي، وبوت المحادثات مثل الذي تعمل عليه صحيفة “رابلر” الفلبينية، وكذلك سلسلة من “نيوزليتر” المختلفة، ولديها فريق صغير لكل مشروع على سبيل التجربة واكتشاف الفرص المتاحة.

ولأن المجالات الثلاثة التي بدأت فيها الشركة تجمل جوانب تقنية عميقة، وهي حديثة نسبيًا فاختارت الصحيفة الإسبانية ان تستعين بخبرات خارجية، ولكن ليس بصورة كاملة، الأمر في إطار التعاون لتبادل الخبرات والتجارب. فالمؤسسات الإعلامية الذكية وعت الدرس جيدا بعد أن ظلت لسنوات تظن أن التكنولوجيا ليس من صلب عملها.

ويقول ديفيد الانديتي مدير التحرير الرقمي للصحيفة، “لدينا علاقات طويلة الأمد مع شركات خارجية، ونصيغ علاقات عمل جديد لمساعدتنا في تقديم تلك المشاريع”.

ولأنها أفكار جديدة وقيد التطبيق، فلم تقم بشراء معدات كاملة، ويضيف مدير التحرير: “عندما تنجح المشاريع، مثلما حدث مع مشروع الواقع الافتراضي، سنقوم بتعين طاقم عمل كامل وشراء معدات خاصة في مقر الصحيفة”. لأن حسب قوله الشراكات تسمح لها بالابتكار أسرع وبتكلفة أقل.

ابتكر الانديتي وحدة الإنتاج الرقمي المتخصص، وتقدم هذه المجموعة الصغيرة الدعم لمجموعة واسعة من المشاريع المبتكرة، بل أنها تقوم بعمل مشاريع للآخرين، مستغلة المعرفة والخبرة التي تراكمت لديها في صناعة المحتوى، وهو الملعب الذي لطالما كانت الصحافة فيه متميزة، ويجب أن تعود له وتقدم خدمات لنفسها، وللآخرين.

نموذج توزيع مختلف

في الوقت الذي تستخدم فيه المؤسسات الإخبارية وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية “فيس بوك، تويتر، انستجرام” لنشر المحتوى الخاص بالطرق المعتادة، تقوم وكالة “140journos” التركية بشيء مختلف تمامـًا؛ فهي تقوم باستخدام 15 منصة مختلفة بما فيها تطبيقات المواعدة لنشر المحتوى الخاص بها، بالإضافة الي الشبكات التقليدية. كما يقول إنجن أوندر وهو أحد مؤسسيها.

الفكرة بدأت قبل خمسة سنوات في ظل السعي أن تكون هناك نافذة تتيح تقديم محتوى مختلف على منصات جديدة؛ وكانت البداية بحساب فقط على تويتر، استطاع به إنجن الشاب الثلاثيني أن يواجه الرقابة والمساعي الرسمية المتكررة لحجب وسائل التواصل الاجتماعي في تركيا من خلال توفير أخبار مستقلة.

بعدها تم تأسيس وكالة “140journos” عام 2012 مع اثنين من أصدقائه، حيث يشير رقم 140 إلى عدد الحروف المسموح بها في تويتر.

ويتلقى الفريق المسئول عن المحتوى المساعدة من منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، وله مساهمين واشخاص عادية على مختلف المنصات يرسلون له الصور والقصص والتقارير، وغالبا ما تكون التقارير الأولى لهم، ويحاولون التكيف مع الطبيعة الفريدة لكل منصة والفرص المتاحة بها، فهم يستوعبون أن التعامل مع تويتر مختلف تماما عن إنستجرام، كذلك لينكد إن

تجربتهم مع منصة Tinder للمواعدة كانت مختلفة وغريبة، حيث استخدموا عضوية وهمية لإيصال الأخبار للأعضاء داخل تركيا، والذين لن تصل إليهم إلا بهذه الطريقة.

هذا العام تخطط “140journos” لإطلاق مبادرات تمويل واسعة، تتضمن قطاعات جديدة متخصصة وبرنامج عضوية للقراء الأكثر ولاءً، وخدمة اشتراك تسمح بدرجة من التخصيص الشخصي للمحتوى في القطاعات الرئيسية التي يقوموا بتغطيتها. وبدأت بالفعل في بيع بعض من صورها ومقاطع الفيديو لمواقع المحتوى الدارجة، وكذلك بعض صورها ذات الجودة العالية وملفات الفيديو بشكل مباشر، وكذلك حقوق بعض أفلامها الوثائقية.

كما تخطط الوكالة لتقديم خدمة إخبارية متميزة باللغة الإنجليزية، للصحفيين المحترفين الذين يغطون أخبار تركيا، وذلك بعشرة موظفين بدوام كامل فحسب، تجربة وكالة “140journos” الصغيرة، أظهرت أنك لست بحاجة لأن يكون لديك ميزانية أو طاقم كبير لتتمكن من الابتكار، بالعكس أحينا حجم الفريق الكبير يكون عائق لأن تتحرك وتجرب بتكلفة بسيطة.

 للاشتراك في نشرة المنتدى من هنا

للاشتراك في صفحة المنتدى على الفيس بوك من هنا