يامن صابور: مناوشات تلفزيونية.. بين «الجزيرة» والإعلام المصري

ما إن تحول الإعلام العربي من ناقل ومحلل للأحداث إلى طرف فاعل في صناعتها، حتى باتت الاضطرابات الممتدة على كامل خارطة الدول العربية، وكأنها لم تعد تكفيه… أصبح يسعى للمزيد من الأخبار الدسمة التي قد يولدها عبور هذه الأزمات للحدود بين الدول ونشوب المناوشات والحروب.

لا بأس بالنسبة للمحطات والقنوات المختلفة، الدخول في حروب افتراضية، لتأجيج الأحقاد، وخلق جمهور متعصب من المشاهدين، ممن يخوضون حروبهم الوهمية على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. وبعد كل الدمار والموت الذي يخيم اليوم على معظم الدول العربية، لا تزال قنوات كـ «الجزيرة» على سبيل المثال، تبشّر بوجود «ربيع عربي» فاعل ينطلق من إرادة الشعوب ذاتها، ولا يخضع لأي تأثيرات دولية أو حسابات إقليمية… وهي لا تزال تؤمن بأنها قائدة تلك المسيرة والمدافعة عنها. لهذا فهي تقرّر من الضحية ومن الجلاد في قضية مثل إعدام 21 مصرياً على يد فصيل ليبي أعلن انتماءه لتنظيم «داعش»، فيما تقف القنوات المصرية مثل «سي بي سي» و «أون تي في» على الطرف الآخر لتنقض كل ما تدعيه «الجزيرة» حيال تفاصيل الأزمة المستجدة بين مصر وليبيا.

لا تستطيع أجهزة الإعلام سوى أن تتفق ـ في العلن ـ على التنديد بذلك الإعدام الغادر، وبوحشية أفعال «داعش» عموماً. ولكن بدأ الاختلاف بعد تنفيذ الجيش المصري لضربته الجوية في ليبيا ضد أهداف قال إنها تتبع للتنظيم. ففي حين أعلن الإعلام المصري تأييده للضربات، استغلت قناة «الجزيرة،» من ناحيتها، الفرصة لتصفية حساباتها مع مصر ـ النظام الحاكم لا الشعب بحسب إدعائها ـ وقالت إن الطيران المصري نفذ الضربة ضدّ مدنيين في مدينة درنة الليبية، وكان من بين الضحايا عدد من الأطفال.

بدأت «الجزيرة» تغطيتها الخاصة بإدانة مباشرة للضربة الجوية على أنها «انعدام مسؤولية للسيسي» الذي يترك آلاف المصريين المقيمين في ليبيا عرضة لخطر ردة الفعل، ولا يريد سوى أن «يمتص غضب شريحة من المصريين». ومن ثم بدأت القناة بعرض صور للضحايا من الأطفال في مدينة درنة. هنا جاء دور الإعلامية لميس الحديدي في برنامجها «هنا العاصمة» على قناة «سي بي سي» التي اتهمت الجزيرة بمحاولة تشويه كل ما هو مصري، وتدمير الإرادة المصرية، عبر تسمية الضربة الجوية «بالعدوان المصري»، وباستخدام صور لأطفال قالت الحديدي أنهم ماتوا في سوريا على أنهم من أطفال درنة كما جرت العادة لدى «الجزيرة.» ردت «الجزيرة» بعرض فيديو مسجل من داخل مستشفى الهريش خلال إسعاف الضحايا المدنيين ويبدو فيه الأطفال المصابون. فما كان من «سي بي سي» إلا أن عرضت فيديو تم تسجيله في شوارع درنة قبل الضربة الجوية المصرية ويظهر «استعراضاً عسكرياً للإرهابيين» الذين يستقلون عربات الدفع الرباعي ويشهرون أسلحتهم وتدوي فيه صيحات التكبير. ولكن «الجزيرة» أعدت تقريراً خاصاً سعت من خلاله إلى الإيحاء بأن لمصر «بنك أهداف» في ليبيا، وذلك بسبب سرعة تنفيذ الغارة كما أنّها ربطت بين عبد الفتاح السيسي وخليفة حفتر لأنهما أعلنا أنهما يحاربان الإرهاب (كما لو أنهما يقومان بهذه الحرب دون العالم أجمع)، وأن السيسي «يستخدم عنوان الدم المصري على الرغم من الدم الذي يسفك يومياً في شوارع مصر وميادينها» تحت حكمه. فما كان من الإعلامي مجدي الجلاد في برنامج «لازم نفهم» على «سي بي سي» أيضاً إلا أن وصف قرار السيسي «بالتاريخي» الذي يماثل قرار خوض الحرب في العام 1973، لأن مصر منذ ذلك الوقت تدافع عن العرب جميعاً.

وهكذا يساهم الإعلام في جعل مصر وليبيا تعيشان حالة استقطاب مدمّرة، تصل حدود الفكاهة المريرة وتظهر من خلال اتصال هاتفي مفعم بسرديات عظمة الشهادة وقوة الجيش وتسامي الوطنية أجرته مواطنة مصرية على برنامج طبخ تبثه قناة «أون تي في» المصرية، وأنهته بتحية لمصر ولحس مقدمة البرنامج الوطني العالي التي تابعت بعد الاتصال «تشويح» طبختها على النار.

ولكن قد يصل كل ذلك الاحتقان والتأجيج لما هو أبعد من جعجعة الكلام ليصل إلى هدير المدافع «الصديقة». أما كل تلك الاشتباكات التلفزيونية مع كل ما يرافقها من تكرار لمشاهد الأطفال القتلى وللخراب ولأصوات العويل وتحليلها وتفنيدها، فقد خدرت المشاهد وجعلت كل تلك الصور تفقد أي معنى صادم وتدخل ضمن نطاق «العادي». ولأن الحروب تحتاج إلى شعارات فليكن شعار الجميع عند بث هذه الأخبار والصور أنها «كي لا ننسى».

نقلًا عن “السفير”

اقرأ أيضًا:

عبد العزيز أحمد: إعترافات مذيع “مطبلاتي”

حليمة خطاب: قدسية إتاحة المعلومات … لماذا يفعلها الإعلام الغربي ونحن لا ؟؟

تابعونا على تويتر من هنا 

تابعونا على فيسبوك من هنا