موسيقى الجيل (6) | كأس هشام .. وليلة حسام - E3lam.Com

متى يعتزل حسام حسن ؟ السؤال يتصدر أغلب صفحات الرياضة في الصحف المصرية. في فبراير 1998 أصر الجوهري على اصطحاب حسام حسن لقيادة هجوم المنتخب في بطولة كأس الأمم الإفريقية ببوركينا فاسو ، سافر المنتخب إلى المجهول محملًا بإحباط يزن 90 مليون خبير كروي ، ومانشيت أكثر تشاؤما على لسان الجوهري في الأهرام الرياضي : سنلعب على المركز الثالث عشر في البطولة .

نرشح لك : موسيقى الجيل (5) | حكيم .. الفرفشة في شريط

يمتلك الجوهري رأسًا من فولاذ ، وقلبًا من حديد ، نعرف ذلك منذ أجلس طاهر أبو زيد على الدكة في كأس العالم بإيطاليا ، وهاهو الآن مؤمن بإبنة البار حسام حسن الذي قدم مستوى هزيل طوال مباريات الدوري مع الأهلي ، حتى أن علي ماهر القادم من الترسانة خطف الأضواء منه . غاب حسام عن النسخة السابقة من البطولة في جنوب افريقيا بعد خلاف مع رود كرول ، وهاهو مطالب بالاعتزال بعد أن فشل في هز الشباك خلال المباريات الودية التي سبقت البطولة ، ولكن للجوهري دائمًا وجهة نظر .

إلى السعودية سافرت لأقضي أجازة نصف العام مع والدي ، كنت قد استقريت في مصر منذ عدة أشهر لإكمال دراستي ، والدي زملكاوي حتى النخاع ، ورثت عنه حب الزمالك وكرة القدم ، المشاهدة معه متعة مختلفة أحرص عليها حتى الأن ، لهذا كان صعبا أن أبدا البطولة معه وأنهيها في منزل العائلة بالفيوم .

بعد أن سجل حسام حسن خمسة أهداف في مباريات الدور الأول وصعدت مصر بأداء مبهر وهدف أسطوري وحيد هز شباكها بقدم المغربي مصطفى حجي ، عدت إلى مصر منتظرًا بقية المشوار ، عبرنا كوت ديفوار ودور الثمانية لأول مرة منذ 14 عامًا ، وجاء موعد بوركينا فاسو ، قبل المباراة بثت القناة الثانية فيديو كليب لأغنية هشام عباس الجديدة “ياليلة” ، مرت الأغنية للوهلة الأولى مرور الكرام . 90 دقيقة مرت لا أتذكر منها حاليًا سوى جملة أحمد شوبير الشهيرة بعد كعب حازم إمام : “ياسلام يا حازم .. ياسلام ياحسام” ، فازت مصر وأعاد التليفزيون بث الأغنية على سبيل الإحتفال .

لولا ولولا عيونك دولا ماكنت عشقت ودوبت الليلة أنا أول عمري الليلة .. ياليلة ياليلة ياليلة” .

ويالها من ليلة تلك التي قضيناها بعد هدفي أحمد حسن وطارق مصطفى في النهائي أمام جنوب افريقيا ،فزنا بالكأس ، وخرجت الجماهير تحتفل في الشوارع في مشهد افتقدناه منذ الصعود لكأس العالم 90 بإيطاليا ، ولأن النجاح رزق كانت الفرحة المُنطلقة بين سطور ولحن أغنية “ياليلة” ، ملائمة تمامًا للفرحة في شوارع القاهرة وكل المحافظات ، تحولت الأغنية إلى نشيد وطني في التليفزيون المصري ، وتَفنن المُخرجون في إذاعتها تكرارا ومراراً مصحوبة بأهداف المنتخب في البطولة ، كان محمد نصر على ما أظن صاحب تلك الفكرة التي تحولت إلى عُرف “بغيض” في أغلب برامجه بعد ذلك . ارتبطت الأغنية بالبطولة وربما بصلعة حسام حسن التي استمرت معه حتى الأن ، أعشق الإرتباطات الشَرطية بين الأشياء ، في حقيقة هي مايعيد ربط مسامير ذهني لتذكر الأشياء ، كل لحظة ارتبطت بفرحة ، حزن ، ألم ، أغنية ، أو فيلم ، هي حكاية محفوظة في أرشيف العقل تمامًا مثلما يتذكر هشام عباس قصة الأغنية الأهم في مشواره .

يحكي هشام : ياليلة مرتبطة لدي بأشياء كثيرة ، هي بداية تعاوني مع صديقي الموسيقار الراحل رياض الهمشري ، خلال إعدادنا للألبوم قدم لي أغنية “بدري عليك الهوى” ، كانت من كلمات عنتر هلال ، وبعد فترة قال لي أن لديه لحن لمطلع أغنية ، مجرد جملة موسيقية غنى عليها : “ياليلة ياليلة ياليلة ” . فقط لم يجد بقية للحن ولا للكلمات .

هشام لديه مخزون جيدمن الأغاني الفلكلورية كما يقول ، وهنا كان لديه مقطع من أغنية قديمة تقول كلماتها “ماتجوزيني يا أمه .. ما أتجوزيني يا أمه .. حاضر ياولدي ” ، أراد هشام مزج مقطع رياض الهمشري وهذا المقطع ، وجاء عنتر هلال ليضع بصمته في مطلع الأغنية ليقول : لولا ولولا عيونك دولا .. ماكنت عشقت ودوبت الليلة أنا اول عمري الليلة ، ثم أكملوا الأغنية ، ومنحها شهاب حسني توزيعا صاخبا بإضافة صوت جمهور في الخلفية ليمنحها تأثير الحفلات الحية ، ورغم صدور نسخة “ديسكو” منها في نفس الألبوم ، إلا أن نسخة “اللايف” نجحت ، ولم يتفلسف صناع الكليب فكان مجرد حفلة يغني فيها هشام الأغنية وسط الجمهور .

كانت طريقة ميكانيكية غريبة في صياغة أغنية أشبه بتجميع قطع جهاز كمبيوتر من مول البستان ، تشتري الشاشة من محل ، ولوحة المفتيح والفأرة من آخر ، وبقية المحتويات مثل الذاكرة وشرائح السرعة “رامات” من ثالث ، وربما كانت تلك الطريقة بداية لصياغة مختلفة للأغاني في مصر خلال الألفية الجديدة.

بعدها أصبح رياض الهمشري بصمة مستمرة في أغاني هشام عباس ، حتى توفاه الله في بيروت صيف 2007 قبل أن يتم عامة الثامن والأربعين ، لم ينل رياض حقة من الشهرة والأضواء رغم موهبته الفذة ، في السادسة اكتشف خاله الفنان صلاح الهمشرى موهبته ، وكان أول أغنية يغنيها (الورد جميل) للشيخ زكريا أحمد في برنامج (جرب حظك) للاذاعى الراحل طاهر أبو زيد ، ثم في عام 1965 تقدم لاختبارات الاذاعة وتجاوزها بسهولة مطرب محترف ، مما فتح أمامه أبواب حفلات أضواء المدينة ، قال عنه الموسيقار محمد عبد الوهاب : “صوته دمه خفيف وراكب على المقام وطاقته كبيرة ” ، أما فريد الأطرش فكان مبهورا بأدائه حتى قال عنه : “لم أسمع أحدا ردد لحنًا من ألحانى من قبل مثل رياض ” .

قدم رياض عشرات الألحان الناجحة لعمرو دياب ، مدحت صالح وعلي الحجار ومحمد منير وبالطبع هشام عباس ، إلا أن تجاربه كمطرب لم تكن ناجحة رغم حلاوة صوتة ، حتى أنه كان يقدم الأغنية للمطربين جاهزة بعُربها وتَطريباتها ليُغنوها بروحه ، ولكن أحدًا لم يتمكن من ملامسة إحساسه مثل هشام عباس وهو ما اعترف به رياض صراحة في لقاء مع التليفزيون اللبناني قبل وفاته بعام تقريبًا .

رحل رياض الهمشري ، وتوفي محمود الجوهري ، واعتزل حسام حسن ، وبقيت أغنية ياليلة على قيد الحياة تقفز للأذن كلما أنعش أحدهم ذاكرتنا بمشهد لاعبي مصر وهم يصطفون حول رئيس الجمهورية في مطار القاهرة ببدلات التدريب “الترنجات” الزرقاء الشهيرة التي تحولت إلى موضة وقتها .

للقصة بقية :

قبل نجاح أغنية “ياليلة” .. وبسنوات بعيدة ، عرفت هشام عباس من أغنية “حلال عليك” ، الدويتو الشهير مع حميد الشاعري الذي فتح باب الشهرة لمهندس الصوت الذي ظهر معه في كليب “جلجلي” ، كان هشام عضوا في فريق “امريكانا شو” الذي أسسه طارق الكاشف . قدم هذا الفريق ألبوما اسمه “سهاري” ، ولكن بين أغنياته كانت “الله يسلم حالك” حالة خاصة تسير معك طريق طويل مثل طريق القاهرة الإسكندرية الزراعي الذي ولدت فيه الأغنية .
يحكي حميد الشاعري أن والده كان يودعه دائما بجملة ” الله يسلم حالك ياولدي” ، في إحدى زياراته للإسكندرية بصحبة الشاعر عادل عمر ، ودعة الحاج علي الشاعري بنفس الجملة ، أضاءت الكلمات فكرة أغنية في رأس عادل فكتبها ، ودندنها حميد وهما على الطريق ، وعندما وصلا إلى القاهرة سمعها هشام وضمها للألبوم الذي صدر عام 90 ، وأصبحت واحدة من أفضل أغنياته حتى الأن.

أغنية الله يسلم حالك


يبقى هشام عباس غنوة مختلفة وسط موجه غنائية لم تعش اكثر من عشر سنوات ، بحكم الذوق المتقلب ، بحكم الزمن ، بحكم تكنولوجيا تضرب كل المعايير وتغيرها بسرعة ، لا تفسير واضح سوى عدم القدرة على المواكبة والإستمرار ، ولكن هذا لايبخس حق مطرب قدم أغنيات كلما نظرت في أسماء صناعها أتفاجأ ، مثلا أغنية “أنا حلمك” لحنها أحمد الحجار في تعاون مدهش مع هشام وصدر لها ثلاثة توزيعات أشهرها نفذه حميد الشاعري ، وآخر للموزع أحمد الجبالي ، وثالث نفذه أحمد الحجار بنفسه ، أغنية “كام مرة” التي لحنها له صلاح الشرنوبي في عز مجده عندما كان المطربون يقفون في طابور طويل للحصول على موعد مع ملحن “قنابل” وردة الشهيرة “حرمت احبك”.