المفقودون من الحرب الأهلية اللبنانية يعودون على "فيسبوك"!

فاتن الوكيل

في 13 إبريل المقبل، يكون قد مر على اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية 42 عاما. لكن لم يعن انتهاء الحرب في 1990، انتهاء معاناة آلاف الأسر اللبنانية، حيث بدأ صراع من نوع آخر، مع قوى خفية لا يعلم عنها أحد.

أكثر من 17 ألف مفقودا أصبحت أوضاع أسرهم أسوأ من الذين كفّنوا أبنائهم وعرفوا لهم طريق مقبرة. هم الذين لم يفقدوا الأمل أبدا، يستيقظون يوميا “على أمل”، يبحثون عن معلومة واحدة تُقربهم خطوة من معرفة مصير أبنائهم حتى يحق لهم البكاء إما فرحا أو حزنا.

العديد من الوقفات نظمتها أسر المختفين، بالإضافة إلى تنظيم اعتصام أمام مقر الأمم المتحدة في بيروت عام 2005. لكن لم تُجد مطالبات الأهالي للأحزاب التي تورطت في الحرب وقتها، بالإفصاح عن أي معلومات يمكن تفتح أمامهم طريقا واضحا يُصلهم بأقربائهم. إما خوفا من مساءلة قانونية تُدخلهم السجن بعد أن وصلوا إلى السلطة، أو للرغبة في طي صفحة الماضي بكل ما تحمله، حتى لو على حساب حياة آلاف اللبنانين.

 

 

مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وتقريب المسافات وتبادل المعلومات، كانت هذه المواقع “باب أمل” جديد بالنسبة لهم، حيث دشنوا صفحة باسم Act for the Disappeared. نشروا من خلالها صورا للمفقودين، كل صورة حكى صاحبها بشكل تخيلي، قصته خلال الحرب وحتى لحظة اختفائه. لكن سرعان ما تحولت الصفحة إلى مبادرة على أرض الواقع.

للوصول للصفحة.. من هنا

الصفحة أنشأها مجموعة من النشطاء غير المنتمين لأحزاب سياسية، وحددوا أهدافهم، منها زيادة المعرفة حول قضية المختفين بين الشباب وإشراكهم في هذه القضية بشكل فعال، كما ينعكس عمل الصفحة على وعي الشباب الحالي بما حدث وقت الحرب الأهلية.

يضاف إلى ذلك، تجديد النقاش حول قضية المختفين من وقت لآخر، وتمكين الأسر من إثارة قضيتهم بشكل علني والعمل على مساعدتهم في التواصل مع الجهات الفاعلة، كما يمكن من خلال هذه الصفحة جمع قدر كبير من المعلومات عن قضية المختفين قسريا خلال هذه الفترة. وقد تمكنوا خلال الفترة السابقة من جمع قصص عن أكثر من 142 مفقودا.

المفقودون يتحدثون!

المفقودون يُصرون على أن قصتهم “لم تنته بعد” منتظرين أن تكتب لحظة الكشف عن أماكنهم، كلمة النهاية أو في الحقيقة “البداية” لحياة أخرى إما لهم أو لذويهم. فـ حسين الذي اختفى عام 1976، تحكي صورته على الصفحة كيف أجبرهم حريق على إخلاء منزلهم والاتجاه إلى منطقة أخرى، لكن بعد دقائق من انطلاقهم، تم إيقافهم على حاجز وأجبروا على النزول من السيارة. بالرغم من إطلاق سراح والدته إلا أن حسين المختفي قسريا مازال ينتظر الكلمة الأخيرة لإكمال قصته.

 

الشجرة لن تُعوض ماهر

لم تقتنع السيدة مريم صعيدي وهي تُردد في بداية الفيديو التعريفي بقضيتها، جملة “أنا والدة المفقود ماهر”، مؤكدة أن أصعب شيء أن تتحدث أم عن فقدان ابنها، بدلا من أن تُخبر الجمهور بما حققه من نجاحات في مستقبله.

أوضحت “أم ماهر” التي درست الرسم التشكيلي في معهد الفنون أنها ظلت تبحث عنه في الأماكن التي اعتاد ارتيادها. ومع قدوم عيد مولده، أرادت أن تضع وردة في مكان مميز بالنسبة له، ثم جاءتها فكرة زرع شجرة باسمه في باحة كلية العلوم، وبالفعل تمكنت من ذلك.

لم يكن هذا الفعل وسيلة لتخليد ذكرى مفقود، لكنه في الحقيقة محاولة لتحويل هذه الشجرة إلى ماهر نفسه، تذهب إليها وتتحدث معه، تشعر أنه مر من هنا، أنه يسمعها ويشعر بها.

 

 

العائدون إلى منزلهم أو الذاهبة لزيارة أسرتها، تاركة وراءها أبناء في انتظارها، أو من اقتحم المسلحون عليهم المنزل ليُختطفوا أمام أعين أبنائهم. هي قصص مختلفة لمأساة واحدة. فـ كاريمان التي اختطفت على طريق “بيروت – صيدا” وهي تبلغ من العمر ثلاثين عاما، لم تتمكن من العودة إلى ولديها بعد أن انتهت من زيارة أسرتها صيدا. وها هي صورة “فضيلة إبراهيم” تحكي كيف اقتحم مسلحون منزلها، وقاموا باختطافها هي وزوجها “نوري” أمام أعين أطفالهم، الذي لم يتحركوا من المنزل لمدة أربعة أيام بعد هذه الحادثة خوفا من عودة المسلحين، حتى أرسلهم الجيران إلى أقربائهم في “عفرين” بسوريا.

 

الرصاص يقطع الطريق إلى السينما

صورة مصطفى، الصبي الذي لم يتجاوز الـ 14 عاما، حكت صورته كيف كان يُحب السينما، وكان من السهل إغراءه بتذكرة سينما لتعديل خطط يومه، والتوجه لمشاهدة فيلما جديدا، وهو ما حدث عندما قابل صديقه هشام، وطلب منه مرافقته لمشاهدة فيلما جديدا في سينما “الريفولي” بوسط بيروت. لكن طلقات الرصاص انطلقت حولهما بشكل مفاجئ، وعندما استدار هشام للاطمئنان على “مصطفى” لم يجده. أصبح الأمر صعبا. كيف يبلغ أسرته بما حدث؟، لكن في النهاية عرفت والدته، التي مازالت تبحث عنه حتى اليوم بعد أن يأست من إيجاد جثمانه في مشارح لبنان!.

لا يقتصر حق الأسر على البحث عن مفقوديهم، لكنهم أيضا يحتاجون دعما نفسيا وقانونيا كبيرا. على سبيل المثال، قادت جمعية “لنعمل من أجل المفقودين” مع عدد آخر من المنظمات المهتمة بهذا الشأن، مشروعا لعلاج أسر المفقودين عن طريق الفن، تم حشد هذه العائلات لتبادل القصص حول هذه التجارب المؤلمة، وتمثيل تجاربهم في أعمال فنية كطريقة جديدة لإحياء ذكرى مفقوديهم.