نوستالجيا الإعلام المصري.. كثير من التجارة قليل من الفائدة

فاتن الوكيل

إذا عرفنا متى خلق الله الحنين، سنعرف متى شعر الإنسان لأول مرة بـ”النوستالجيا”. ربما كان الحنين إلى الماضي بدأ مع نزول آدم وحواء من الجنة إلى الأرض. هل شعروا بالحنين إلى حياتهم الأولى؟، كيف تعاملوا مع هذا الحنين؟، هل تخطوا الألم المصاحب لهذه الحالة، أم استطاعوا أن يجعلوا حياتهم أحلى بها؟.

مصطلح النوستالجيا الذي انتشر خلال السنوات القليلة الماضية، أصبح “موضة”، بعد أن ساهمت وسائل الإعلام والكتاب في نشره، اختصارا لجملة “الحنين إلى الماضي”، لكن هل فعلا الأمر مستحدث أم أنه عملية مستمرة منذ القدم لكننا لم ننتبه لهذا؟.

يمكن اعتبار أول من بدأ معه انتشار مصطلح النوستالجيا في مصر، كان الكاتب عمر طاهر، عندما ألف كتاب “شكلها باظت” عام 2003، حيث استهل كتابه بانتمائه إلى جيل “ماما نجوى وبقلظ وبابا ماجد عبد الرازق وجيل البنطلونات وألبوم “بم بم”. اختار هذه النوعية من العبارات لتكون مدخلا إلى حديثه في جمل موجزة عن تغير شكل المجتمع بأسلوب ساخر. لكن طاهر عاد بعد سنوات من إصدار الكتاب إلى الاعتراف خلال حواره مع الإعلامية بثينة كامل، ببرنامج “اعترافات ليلية”، أن تأليف هذا الكتاب بالإضافة إلى “كابتن مصر” كان له جانبا تجاريا.

https://www.youtube.com/watch?v=DQEbtswYDg4

 

الحقيقة أن النوستالجيا عملية تحدث لنا يوميا على المستوى الشخصي، لكن في الإعلام، فالأمر ربما كان عفويا في البداية لكنه بعد ذلك أصبح خطة تحريرية وإعلامية لجذب المشاهد. بالنظر إلى أرشيف اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري، نجد أن الإعلام المصري قديما، أعد حلقات مع فنانين قدامى باعتبار أنهم “من الزمن الجميل” بالنسبة لهم أيضا، لكن لم يتم إطلاق هذا المصطلح على تلك الحلقات. لذلك عدة أسباب.

نوستالجيا من سبقونا

عندما بدأ البث التلفزيوني في مصر عام 1960، كان من الطبيعي النظر إلى المخزون الفكري، الذي تميز به المجتمع المصري، والمتمثل في فنانين، وكتاب، وأطباء وشعراء ومهندسين والبارزين بشكل عام في جميع المجالات، وغيرهم بالطبع. فنجد استضافة كبار الفنانين في مراحل متقدمة من عمرهم، مثل منيرة المهدية، ويحيى حقي وفكري أباظة وغيرهم.

 

 

السبب الآخر أن المجتمع وقتها كان لديه الجديد ليقدمه. جديد في كل شيء، السياسة والإعلام والاقتصاد والاجتماع. لكن المجتمع لم يجتر ماضيه لأنه لا يرى مستقبلا له كما يحدث الآن، بل يستمد الفخر من الماضي، ليكتسب القوة إلى مستقبله، بالتالي فلا وقت للإغراق في الحنين إلى ماضي، في الوقت الذي يمكن لهم بناء مستقبل ربما يكون أفضل.

ثالثا، نسبة التواصل بين الأجيال القديمة والأحدث منها، كان أفضل من الآن، على سبيل المثال، أجرى الإعلامي الراحل طارق حبيب، حوارا قيما وشيقا في نفس الوقت، مع المعماري العالمي حسن فتحي في برنامج “أوتوجراف”، ولم يُلاحظ أي فجوة ثقافية بين إعلامي شاب ومعماري كبير مثل حسن فتحي. لكن الآن يعتقد البعض أن الأجيال الأقدم “خدوا أكتر من زمنهم”. ومع الوقت واختفاء كبار النجوم من الفنانينو الشعراء والإعلاميين، وغيابهم عن المجتمع وليس الشاشة فقط، أصبح هناك حنين إلى سماع حكاياتهم القديمة، وتجاربهم التي حدثت في زمن ماضي.

 

 

من يُحدد النطاق الزمني للنوستالجيا؟

في الفترة الأخيرة، نجد البرامج التلفزيونية والمواقع الإلكترونية المختلفة، تتناول بعض الأعمال الفنية لتُعيد نشر تفاصيل تصويرها أو عمل “بروفايل” عن أبطالها، ولكن الغريب أن هؤلاء الفنانين وتلك الأعمال ليست قديمة جدا، وفي ذات الوقت عندما نسمع عن السنوات التي مرت على صنعها نقول “ياااه” وكأننا لا نُصدق مرور عشر سنوات مثلا على إنتاج فيلما معينا وعرضه في السينما، لنجده بطبيعة الحال، يتحول هو وأبطاله إلى مواد للحنين عبر الانترنت.

اختلف هذا النطاق الزمني مع اختلاف الوسيلة، فمثلا نجد أن رواد مواقع السوشيال ميديا الأسرع في اعتبار المواد الفنية والاجتماعية، مواد تصلح لإعادة نشرها والترحم على أيامها، حتى إذا مر عدد قليل من السنوات، فعلى المستوى السياسي، أصبح المشاركين في ثورة 25 يناير، يعلنون عبر حساباتهم عن حنينهم إلى “دولة ميدان التحرير” والـ 18 يوميا، وذلك من خلال نشر أغاني الثورة وعشرات الصور من قلب الميدان، بالرغم من أنه لم يمر سوى خمس سنوات فقط على الثورة، لكن أصبح لها نوستالجيا خاصة لدى مؤيديها.

بينما يطول الوقت الزمني نسبيا على شاشة التلفزيون، حيث تحرص البرامج على استضافة فنانين وإعلاميين اختفوا بالفعل تدريجيا من أمام أعين المشاهد، لكن يبقى الإطار أو المناسبة التي يتم استضافتهم فيها مختلفة من برنامج لآخر، حسب خطته.

يمكن أن نُقسم الوسائل التي نجد عليها مواد تعبر عن النوستالجيا إما في مواقع السوشيال ميديا أو الكتب والروايات والقصص القصيرة، أو الوسيلة الأشهر وهي البرامج التلفزيونية والمواقع الإلكترونية، وهي التي سنركز عليها أكثر.

نوستالجيا السوشيال ميديا

نجد المادة المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، أشبه بالنكتة أو “بوستات” لجذب أكبر عدد من الـ”لايك”، عن طريق نشر تفاصيل الطفولة مثل “المسطرة والأستيكة”، وشرائط كاسيت الثمانينات والتسعينات، و”بوسترات” الفنانين التي انتشرت بشكل كبير في ذلك الوقت، ومقارنة هذه التفاصيل بالعصر الحالي.

اتجه بعض رواد مواقع السوشيال ميديا إلى استخدام المواد القديمة، في المقارنة مع الوضع الحالي، ومن أشهر هذه الأمثلة، منشور مازال يتداول من وقت لآخر حتى الآن، يُقارن بين نظرة الرجل المصري إلى المرأة قديما، كما ظهرت في فيلم “الباب المفتوح”، وبين طريقة تعامله معها الآن، من خلال فيلم “تيمور وشفيقة”، معلنين انحيازهم إلى علاقة “حسين وليلى” وغضبهم من علاقة “تيمور وشفيقة” التي أصبحت سائدة في المجتمع، كما نشر موقع “نون” مقالا عن ذات الموضوع، يمكن الاطلاع عليه من هنا.

وتعتبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسيلة أساسية تعتمد عليها المواقع الإلكترونية والصفحات التابعة للقنوات والبرامج، لنشر مادتها من النوستالجيا عليها، وذلك من باب أنهم الجمهور الأكثر سخطا على الحاضر، والأكثر حنينا إلى الماضي.

نوستالجيا المواقع الإلكترونية

يظهر جليا من خلالها، الاعتماد على مواد النوستالجيا بغرض “التجارة” لا حبا في المادة المعروضة، فأغلب هذه المواد هي عبارة عن “20 معلومة عن فلان”، أو عرض صورا يمكن تجميعها من المواقع المختلفة، ونشرها تحت عنوان “صور نادرة” عن أحد الفنانين.

ليس عيبا بالطبع أن يكون هناك قسما لعرض مواد تتناول حياة الفنانيين السابقين، لأنها بالفعل مادة مطلوبة من القراء الذين شبعوا من المواد الإخبارية السياسية، كما أن المواقع الإلكترونية الآن تُصارع حتى تظل على الساحة، وسط الصعوبات الاقتصادية التي تعيشها مصر، تجد ضالتها في هذه الأخبار لترفع من معدلات الدخول على الموقع، لكن مع هذا تبقى طرق جذب القارئ لهذه الأخبار بشكل يحترم عقله، أمرا هاما.

أمثلة لمواقع تُخصص مساحة لأخبار النوستالجيا

المصري لايت

تجرية موقع المصري لايت، التابع لجريدة المصري اليوم، ناجحة بشكل كبير، حتى أن بعض الأخبار المنشورة على الموقع الأصلي، التي يراد لها أن تصل بشكل أكبر للقارئ يتم وضعها على “المصري لايت”، حتى تحظى باهتمام.

الموقع ليس مخصصا في الأساس لأخبار النوستالجيا، بل يعتمد على أخبار منوعة وخفيفة، لكنه اعتاد نشر هذه النوعية من التقارير لأنها تشد انتباه القارئ.

اليوم الجديد

خصص الموقع قسما بعنوان “نوستالجيا” ينشر من خلاله تقارير في ذكرى الفنانين أو إعداد تقارير عن وقائع في حياة الإعلاميين والفنانين، بل وأخبار خاص ة بالمناسبات القديمة مثل أصل العروسة التي نشتريها في ذكرى المولد النبوي الشريف، أو حتى التركيز على بعض الأحداث السياسية القديمة.

إعلام دوت أورج

أراد الموقع أن يحمل قسم النوستالجيا اسم “زمان” لعدة أسباب، أولا رغبة في الابتعاد عن المصطلح السائد والذي أصبح مستهلكا إلى حد الابتزال، ثانيا أن المواقع التي تتكلم اللغة العربية، يجب أن تحرص في الدرجة الأولى على أن تكون المصطلحات المستخدمة فيها عربية أيضا، كما أن المواد المنشورة في القسم تتعلق في أغلبها بوطننا العربي.

القسم يحاول الخروج من نطاق الأخبار الخفيفة وفقط، إلى تقديم تجربة مختلفة، مثل الملف الذي أعده صحفيو الموقع بعنوان “3 ساعات في متحف جمال عبد الناصر “. فبعيدا عن نشر مواد أصبحت مكررة عن حياة عبد الناصر، فضل فريق الموقع العودة إلى الأماكن التاريخية لتقديم معايشة حقيقية من منزله، كما كان يستهدف إلى أن يكون الملف محفزا للقارئ على زيارة المتحف، خاصة أن نشر الملف كان عقب أيام معدودة من افتتاح المتحف.

بعض المواقع الأخرى لا تُخصص قسما لهذه النوعية من التقارير، لكنها تكتفي بنشرها في أقسام الموقع، خاصة قسم الفن، حيث يحتل هذا المجال الجانب الأكبر من أخبار النوستالجيا في جميع المواقع.

 

بعد هذا العرض نستنتج أنه لا يعيب المواقع الإلكترونية تخصيص قسما لعرض المواد الفنية أو السياسية أو الاجتماعية القديمة، ولكن ينقصها الرؤية والهدف كما أن الواقع يقول إن امتزاج رأس المال بالصحافة جعل الصحفيين يحملون هم كيفية وصول المادة الخبرية إلى أوسع نطاق بدلا من الاهتمام بموضوعات تقدم معلومة ومتعة حقيقية، وهنا وجدوا ضالتهم في إعادة استخراج الكنز المنسي من الأحداث الفنية وفقط.

النوستالجيا على الشاشة

انتقلت النوستالجيا إلى البرامج التلفزيونية، بعد أن حققت نجاحا في المواقع الإلكترونية، لكن كان هناك تحدي أمام البرامج في أن تُقدم دائما أفكارا جديدة، حتى لا تخسر المعركة أمام المواقع. هنا نستعرض البرامج التي اعتمدت في أغلب مادتها على النوستالجيا.

ممنوع من العرض

في البداية لا يتناسب اسم البرنامج الذي عُرض على قناة “الحياة” مع طبيعته، فجملة “ممنوع من العرض” توحي أنه برنامج سيعرض قضايا إما سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية شائكة لا يتحدث فيها أحد، لكن البرنامج هنا يُخصص حلقة أو أكثر عن فنان بعينه، ويبدأ الماكير محمد عشوب في سرد ذكرياته معه، بالإضافة إلى استضافة بعض المقربين من هذا الفنان لكشف مواقف جمعت بينهما سواء في الواقع أو الاعمال الفنية التي اشتركا فيها.

فضّل البرنامج أن يأخذ طابعا هادئا، حيث يتحدث الضيوف مباشرة إلى الشاشة أغلب الوقت، على اعتبار أنهم يتوجهون بالحديث إلى المشاهد. كما أن الماكير محمد عشوب، كان أشبه بمقدم البرنامج، لكن من الواضح أنه لم يُرد تحمل مسئولية أن يكون “مقدم برنامج” حتى لا يتحمل فشله، فكُتب اسمه على التتر “ظهور خاص للماكير الفنان محمد عشوب”.
لم ينجح البرنامج في أن يُحقق نسب مشاهدة عالية، فليس من المطلوب أن تُقدم مادة وفقط، بل أن تعرف من وكيف يُقدمها حتى تصل إلى الجمهور المستهدف.

 

 

ماسبيرو

من الجيد أن نعرف أن الفنان سمير صبري عاد إلى تقدم البرامج، ومع الإعلان عن اسم البرنامج “ماسبيرو” الذي عرض على قناة TeN تشعر وأن هناك أمر جديد وجيد يمكن أن يحدث على الشاشة، خاصة أن له تاريخ ناجح مع البرامج التلفزيونية مثل “النادي الدولي” و”هذا المساء”، لكن للأسف أراد أن يُقدم الفنان سمير صبري برنامج “نوستالجي” بدلا من أن يُجدد ويختلف.

يبدأ البرنامج المسجل بمقدمة من الفنان سمير صبري، ثم يُعرض حواره مع الضيف سواء كان فنانا أو إعلاميا. اعتقد القائمون على البرنامج أن الموسيقى الكلاسيكية الهادئة التي تُصاحبنا طوال الحلقة، ستعطي طابعا بالعودة إلى الماضي، بشكل أكبر، لكن في الحقيقة أن هدوء الحوارات بشكل عام كان كافيا.

العديد من الضيوف تشعر أنهم قبلوا بالحضور إلى البرنامج لحبهم في مقدم البرنامج، لكن المشاهد حتى مع حبه لـ”صبري” لن يستمر في المشاهدة إلا إذا وجد ما يجذبه لتكرار ذلك. كما أنه اعتمد على طريقة قديمة جدا في التواصل مع المشاهدين، حيث أبدى سعادته بتلقي “جوابات” المشاهدين، وهنا يمكن اعتبار برنامج “ماسبيرو” من البرامج التي نُفضل مشاهدة حلقاته عبر يوتيوب في أوقات الفراغ فقط.

https://www.youtube.com/watch?v=i1H4PZGMe88

https://www.youtube.com/watch?v=p2Pew5YQ_8M&t=960s

 

معكم منى الشاذلي

لا يمكن اعتبار برنامج “معكم” الذي تقدمه الإعلامية منى الشاذلي على قناة CBC، برنامج نوستالجي خالص، حيث تقوم بجانب هذا الأمر إلى تقديم فقرات عن الواقع الآن، سواء في الفن أو عقد لقاءات مع شخصيات بارزة في مختلف المجالات، أو إبراز بعض المبادرات، مثل الحلقة الشهيرة التي قامت خلالها بقص جزء من شعرها لدعم حملة التبرع بالشعر إلى مرضى السرطان.

البرنامج الذي ابتعدت من خلاله الشاذلي عن تقديم برامج مباشرة، لم يكن التخلي عن الجانب النوستالجي فيه ممكنا، والاكتفاء باستضافة نجوم شباب تزوجوا حديثا، أو أبطال عمل عُرض على الشاشة من وقت قريب.

حاولت الشاذلي أن تلعب في هذا الجانب الذي يهم الجمهور وتُغطيه المواقع الصحفية باهتمام، حيث قدمت العديد من الحلقات في هذا الشأن مثل حلقة استضافت خلالها أيمن بدر الدين نجل الفنانة الراحلة فيروز، بالإضافة إلى حلقة أخرى خصصتها لاستضافة أبناء مشاهير “زمن الضحك الجميل”، وغيرها.

 

 

صاحبة السعادة

يعتبر البرنامج الأبرز والأهم في هذه النوعية، حيث تمكن من جمع العديد من العناصر التي تجعل الجمهور ينتظر البرنامج ليشاهده.

أولا كان الإعلان عن تقديم الفنانة إسعاد يونس، لبرنامج باسم “صاحبة السعادة”، على قناة CBC غريبا في بداية الأمر، حيث اعتقد البعض أن البرنامج سيكون كوميديا، لكن مع عرض الحلقات، تكشف أنه يُقدم نوع جيد من النوستالجيا إلى الجمهور.

أزال البرنامج فكرة أن النوستالجيا هي استضافة نجوم كبار أو الحديث عن فنان رحل وفقط، بل يمكن أن تطرح موضوعا قديما ثم يكون الضيوف مواكبين للأجيال الحالية، وهو ما سيجعل النقاش أكثر حيوية ووصولا للجمهور.

تنوعت الحلقات التي قدمتها الفنانة إسعاد يونس بخفة ظل معروفة عنها، بين حلقات عن أسماء كبيرة من الفنانين مثل عبد الحليم، أو الملحن بليغ حمدي. بالإضافة إلى حلقات اتسمت بالحركة، ومكنها من ذلك التجهيزات الكبيرة في الاستوديو، أو طرح موضوع عام “قديم أو حديث” واختيار ضيوفا للنقاش حوله.

 

الأفكار المبتكرة كانت أكثر ما ميز البرنامج عن غيره، مثل حلقات “دولاب البنات” التي استضافت خلالها الفنانة منة شلبي، وحلقة “دولاب الولاد” الذي كان بطلها الفنان أحمد فهمي. هنا نتحدث عن فكرة خاصة بالنوستالجيا، أرادت من خلالها إسعاد يونس العودة بالزمن، لعرض ما كان يقتنيه الشباب في مصر في مرحلة الثمانينات والتسعينات، وبالتالي كان يعبر عن ميولهم وأفكارهم، لكن باستضافة ضيوف فنانين “شباب ومشهورين” وبالتالي فإنها ضمنت الحيوية للحلقة.

 

بعيدا على البرامج، هناك قنوات فضائية ظهرت بفكرة عرض محتوى قديم مثل “روتانا كلاسيك” و”ماسبيرو زمان” و”دبي زمان”. لكننا هنا ستحدث عن التجربة المصرية بين تلك القنوات وهي قناة “ماسبيرو زمان”.

تعتبر القناة الأحدث في هذا المجال. بدأت بثها في يونيو 2016، ربما هي من الحالات النادرة التي تبدأ بشيء مثير للخيبة بالنسبة لي، ثم تتحول في وقت قصير لأن تكون من أهم القنوات لدي ولدى العديد من الأشخاص الذين أعرفهم. فالمعتاد أن تنطلق القنوات قوية وتُقدم مادة مميزة، ثم يخفت هذا النجاح أو حتى يحافظ على معدلات الاستقرار.

لكن قناة ماسبيرو زمان بدأت ومعها عدة ملاحظات، كنت قد كتبت عنها من قبل في موقع إعلام دوت أورج حول عدم وجود برنامج واضح تسير عليه القناة، بالإضافة إلى عرض نفس البرامج يوميا وكأنها قناة مُفلسة.

بعد فترة وجيزة استطاعت القناة أن تضع جدولا زمنيا لبرامجها ومسلسلاتها، ثم بدأت في ملئ هذا الوقت الكبير، بأمتع وأفضل برامج ماسبيرو، مثل “أوتوجراف”، و”من الألف إلى الياء”، و”النادي الدولي”، و”سهرة مع فنان”، بالإضافة إلى العديد من المسلسلات القديمة التي لا يمل منها المشاهد.

أظهرت ماسبيرو زمان مخزونها من الأعمال الفنية والتسجيلية الذي يناسب بعض الأحداث، ففي ذكرى وفاة الزعيم عبد الناصر، أذاعت بعض الخطب النادرة له، بينما في ذكرى انتصار أكتوبر عرضت مسرحية “حدث في أكتوبر”. فكان معيار النجاح هنا ليس حجم الإعلانات، حيث ان القناة لا تظهر على شاشتها أي إعلانات “حتى الآن”، لكن هو مقدار الحديث عنها في السوشيال ميديا، كما أننا نجدها الآن على شاشات التلفزيونات في بعض المحال التجارية.

 

ما نريده من النوستالجيا في الإعلام المصري

1- ألا تكون هذه البرامج أو قناة “ماسبيرو زمان” جزيرة معزولة، وكأننا أفلسنا وأصبحنا مرضى نعيش مع ماضينا فقط لنتحسر عليه، لكن أن نربط القديم بالجديد، مثلما تحدثنا عن حلقة “دولاب البنات” التي قدمتها الفنانة إسعاد يونس.

2- أن تبتعد القنوات والمواقع عن المتاجرة بمواد النوستالجيا، وتعرف أن المادة الجيدة الممتعة سيأتي إليها القارئ، وأن العناوين الخادعة والمكررة أصبحت تٌنفر الجمهور.

3- التطوير.. لا يعني أنني أقدم قناة أو برنامج تعرض مادة وفكرة أصبحت نوستالجيا أن أقف في مكاني. النجاح الحقيقي أن نجد برنامج مثل “صاحبة السعادة” يُقدم على قناة “ماسبيرو زمان” مثلا، لأن كنز ماسبيرو سيأتي عليه يوما وينفذ، فماذا ستفعل القناة وقتها؟، هل ستعيد إذاعة نفس البرامج من جديد؟ إذا تكون فشلت. وهو ما لا نتمناه.

4- “إحياء ما يمكن إحياءه”، بمعنى أن بعض الأفكار انتهت من حياتنا، لكن في استطاعة برنامج أو قناة أن تُذكرنا بقيمتها من جديد، مثل حلقة برنامج “صنع في مصر” التي قدمها برنامج صاحبة السعادة، لنجد حديث رواد السوشيال ميديا يتجه بشدة إلى أسامي المنتجات المصرية التي عرضت خلال الحلقة، حتى أن شركة مصرية مثل “قها” للمنتجات الغذائية، كانت قد أعلنت أن مبيعاتها قد زادت عقب الحلقة.

 

لن يتوقف الحديث عن الحنين أو “النوستالجيا” طالما هناك لحظة نعيشها ستُصبح ماضيا بعد لحظة قادمة، ولن تتوقف البرامج والمواقع الإلكترونية في استخدام المواد الإخبارية من هذه الفئة، لجذب القراء، لكن سيظل السؤال حول من نجح في أن يخرج من دائرة المتاجرة الضيقة إلى تكوين رؤية أوضح لكيفية استغلال مواد النوستالجيا في أن نُقدم للقارئ معلومة حقيقية ومفيدة بعيدا عن الإثارة، ومتعة يحتاج إليها الآن. وتجربة يتعلم منها. وإنعاش لذاكرته من وقت لآخر.