محمد الباز يكتب : ما لم ينشر من حوار السيسى مع لجنة العفو عن السجناء

نقلا عن البوابة

اعتقد كثيرون أن اللجنة التى شكلها الرئيس عبد الفتاح السيسى للإفراج عن السجناء لن تخرج عن سابقاتها، مجرد شو إعلامى، يتم بمقتضاها الإفراج عن بعض الشباب دون إنهاء الأزمة من جذورها، وهى الأزمة التى تشكل صداعا للدولة المصرية، ووجعا حاكما ومتحكما لآلأف الأسر التى تدفع ثمن أخطاء أبناءها، لكن ما يحدث على الأرض يقول عكس ذلك تماما.

اللجنة فعليا تعمل بجدية شديدة، أعضاؤها النائب طارق الخولى والكاتبة الصحفية وعضو المجلس القومى للمرأة نشوى الحوفى ومحمد عبد العزيز عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، وكريم السقا الممثل لشباب الأحزاب، وبرئاسة الكاتب والسياسى الكبير أسامة الغزالى حرب، يجتمعون يوميا لمناقشة القوائم التى وردت اليهم من كل حدب وصوب.

نرشح لك : محمد الباز يكتب: مصر.. أسباب للغضب لا أسباب للثورة

المرحلة الأولى من عمل اللجنة مرت بسلام، استقروا على القائمة الأولى التى تضم ٨٣ مسجونا، وضعوها أمام الرئيس فى اجتماعه معهم، وقد وعدهم أن يتم النظر فيها على وجه السرعة، وهو ما يعنى أننا خلال أيام يمكن أن نتابع أخبار المفرج عنهم وقصصهم وحكاياتهم.

خلال اجتماع اللجنة مع الرئيس طلب منهم أن يتحدثوا إلى الناس، يقولوا لهم ما الذى حدث على وجه التحديد، وهو ما يشير إلى أننا أمام رئيس لا يخفى شيئا، لأنه لا يخشى شيئا من الأساس.

على الفور استجابت نشوى الحوفى وكتبت مقالا نشرته فى جريدة الأهرام المسائى، ثم نشرته بعد ذلك على صفحتها بالفيس بوك، ولم تخرج فيها عن المعايير التى حددتها اللجنة للنظر فى أحوال السجناء، ثم ما قاموا به من تلقى قوائم السجناء من المجلس القومى لحقوق الانسان ولجنة حقوق الانسان بمجلس النواب وكافة الجمعيات الحقوقية، إضافة الى الشكاوى الفردية التى تقدم بها الأهالي الى أعضاء اللجنة.

تبين الآتى أن القوائم التى وردت الى اللجنة فيها الكثير من التكرار فى الأسماء، وهو تكرار يصل الى ما يقرب من ٤٠ بالمائة، اتضح كذلك أن الشكاوى التى وردت من الأهالي بحق أبناءهم لم تكن دقيقة بما يكفى، وربما اعتقدوا أن مجرد تقديم الشكوى يعنى الإفراج عن أبناءهم دون فحص او دراسة او تدقيق من اللجنة أو الجهات المسئولة.

أنجزت اللجنة عملها فى مرحلتها الأولى، ولا تزال تواصل العمل، ويمكننا هنا أن نشتبك قليلا مع ما حدث فى جلساتها، خاصة أن بعض أعضاءها بدأوا فى الحديث إلى وسائل الاعلام، وهو حديث حتى الآن غير موفق على الاطلاق، فقد ركزوا على الخلافات، فى محاولة لصنع بطولات للبعض، وإهالة التراب على البعض الآخر.

هل تريدون نقطة بداية؟

أعتقد أن النقطة الصحيحة للحديث تأتى من لقاء اللجنة بالرئيس.

استقرت اللجنة باستبعاد الاخوان من قوائم العفو، وتم الاحتجاج على ذلك بواقعة محددة، كان اثنان من الاخوان قد اتهما بارتكاب أعمال عنف فى جسر السويس، لكن المحكمة برأتهما لعدم كفاية الأدلة، وبعد خروجهما زرعا قنبلة أودت بحياة أبرياء.

المعنى كان واضحا، فالتعامل مع الاخوان لابد أن يتم بحذر شديد، فالإفراج عنهم دون تأهيلهم للتعامل مع المجتمع معناه زرع قنابل موقوتة فى المجتمع كله، سرعان ما ستنفجر فينا.

أعضاء اللجنة قالوا للرئيس السيسى: لقد استبعدنا سجناء الاخوان من التوصية بالإفراج عن المسجونين، فنظر اليهم مبتسما قائلا: هو انتم كنتم عاوزين تفرحوا عن الاخوان؟

لكن المناقشة الأهم فى رأيى كانت تلك التى دارت بين السيسى ونشوف الحوفى.

تبارى أعضاء اللجنة فى الحديث، كان كريم السقا يتحدث، فقاطعه السيسى قائلا: طيب مش نسيب الأم تتكلم، فى إشارة الى نشوى، التى قالت له: والأم تطلب من سيادتك أن يكمل كريم كلامه، فعاد السيسى مرة أخرى الى كريم وطلب منه أن يكمل كلامه.

تحدثت نشوى بعد ذلك، قالت للرئيس: عندى نقاط محددة أريد أن أتحدث فيها.

أولا: قالت له الاهتمام الاول لابد أن يكون بالطلاب الذين تم سجنهم دون أن يكون لهم علاقة بالإخوان، فهؤلاء يتعرضون لضياع مستقبلهم، التقط السيسى منها الخيط، ووجه كلامه الى اللواء عباس كامل الذى كان حاضرا اللقاء، وطلب منه أن يراجع الجامعات، بحيث يخرج الطلاب الى مدرجاتهم مباشرة، ولا يعاقب أحد منهم على أيام الغياب، حتى لا تتأثر حالتهم الدارسية.

ثانيا: كان هناك اقتراح على هامش الاقتراح الاول، وهو ألا يترك الشباب الجامعى الذى سيتم الإفراج عنه بمفرده يواجه المجتمع، لابد أن يتم تأهيله مرة أخرى، لابد أن نسمع منهم ولهم، لأننا لا نعرف على وجه التحديد ما الذى سمعوه وهم داخل السجون، ولا من لعب بعقولهم، ثم أننا لا يجب أن نستهين بحجم الاستياء الذى ترسب فى عقولهم وقلوبهم تجاه النظام، وهو استياء لابد أن يتبدد، ولن يكون ذلك الا باحتواء الشباب والاستماع منهم، على أن يكون صبرنا كاملا عليهم وصدرنا متسعا لهم.

ثالثا: قالت له لا يجب أن يعاقب أحد برأيه، وعليه يجب الإفراج عن اسلام بحيرى وأحمد ناجى وفاطمة ناعوت، فأثنى الرئيس على الاقتراح موافقا عليه تماما، فهو أيضاً لا يرضى أن يعاقب أحد بسبب رأى أبداه، فتم الاستقرار على اسلام بحيرى وأحمد ناجى فى القائمة الأولى لأن الحكم الصادر فى حقهما نهائى وبات، وتم ارجاء النظر قليلا فى أمر فاطمة ناعوت لأن الحكم الصادر فى حقها لا يزال فى أول درجة.

رابعا: وهذا هو الأهم، سألت نشوى الرئيس: هل تعرف ما الذى يفعله ابنك خارج البيت؟ فقال لها: لا، قالت ولا أنا، وعليه إذا كانت الدولة غاضبة من تصرف ابن من أبناءنا، وتريد أن تأخذ حقها منه، فعلى الأقل يجب أن تخبر أهله بما حدث على وجه السرعة، لا معنى لأن يتم القبض على هؤلاء الشباب والتحقيق معهم لأيام وأسابيع دون أن يعرف عنهم أهلهم شيئا.

وافق الرئيس على هذا الاقتراح، وأوصى به، فالعقاب لا يجب أن يسقط على الشباب وعلى أهلهم أيضاً، وهذا هو الأهم، ستفيد هذه الخطوة فى قطع الطريق على أى متاجرة داخلية أو خارجية بما يسمى الاختفاء القسرى، فمن يقبض عليهم اذا اضطررنا لذلك يتم الإعلان عنهم بشفافية، خاصة أن الدولة لا تفعل شيئا خاطئا.

خامسا: دارت مناقشة كذلك حول الحبس الاحتياطي، ووافق الرئيس على مبدأ، أنه لا ضرورة على الاطلاق لأن يكون الحبس الاحتياطي مطلقا، كان هذا قرارا أصدره المستشار عدلى منصور عندما كان رئيسا مؤقتا، وكان مضمونه أن يجدد الحبس الاحتياطى فى الجرائم الجنائية والسياسية، ويمكن أن نتفهمه فى وقته، لكن الآن الظروف تغيرت، ولابد من اعادة النظر فيه مرة أخرى، وهو ما وعد به الرئيس.

ما أقوله هنا حدث بالفعل أمام الرئيس، وإذا كنت خاصمت ما جرى فى شئ، فيمكن أن يراجعنى فيه أعضاء اللجنة التى جمعت أضداد ومختلفين فى الرأى والتوجه، وهو ما بدا فى بعض التصريحات الإعلامية التى أعتقد أنه لابد من التوقف عنها نهائيا، حتى لا يتم تشويه عمل اللجنة.

لقد جرت احتكاكات عابرة بين أسامة الغزالى حرب ونشوف الحوفى، وأعتقد أنه كان هناك نوعا من التربص بينهما.

بطريقته المعروفة فى الهزار والسخرية أحيانا سأل الغزالى حرب نشوى: لماذا ترتديه الحجاب، إنه ليس من الاسلام فى شئ، ثم أنه يخالف قناعاتك بالوقوف ضد الاخوان، فردت نشوى بحسم فحجابها أمر خاص بها، وليس معنى أنها محجبة انها توافق الاخوان فيما يذهبون اليه، ثم أنها لم تسأله عن قناعاته وتبنيه الفكر الليبرالي الذى يرفضه كثيرون.

لم يكن هذا هو الاحتكاك الوحيد بين نشوى وأسامة، قال لها أن كثيرين يتخوفون من وجودها فى اللجنة، ويرون كما قال أنها ستكون عائقا أمام العمل فيها، فقالت له: هذا ما سمعته أيضاً عنك فالبعض يرى أن وجودك فى اللجنة غير مناسب، وأننى صمام الأمان لعملها.

لم تعطل هذه المناقشات التى ما كان لها أن تخرج من اللجنة عملها.

بقى أن أقول أن نشوى الحوفى معروفة بآراءها ومواقفها، ليست جديدة علينا، يمكن ألا يعجبك أداءها فى أشياء كثيرة، لكن لا يمكنك التشكيك فى حماسها وإخلاصها لما تعتقد أنه صحيح، سمعت منها مرة أنها تساند هذه الدولة حتى لو أخذت على دماغها منها، ولذلك لا تسألوها عن موقفها، لأنه واضح وصريح ومحدد.

هى تتعامل على أن هده اللجنة ليست لمشاهير السجناء خاصة أنهم لا ينطبق عليهم معايير الإفراج، فهؤلاء محبوسين فى قضايا أدينوا فيها لأنهم حرضوا على العنف ومارسوه، ثم أن لهم ظهرا يتحدث عنهم ويطالب بحقهم اذا كانت لهم حقوق، أما اللجنة فهى تعمل من أجل من لا صوت لهم ولا ظهر وهو عمل نبيل جدا لابد أن نقدره.

هل بقى شئ؟

بالطبع عنا كما يجب أن أقوله وأؤكد عليه فهذه اللجنة يجب أن تبتعد عن الاعلام تماما، لابد أن يتوقف أعضاؤها عن التصريح وتبادل الاتهامات والتكذيبات، فلا يجب أن يعلنوا ما يختلفون فيه، لأن هذا طبيعى ومتوقع وصحى أيضا، حدثونا عما تتفقون عليه، وإذا كان لابد من الحديث، فلا أقل من تعيين متحدث إعلامى للجنة من غير أعضاءها، يكون هو المسئول عن الحديث مع وسائل الاعلام والرد على تساؤلاتها، ودون ذلك فعلى الجميع أن يلتزم الصمت، واصلوا عملكم فهو أهم وأعظم ما نريده منكم.