حسين عثمان يكتب : القاهرة وواشنطن بعد فوز ترامب

بعيداً عن تهويل مضل أو تهوين مخل، لا نملك برؤية أولية أن نتعامل مع فوز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية إلا باعتباره ملفاً جديداً من الفرص والتحديات في علاقاتنا الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وحتى نضع أيدينا على نقطة الانطلاق الصحيحة في هذا الاتجاه لابد وأن نتوقف بإدراك موضوعي عند أسباب فوز رجل الأعمال المفاجيء في منافسة رأها البعض محسومة مبكراً لصالح هيلاري كلينتون بتاريخها السياسي العريق، والتي تتلخص في تقديري في أن ترامب أحسن اختيار الفئة المستهدفة في خطابه الانتخابي، ألا وهي الطبقة الوسطى التي تمثل غالبية الأمريكيين كما هو الحال في معظم الدول المتوازنة اقتصادياً واجتماعياً.

ومعها أجاد اختيار رسالته إليهم، تلك التي مست بشكل مباشر حياتهم اليومية ومستقبلها معه، وهو الهاجس الأول لأي ناخب عادي في مواجهة أي مرشح سياسي، وقد أجاد الرجل التأكيد على رسالته بداية من ضرورة العمل على مواجهة انخفاض سعر الدولار في مواجهة العملات المنافسة، ومروراً بأهمية ترشيد مساحة السياسة الخارجية الأمريكية بما تحمله لميزانية الدولة من أعباء مالية مع توجيه الاهتمام الأكبر للشأن الداخلي الأمريكي لدعم الاقتصاد من ناحية والارتقاء مجتمعياً بحياة الأمريكيين من ناحية أخرى، ووصولاً إلى تصريحه بأنه لا يرى بأي حال من الأحوال أي وجه لاستمرار العداء التاريخي مع روسيا وقد بتنا جميعاً نعيش في القرن الحادي والعشرين بما يمثله للجميع من تحديات.

ولم ينس ترامب في كل هذا التصريح بقوة مراراً وتكراراً بنيته في محاربة داعش بل والقضاء عليها بما تمثله من تهديد للإنسانية جمعاء، أما عن أداء الرجل في حملته الانتخابية والذي لم ير منه البعض إلا وجهي الهزل أو الهذيان، فقد رأيته منهجاً منطقياً لرجل أعمال لا يتمتع بأي تاريخ سياسي ومرشح لموقع الرئاسة في الانتخابات الأمريكية أمام داهية سياسية بحجم كلينتون ويريد أن يلفت نظر الأمريكيين بأي شكل من الأشكال حتى يتوقفوا عنده وينصتوا لرسالته التي ضمنها ما يثق في أنهم يريدون سماعه.

فإذا عدنا بعد هذه الرؤية الأولية إلى ملف العلاقات المصرية الأمريكية في عهد ترامب لوجدنا ببساطة كما ذكرت أنه يحمل من الفرص مثل ما يحمل من التحديات، ولعل تأتي في مقدمة الفرص استثمار توجه ترامب نحو التعاون البناء مع الجميع مع احترام إرادة الدول فيما يتعلق بشئونها الداخلية، ومعها ضمان حليف قوي في مواجهتك الشرسة مع الإرهاب والتي طالما طالبت المجتمع الدولي بالوقوف صفاً واحداً في مواجهته.

وفي المقابل يأتي أكبر التحديات متمثلاً في رؤية ترامب لملف القضية الفلسطينية محك الصراع العربي الإسرائيلي والتي حسمها مبكراً بإعلان دعمه الكامل لإسرائيل كحليف استراتيجي، ومعه يأتي مدى قدرته على احتواء الاحتجاجات الداخلية التي بدأت ضده بالفعل حال فوزه وما قد تجده من دعم أو توافق من القائمين على ملفات الأمن القومي الأمريكي الذين قد يروا – أو رأوا بالفعل – أن منهج ترامب قد يحيد بأمريكا عن توجهات استراتيجية تاريخية وراسخة قد يمثل منهجه تهديداً أو تراجعاً بشأنها، نعم، قد تكون الثوابت واحدة في كل العهود، ولكن يظل اختلاف المنهج مؤثراً في كل الأحوال.