موقعة رشيد الأولى والثانية.. «إنها حقاً شبه دولة»

محمد البرمي

لم يختلف الطريق الذي سلكة طفل رشيد إلى إيطاليا عن الطريق الذي سلكة ما يقرب من 550 مهاجر قرروا الخروج من جحيم الفقر بأوطانهم نفس البحر والمركب وربما نفس المهربين، قدر لبعضهم الوصول وبعضهم صار وليمة للأسماك، فواقعة الهجرة الغير شرعية أصبحت كثيرة بشكل يصعب حصرها وحصر ضحاياها.

ربما منح القدر طفل رشيد فرصة للنجاة لإحراج الدولة المصرية برجالها اللذين فوجئوا بوجودة في إيطاليا وتكتب عن قصته وشجاعته صحفها وكيف قطع مئات الكيلو مترات سباحة بحثاً عم من ينقذ أخيه من المرض بعدما فشلوا في علاجه بوطنه.

لم تحرج الدولة المصرية من سفر طفل بشكل غير شرعي قاطعاً الآلاف الكليومترات سباحة، ولم تحرج من عجز والديه عن علاج طفلهما، ولم تحرج من الفقر الذي يعيشه هؤلاء ولم تسئل كيف سافر وهل مات أحداً ممن كانوا معه، كل ذلك لم يهم دولتنا، شعرت بالحرج فقط بسبب الخلاف بينها وبين إيطاليا على خلفية إختفاء الباحث الإيطالي ريجينى في 25 يناير ثم الإعلان عن مقتله بعد عدة أيام.

بنظرية كيد النساء التي تسيطر على الدولة المصرية اسائها جداً أن تعلن جارتها التي بينها وبيننا عداوة أنها ستربى وتعالج أثار الجروح في جسد الطفل الناتجة عن تعذيبه على يديها، ورغم تبرع العديد من الأذرع الإعلامية للدولة الخروج ونفي علاقة الطفل بمصر وإتهام الجانب الأخر بإختلاق القصة إلا أنها في النهاية وبعدما تأكدت خرجت لتقول “أن أولى بأبنائي” (أه والله).

عاد الطفل من جديد دخل شقيقة للمستشفي لتلقي العلاج.. هدأت القصة وغابت، ولم تفتح تحقيقاً معه لتسئله كيف سافر ومن تولى مسئولية تسفيره والطرق التى سكلها ومن يرعي عمليات التهريب لأنه منطقياً لايمكن أن يخلع الطفل ملابسه ويلقي بنفسه في البحر فيصل سباحه من شاطئ رشيد إلى شواطئ إيطاليا.

كفت الدولة على الخبر ماجور … ونسيها الشعب البائس والغارق في ملايين القصص الصعبة التى يعيشها يومياً في سعيه نحو رغيف العيش يتذكر ماذا أم ماذا..بينما لم تسأل الدولة المنتفضة المتسائلة عن أبنائها في الخارج (اللي هي أولى بيهم).

ولان الدولة لم تخلص النوايا لله وإنتفاضتها فقط لاترتقي أن تتساوى مع إنتفاضة خناقة اتنين ستات جاءت فاجعة غرق أحد المراكب المحملة بمئات المهاجرين في البحر المتوسط تحرج الدولة المصرية أو شبه الدولة كما يقولون دائماً.

في رشيد لم نرى تعامل لا الدولة ولا شبه الدولة لم تتحرك الحكومة سوى في اليوم الرابع للكارثة وبعد سيل من الإنتقادات بدأت التفكير في عقد اجتماع لبحث الكارثة بينما تركت للأهالي والصيادين مسئولية انتشال الجثث التي انتظرها الأهالي على الشاطئ أملاً في العثور على جثث زويهم.

ولنخرج من مأزق هي الدولة هتعمل ايه يعني للي بيهاجروا والبلد كلها أزمات وإحنا نبني مصر وتحيا مصر وظروف البلد كدا وغيرها من الجمل التي يقولها أشخاص أحيانا لا تجد في جويبهم ثمن تذكرة الأتوبيس ولا تفهم فلسفتهم في الدفاع عن حكومة ومسئولين كانوا سبباً رئيساً في إفقارهم لنقاط أكثر وضوحاً نستطيع محاسبة الحكومة من خلالها.

أولاً.. يوم الأربعاء 21 سبتمبر بدأت أخبار العثور على مركب غارق  للمهاجرين وحصيلة الوفاة 29.. يوم الجمعة الساعة الثامنة مساءً خرج بيان من مجلس الوزراء يعلن عن عقد اجتماع (طارئ) للحكومة السبت 24 سبتمبر  احتاجت الحكومة 3 أيام كاملة لتجتمع لمناقشة وفاة أكثر من 300 إنسان عثر على جثث 160 بينما الباقي لا يزال.

ثانياً.. هل كانت الدول المصرية تخشي (قتلوة كما لو كان مصرياً) فقررت أن تقدم للعالم فقرة في كيفيه الدفاع عن أولادها في الخارج وأنها أولى بأولادها وأعادت طفل رشيد من جديد أليس من ماتوا أيضاً في رشيد مصريين والدولة أولى بهم أم أن أزمتهم انحصرت في كونهم مصريين.

ثالثاً..وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة فإن معظم المصريين الذين يصلون إلى إيطاليا هم من الأطفال ،وخلال الفترة من يناير إلى مايو 2016، وصل نحو 1815 من المهاجرين المصريين غير الشرعيين للسواحل الإيطالية من بينهم 1147 من الأطفال المهاجرين غير المصحوبين بذويهم، أي بنسبة 78% ولا تحتاج الدراسة لتعليق فلا أحد بالحكومة يقرأ أو يتابع.

رابعاً.. استمرت المركب 5 أيام في البحر على بعد 12 كيلو فقط عن رشيد تستقبل عشرات المهاجرين أين كانت قوات حرس الحدود والمسئولين، وما الذي كانوا ينتظرون، وكيف غابت أعينهم عن هؤلاء.

خامساً.. تعرف الدولة جيداً بأجهزتها الشرطية من المسئولين عن تهريب هؤلاء ولا تخفي الأسماء عليهم وبعضهم لهم جروبات على الفيس بوك لإستقطاب الشباب وأحياناً يتم الاتفاق في الكومنتات أمام أعين الجميع أم تفرغت الدولة فقط لمراقبة الشباب وكل من يبدي رأيه في السياسة وحال البلد المايل.

أخيراً.. لو وجدت الدولة من تحمله مسئولية ضحايا المركب الغارق لكانت أول من تحدث عن الازمة وسارعت على الفور لتكون أول الصفوف لكنها لم تجد سائقاً للقطار ولا وزيراً يمكن التضحية به بعدما أصبح كارت محروق .. فأكتفت بالمشاهدة من بعيد في إنتظار إنتشال الضحايا وموت القضية.. بالتأكيد نحن شبه دولة لا لشئ سوى أن أمثالكم يحكمنا..