محمد أبو مندور: أسمع كلامك أصدقك، وأسمع برامجك استغرب!

اعتدنا أن نتخذ الإذاعة مصدرًا رسميًا للأخبار والمعلومات القيمة والأغاني والموسيقى، كانت الإذاعة مصدرًا للرقي وتنمية الفكر. كانت الإذاعة تستقطب كبار المفكرين والكتاب والعلماء والفنانين والشعراء والمثقفين لتقديم عيون الفكر بمستوى راق وأسلوب جذّاب، ليتتلمذ على برامج الإذاعة الملايين، ولا يتسع المقام هنا لسرد الأمثلة فهي بالمئات.

يتغير الزمن وتتغير أذواق المستمعين بتغير المحتوى المذاع إخبارياً وثقافياً وموسيقياً، وإن كان التغير متذبذاً في بداية الامر والذي ما لبث أن انحدر في غيابات الجب، لم يستطع المسؤلين عن هذا القطاع انتشاله مما هو فيه الا بإتباع ثقافة التعهيد أو ما يشابه نظام المنتج المنفذ في الدراما التليفزيونية. تم تكوين عدد من المحطات الإذاعات المستحدثة على مراحل متعددة لاستبدال الإذاعات المصرية العتيقة (البرنامج العام، صوت العرب، الشرق الأوسط) لتواكب تغير نوعية المستمع. مما يعني انه رد فعل وليس تخطيط مسبق فما لا يعيه المسؤلين عن هذا القطاع أن المتلقي يتغير بشكل دائم وأن ما يتوجب عليهم فعلَه أن يكونوا هم من يتولوا قيادة تكوين الذوق العام من خلال التخطيط وهو أمر غائب أو هكذا يبدو.

بدأت مرحلة ما سمى بالتطوير بتكوين إذاعات جديدة تبدو كإذاعات خاصة لتمحو عنها صفة الرسمية براديو مصر التي لاقت نجاحاً جيداً لمخاطباتها الجيل الجديد من خلا مذيعين ومعدين شباب ذو طبيعة مختلفة عما عهدنا في الإذاعات الرسمية فلم يشعر المستمع بأنهم موظفين حكوميين بل كان الانطباع الأغلب يقارب أنهم كمن يعملون في الشركات الدولية أو المتعددة الجنسية، يطل من أصواتهم ومواضيعهم وطريقتهم مظهر براق جذاب مخالفاً بذلك الانطباع السيء عن سابقيهم. مع تغير إدارة راديو مصر تباين مستوى الأداء وبدأ الوهج في الخفوت وانحسرت الآذان عن السماع وانتقلت إلى الإذاعة الخاصة الوحيدة في ذلك الحين (نجوم اف ام) التي تميزت بالبرامج الخفيفة والموسيقى المختلفة فالتف حولها جيل جديد من المستمعين وجدوا لهم فيها مرفأً.

بعقلية القطاع الخاص دأبت نجوم اف ام على التطور بإيقاع متلاحق ومتأن في وقت واحد. فبعد فترة كان معظمها برامج خفيفة بدأت الإذاعة في وضع بعض الثقل للمحتوى المذاع بوضع محتوى ذو صبغات متنوعة تطرح بأساليب جذابة تتناسب مع متطلبات المرحلة الدقيقة التي نمر بها والتي تحتاج لتعامل ماهر مع الرأي العام وكيفية تكوينه أو توجيهه.

في هذا الإطار تنجح أيضا الإذاعة الخاصة في إيجاد برنامج للأطفال جيد المستوى لكنه بالتأكيد لن يأخذ نفس ما لاقه برنامج أبلة فضيلة من نجاح عبر عقود، لكنه بالطبع يمحو فشل إدارة برامج الأطفال في البرنامج العام وارتكابها لجريمة تسمى برنامج “نقطة ومن أول السطر” والذي لا يتوقع منه إلا إصابة الأطفال بالتخلف العقلي ربما كان أثر ذلك ضعيفاً نظراً لموعد إذاعته البعيد عن متناول الأطفال لكنه ينجح في كسب المزيد من النافرين والهاربين من متابعة إذاعة بلادهم.

كانت وستظل الإذاعة المصرية مصدراً كبير لإلهام وتعليم الكثيرين انقذوها يرحمكم الله. فليس بالتشدق بالأرشيف القديم تحيى الإذاعات ولكن بتكوين إضافات ذات قيمة لذلك التاريخ، ولم يغدو ذلك ممكناً مع من تولوا الإدارة حالياً فالأهم يهتمون بجودة ونوعية ما يقدم حتى من حيث اللفظ المنطوق وضعف المحتوى حتى الدرامي والذي كان مميزاً عبر عمر الإذاعة. فلك أن تعرف أن البرنامج العام أذاع نفس المسلسل الإذاعي في عامين متتاليين في شهر أكتوبر احتفالاً بنصر أكتوبر وهو مسلسل الشهيد ابراهيم الرفاعي. ناهيك عن مذيعي نشرة لا ينطقون أسماء الشخصيات والأماكن بشكل صحيح.

اقرأ أيضًا:

محمد أبو مندور: إعلامنا المفترى عليه .. المفتري علينا

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر فيس بوك من هنا