كريم فرغلي يكتب: 7 تهم طاردت يوسف شاهين

كريم فرغلي
كريم فرغلي

ظل يوسف شاهين اسما مثيرا للجدل مخرجا وإنسانا .. وسواء كنت من محبيه أم لا .. فلا بد أنك استمعت – أو ربما اقتنعت-  بواحدة على الأقل من 7 تهم حاصرته حيا وربما لاتزال تطارد روحه حتى الآن رغم مرور 8 سنوات على رحيله !

 

7-   أفلامه مبهمة وغير مفهومه ..

رسخ انطباع الغموض والإبهام في أفلام يوسف شاهين لدى المشاهد المصري والعربي بسبب مايسمى في تاريخه بمرحلة السيرة الذاتية وهي الأفلام التي جسد خلالها تفاصيل طفولته وعقده ومشاعره ، لكنها لم تزد عن 4 أفلام من مجموع 36 فيلم هي ( اسكندرية ليه 1979) (حدوته مصرية 1982) (ااسكندرية كمان وكمان 1990) ( اسكندرية .. نيويورك 2004 ) وربما كان للشكل الفني الذي اختاره شاهين للأفلام الأربعة دورا في صعوبة تلقيها لدى المشاهد العادي حيث اختار أن يقدم رؤيته الذاتية لوقائع حياته لا أن ينقلها حرفيا كما هي لأنه لا يريد أن يصنع فيلما وثائقيا بل أراد أن يجسد مواجهه مع النفس يستدعي من خلالها أفكاره وأحلامه وذكرياته .

1

2

في فيلم (حدوته مصريه ) على سبيل المثال جسد شاهين المرحلة التي خضع فيها لعملية جراحية في القلب من خلال محاكمة ذاتية تعقد في قفصه الصدري كمواجهة بين طفولته التي جسدها يحيى الصغير ذلك الطفل المتمرد و بين يحي الكبير – شاهين نفسه –  محاسبا إياه على كل ذنوبه وخطاياه وهزائمه في مزيج مبتكر بين الواقع والخيال .

3

ولا شك أن شاهين قد تأثر في تلك الأفلام بمخرجين عالميين كبار أمثال الإيطالي فلليني و الفرنسي تريفو والأميركي وودي آلان إلا أنه يظل المخرج المصري والعربي الوحيد الذي قدم أفلام السيرة الذاتية للمخرج بهذا الكم من التكثيف والجرأة وهي نوعية صعبة جدا لعدة أسباب (قد نتاولها في مقال مستقل) منها ما تتطلبه تلك الأفلام من تعرية كاملة لأدق مشاعر وعورات المخرج النفسية والحياتيه أمام المشاهدين وإلا فقدت مصداقيتها ، إضافة إلى دقة اختيار التفاصيل وصياغتها في إطار فني يشعر المشاهد بالتماهي والتعاطف معه .. يقول نزار قباني  : على المبدع الحقيقي ألا يخجل في نقل سريره أمام المارة على قارعة الطريق !!

4

6-  فشلة جماهيريا و ضعف إيرادات أفلامه

في عالم السينما ( وربما الفنون عموما) يصعب اعتبار الفشل الجماهيري تهمه أو خطية تنتقص من قدر المبدع لأن تاريخ السينما المصرية بالتحديد يؤكد الفشل الجماهيري لعدد كبير من الأفلام التي تضمنتها قائمة أفضل 100 فيلم سينمائي مصري ( أعدها النقاد سمير فريد وأحمد الحضري وكمال رمزي) مثل ( المومياء) ل شادي عبد السلام (شيء من الخوف ) ل حسين كمال ، ( بين السما والأرض) ل صلاح أبو سيف  وغيرهم .. وفي المقابل سنجد عدد كبير جدا من الأفلام عديمة القيمة الفنية والتي نجحت جماهيريا بالرغم من ذلك ، بدءا بأفلام (مستر اكس) لفؤاد المهندس مرورا بلمبي محمد سعد وصولا لأفلام الملاهي الليلية لمغنيها المفضل سعد الصغير وراقصاته .. طبعا هي ليست قاعدة أن يسقط الفيلم الجيد وأن ينجح الردئ ولكن في نفس الوقت جماهيرية أي فيلم ليست دليلا كافيا على جودته فنيا والعكس ، بل إن الجمهور ذاته قد يعشق أفلاما لم يحالفها الحظ في عرضها السينمائي الأول  .

LE MOINEAU

5- دعوته للمثلية الجنسية

في السينما المصرية لم يكن شاهين هو المخرج الأول ولا الوحيد الذي قدم في أفلامه أبطالا مثليين .. فعلها سمير سيف في (قطة على نار ) و (الراقصة والسياسي ) و(ديل السمكة) وصلاح أبو سيف في (الطريق المسدود) و (حمام الملاطيلي)  وعلي عبد الخالق في (عتبة الستات ) و (المزاج ) و كمال الشيخ في (الصعود إلى الهاوية ) وعاطف الطيب في (كشف المستور) وغيرهم ..

6

وحتى بعد وفاته استمر المخرجون في تقديم شخصيات مثلية في أفلامهم مثل داوود عبد السيد في (رسائل البحر) وهادي الباجوري في (واحد صحيح) ومروان حامد في (عمارة يعقوبيان) و هاني فوزي في ( أسرار عائلية)   ..

7

والحقيقة أن تقييم الفنون لا بد أن يتم وفق المعايير الفنية فقط لا المعايير الأخلاقية أو الدينية وإلا تحتم علينا مصادرة أدب نجيب محفوظ لأنه – أدب دعارة – حسب تصريح قيادي سلفي سنة 2011 ، أو تحطيم التماثيل العارية لمايكل أنجلو أو بوذا كما فعلت طالبان سنة 2001 !!

8

4- ساعة أحمد مظهر التي منعت شاهين من الوصول للأوسكار

هي  شائعة رائجة جدا ولكنها غير صحيحة وهي ارتداء أحمد مظهر ساعة يد بالخطأ ضمن أحداث فيلم صلاح الدين حيث أن ساعات اليد لم تكن قد تم اختراعها بالطبع في زمن الفيلم ، ولابد أن نعترف بأنه في تاريخ السينما المصرية الذي يبلغ تقريبا 4000 فيلما منذ إنتاج أول فيلم مصري درامي ناطق طويل سنة 1932 وحتى الآن لم يصعد مخرج مصري واحد ليتسلم جوائز أهم وأعرق ثلاثة مهرجانات سينمائية في العالم هي ( كان – فينيسيا – برلين)  سوى يوسف شاهين .

9

ربما أقصى ما تم تحقيقه هو التنافس على إحدى الجوائز ما يعتبر خطوة مهمة بالطبع  ( 24 فيلما مصريا تنافسوا في “كان” دون الفوز بأي من جوائزه منها “الحرام” لبركات “بعد الموقعة” ليسري نصر الله و “اشتباك” لمحمد دياب وجائزة واحدة حصدها في “برلين” هذا العام فيلم “آخر أيام المدينة” للمخرج تامر السعيد )

لذا يظل شاهين وحده هو من حقق للسينما المصرية تلك الإنجازات الكبرى في المهرجانات الثلاثة الأهم والأعرق  بين آلاف المهرجانات السينمائية حول العالم حيث حصل على الدب  الفضي في برلين 1979 – السعفة الذهبية في كان 1997 و جائزة اليونيسكو في فينيسا 2003 .

10

وربما يدرك قيمة تلك الإنجازات من احتك عالميا بوسط ثقافي أو سينمائي وواجه ذلك السؤال المتكرر الكاشف : ماذا حققت السينما المصرية من جوائز وإنجازات في المهرجانات الكبري مقابل السينما الإيطالية والإيرانية والجزائرية .

11

3- تطابق الآداء لممثليه

” محمود المليجي فضل 30 سنة بيضرب الناس .. طب ازاي عرفتو إنه ممثل كويس ؟! لما اشتغل في الأرض ” بهذه الجملة يرد شاهين بنفسه على اتهام قولبة ممثليه في آداء موحد  .

12

و لا شك  أن هناك ممثلين تأثروا بالطريقة (الشاهينية) في الآداء لكن وكما رد هو كان هناك أسماء عديدة قدمتها سينما شاهين بشكل فاجأ الجمهور وأعاد اكتشاف قدرات أصحابها على رأسهم العظيم محمود المليجي والقديرة محسنة توفيق .

13

هذا بالإضافة إلى قائمة الأسماء التي اكتشفها شاهين من الأساس مانحا لهم مساحات إبداعية حرة في أدوارهم الأولى ضمن أفلامه أمثال : عمر الشريف ، محسن محي الدين ، عبد الله محمود، أحمد سلامة، روبي، يسرا اللوزي ، هاني سلامة ، أحمد وفيق وغيرهم.

14

2- أفلامه متشابهه

ليس عيبا أن يتخصص المخرج في شكل فني يغلب على معظم أو كل أفلامه كما غلبت الواقعية على أفلام عاطف الطيب مثلا أو البوليسية على كمال الشيخ أو الكلاسيكية على عز الدين ذو الفقار .. ولكن التنوع الأكثر ثراء في نوعية أفلام المخرج الواحد كان ولا شك من نصيب يوسف شاهين حيث قدم الفيلم الكوميدي في(بابا أمين) والغنائي في (انت حبيبي) والاستعراضي في ( اسكندرية نيويورك ) والسيكولوجي في (باب الحديد) والبوليسي في ( الاختيار) والسريالي في ( حدوته مصريه) والسياسي في (جميلة) والواقعي في (هي فوضى) والتاريخي في (صلاح الدين) والملحمي في (المهاجر) .

15

كما رصد في أفلامه  التحولات الاجتماعية والسياسية لمصر و ناقش الظلم والقهروالفساد و دافع عن الحق والمساواه و حرية الفكر مؤكدا على أنها (المصير) لأن  – الأفكار لها أجنحة محدش يقدر يمنعها توصل للناس ، و ربما الأقرب لعشق التنوع ذاته كان حسين كمال وشريف عرفه ولكن هناك نوعية أفلام تفرد شاهين بتقديمها حتى هذه اللحظه بين المخرجين المصريين والعرب، ما ساهم ربما في امتلاكه النسبة الأكبرمن قائمة أفضل 100 فيلم في السينما المصرية ب 11 فيلما يحمل توقيعه .

16

1- صنع من تلامذته نسخ مكرره منه

ربما يعتبر خالد يوسف ويسري نصر الله هم أشهر تلامذة المخرج الراحل وربما كان نصرالله هو الأكثر تأثرا به لكن مالا يعرفه الكثيرون هو أن عدد كبير من المخرجين المصريين بلغوا  12 مخرجا من أجيال مختلفة هم خريجي مدرسة يوسف شاهين منهم على بدرخان ، داوود عبد السيد، خيري بشارة ، محمد شبل، كمال منصور، خالد الحجر ، رضوان الكاشف ،محمد علي ، عماد البهات ، و أمير رمسيس .

والمتتبع لأعمالهم يمكن له بسهولة إدراك استقلالهم الفني بنسب متفاوته لكنها ملحوظة ومتباعده عن أستاذهم العظيم .

17

  • يوسف شاهين في سطور: من مواليد 1926 درس في كلية فكتوريا وسافر إلى الولايات المتحدة حيث درس التمثيل والإخراج في جامعة باسادينا كما عمل مع رواد السينما الإيطالية مثل أورفانيللي .
  • توفى عام 2008 بعد أن أنجز 36 فيلما روائيا طويلا و 6 أفلام روائية قصيرة .

18

مراجع :

  • سينما يوسف شاهين –    سعاد شوقي
  • سينما يوسف شاهين   –   محمد الصاوي
  • المجموعة الكاملة للناقد سامي السلاموني

19

20

21

22

23

24

25

 

27