وليد رشاد: بين الحجاب والبيكينى

اثير بقوة موضوع زى اللاعبات المصريات المشاركات فى منافسة لعبة الكرة الطائرة الشاطئية فى اوليمبياد ريو دى جانيرو، وناقش البعض القصة بموضوعية بينما استغل البعض الاخر الفرصة وتعمد توجيه سهام النقد للحجاب كزى بشكل عام ولارتدائه فى الرياضة بشكل خاص، رغم ان لاعبة واحدة فقط هى من ترتدى الحجاب وهى “دعاء الغباشى” بينما ترتدى “ندى معوض” بنطلوناً وتى شيرت باكمام طويلة، وفى البداية اوضح اننى لست سعيداً بمشاركة اللاعبات المصريات بالحجاب او حتى الزى الطويل فى الكرة الطائرة الشاطئية بل اننى اؤكد انه حتى لو شاركت اللاعبات المصريات بالبيكينى (كما طالب البعض !!) كنت ايضاً ساشعر بنفس الضيق وربما اكثر وسوف اوضح اسباب ذلك بالتفصيل.

نرشح لك: 10 صور من مباراة الحجاب والبكيني بين مصر وألمانيا

وقبل كل شئ يجب ان نسرد نبذة مختصرة عن رياضة الكرة الطائرة الشاطئية بشكل عام حتى نضع الامور فى نصابها الصحيح، بدأت اللعبة فى العشرينات من القرن الماضى فى سانتا مونيكا بكاليفورنيا فى امريكا، ولكن تمت ممارسة الرياضة احترافياً فى فرنسا حيث نظم دورى وكانت مكافئته 30000 فرانك فرنسى، وبعدها تم تنظيم بعض الدوريات الناجحة فى سانتا مونيكا والتى دعمتها شركات السجائر والجعة، وتوقفت ممارسة لعبة الكرة الطائرة الشاطئية أثناء الحرب العالمية الثانية في الفترة من 1940 وحتى 1948، وبدأت مصر ممارسة لعبة الكرة الطائرة الشاطئية فى 1992، وفي 24 سبتمبر 1994 تم الاعتراف بلعبة الكرة الطائرة الشاطئية كرياضة أوليمبية.

وبعد تلك النبذة التاريخية المختصرة يجب ان نوضح ان الكرة الشاطئية كرياضة كان الغرض الاساسى منها الخروج بالكرة الطائرة من جو الصالات المغطاة الى افق ارحب لاعطاء الفرصة لاكبر عدد لممارستها على الشواطئ دون الحاجة لتجهيزات معقدة، ولكن يبدو ان بعض شركات مستحضرات التجميل والعناية بالشعر والبشرة وجدت فى تلك الرياضة كنزاً استراتيجياً، لدرجة ان الكرة الطائرة الشاطئية صارت تنافس رياضات عريقة مثل كرة القدم والسلة والتنس على اموال الرعاية والاعلانات واصبحت عبارة عن استثمار ضخم، وتحولت اللعبة خصوصاً فى مسابقات السيدات الى ما يشبه اللعبة الاستعراضية واصبح الهدف منها ترويجياً بحتاً، حتى ان بعض منظمى البطولات اعترفوا بذلك وقالوا ما معناه ان الجماهير تشاهد اللعبة للاستمتاع بتناسق اجساد اللاعبات ولا داعى للتفسير اكثر من ذلك !!!!

وبالمناسبة عند ادراج اللعبة فى الاوليمبياد فى دورة اطلانطا 1996 حدث جدل كبير (حول نوعية الزى) بين اصحاب الفكر الترويجى واصحاب التقاليد الاوليمبية العريقة التى ترسخت منذ ايام البارون “دى كوبرتان”، والذى وضع للرياضات الاوليمبية مجموعة من المبادئ تبتعد بها عن اية شبهات سياسية او مالية او جنسية، وهو صاحب المقولة الشهيرة “إن أهم شيء فى الألعاب الأوليمبية ليس الانتصار بل مجرد الاشتراك .. وأهم ما فى الحياة ليس الفوز .. وإنما النضال بشرف”، وكان هناك اتجاه قوياً لرفض فكرة ارتداء اللاعبات للمايوهات (وبالتحديد البيكينى) خلال المنافسات ولكن انتصرت الدولارات فى النهاية !! واقتربت اللعبة من استعراضات الجمال اكثر من الرياضات البدنية واصبحت من اهم اللعبات الجاذبة للجماهير والتغطيات التلفزيونية والرعاة.

وللتأكيد على صحة ما سردناه نكتشف ان اللجنة الاوليمبية الدولية تعمدت اضافة تلك الرياضة الى الرياضات الاوليمبية ولم تضف مثلاً كرة القدم الشاطئية رغم ان الرياضتين على نفس الشاطئ !!!! وكذلك ترفض دائماً ضم لعبة كمال الاجسام باعتبارها لعبة استعراضية، بل انها رفضت مشاركة رياضة الاسكواش وهناك احتمال لاستبعاد رياضة عريقة كالمصارعة من اوليمبياد طوكيو عام 2020، لان اللجنة الاوليمبية الدولية تراعى عند الاختيار عنصر الجاذبية التلفزيونية للعبة وهو اللفظ المهذب الذى يمكن ان نطلقه على واحد من اسباب ادراج اية لعبة اوليمبياً !!

وحتى لا نتهم باننا نحمل الامور اكثر مما تحتمل فاننا نطرح بعض الحقائق التالية:

1-   لاعبات السباحة والجمباز الايقاعى والجمباز الارضى لا ترتدين مايوهات بيكينى وترتدين انواع معينة من المايوهات التى لا تظهر اجسادهن بشكل مثير، ولو كان للبيكينى اية ضرورة رياضية لارتدته بطلات السباحة او الجمباز مثلاً.

2-    لاعبات الكرة الطائرة بالصالات ترتدين زياً رياضياً تقليدياً وتبدعن فى اداء كل مهارات اللعبة، اى ان مبدأ ان الزى قد يعوق عن ادء الرياضة هو مبدأ مغلوط تماماً، لأنه طالما كان الزى مناسباً ومريحاً فانه لا يعوق اللاعبة عن اداء كل المهارات المطلوبة !!

3- بل الكوميدى ان لاعبى الكرة الطائرة الشاطئية من الرجال يرتدون تى شيرتات حمالات وشورتات طويلة، اى ان ما يردده بعض الببغاوات عندنا بانه طالما ان اللعبة تمارس على الشاطئ فيجب ان يكون زيها الرسمى هو المايوه هو كلام يكشف عن ضيق افق وقصر نظر اصحابه !!!

 

ولكى تتضح الصورة اكثر نذكر قصة “ابتهاج محمد” وهى اللاعبة الامريكية التى تشارك بإسم الولايات المتحدة فى أوليمبياد ريو دى جانيرو، وتعد أول أمريكية مسلمة من أصل إفريقى ترتدى الحجاب فى بطولة المبارزة بالسيف، والصحافة هناك توفر لها دعم اعلامي ومعنوى لكونها محجبة حتى لا تشعر إنها منبوذة داخل مجتمع مثل المجتمع الأمريكى، وتم دعوتها علي العشاء مع “ميشيل”، “باراك اوباما” فداعبها “اوباما” وسألها “مش ملاحظة ان الحجاب ممكن يمثل ضغط عليكى وانتي بتلعبى ؟!” فاجابته “الحجاب جزء من هويتى واختيار شخصى والنساء فى امريكا غير مضطرات لارتداء الحجاب لكنه قرار واعى واتخذته بنفسى”، وهو ما يعتبر نموذجاً واضحاً يعبر عن تعامل مجتمع عنصرى بطبيعته مع قضية اختلاف الثقافات والقناعات، بينما عندنا فى المجتمع المتسامح بطبيعته ينصب الجميع من نفسه حامياً للخصوصية المصرية.

 

وفى النهاية اؤكد انه رغم اعتراضى على مبدأ مشاركة لاعبات مصريات (سواء بالحجاب او البيكينى او اى زى اخر) فى رياضة يحيط بها الكمية التى اوضحناها من الشبهات وعلامات الاستفهام على المستوى الاوليمبى، الا ان هذا لا يجب ان يكون على الاطلاق فرصة لهواة الصيد فى الماء العكر، لانه يكفى اللاعبتين الشجاعة فى فرض ارادتهن على اللجنة المنظمة للبطولة وعدم خوفهن من اى سخرية او انتقادات حفاظاً على ارتداء ما يقتنعن به ويعتقدن بضروريته، ورغم رفضى لمشاركتهن لا انكر اعجابى بقوة ارادتهن، وانهن لم يتنازلن عن ما يقتنعن به لتمشية.

الحال او اقراراً لعقدة الخواجة ونظرية الدونية باعتبار ان الغرب هو اللى اخترع اللعبة واكيد بيفهم احسن مننا !!!!

نرشح لك

[ads1]