محمد سلطان محمود يكتب: اشتباك .. دائرة مفرغة داخل مستطيل أزرق

عليك أن تترك قناعاتك المسبقة خارج قاعة العرض قبل مشاهدتك لفيلم “اشتباك”، تخلى عن رأيك في توجهات ومواقف محمد دياب السياسية، عن دهشتك من دخول معز مسعود كشريك في إنتاج الفيلم، عن استسهال تكون قد وقعت فيه حين تصورت أن الفيلم تدور أحداثه حول حادث عربة الترحيلات الذي راح ضحيته 37 شخصا، وهو استسهال يقتله الفيلم في دقائقه الأولى بحديث أحد أبطاله عن وقوع الحادث في اليوم السابق.

فيلم اشتباك، تجربة تستحق المشاهدة، لو كنت من هواة الأفكار الإنسانية والتحليل للأحداث السياسية وتأثيرها على المجتمع، لكن لا يُنصح به لكارهي السياسة والباحثين عن فيلم للترفيه، وهو من تأليف خالد دياب ومحمد دياب، إخراج محمد دياب، والبطولة لأكثر من 20 ممثل منهم نيللي كريم، طارق عبد العزيز، هاني عادل، أحمد مالك، خالد كمال، جميل برسوم، أشرف حمدي، محمد علاء، مي الغيطي وأحمد داش.

الفيلم تجربة للبحث عن أسباب توتر العلاقة بين أصحاب التوجهات المختلفة في المجتمع المصري، بعد أن اجتمعوا رغمًا عن إرادتهم في إحدى عربات “الترحيلات”، لنشاهد طوال أحداث الفيلم كيف تعاملوا مع بعضهم خلال وجودهم في بيئة ثابتة، وتغير العناصر المحيطة بهم بانتقال السيارة من مكان إلى آخر.

أثناء انعزال الأبطال عن العالم الخارجي تذوب الاختلافات في الأفكار، كما تختفي الاتهامات المتبادلة ويصبحون جميعًا متشابهين، الغني مثل الفقير، المنتمي والمؤيد للإخوان مثل الكاره لهم، المجند مثل الشخص المحتجز داخل السيارة، ثم يعود كل شيء إلى بدايته مع وقوع حدث خارج السيارة التي لم تغادرها الكاميرا طوال الفيلم.

كما حاول محمد دياب خلال أحداث الفيلم إخضاع المشاهد لتجربة المرور بمشاعر متناقضة تجاه الأبطال المتنافرين مع تغير الأحداث، و تثبيت الشعور تجاه الأبطال المحايدين الذين تتغلب إنسانيتهم على انتماءاتهم السياسية والفكرية، وجميع أحداثه تقوم على فكرة إفتراض مواقف إنسانية مختلفة يقع فيها الأبطال داخل السيارة ما بين ضعف وقوة وغضب من الآخر.

واللافت للنظر أن دياب في ثاني تجاربه كمخرج يواصل التمسك بالسيارات كمكان لأحداث أفلامه، حيث دارت أحداث فيلمه الأول “678” -عن التحرش الجنسي- في أحد أتوبيسات النقل العام التي تحمل نفس الرقم، بينما تدور أحداث فيلمه الثاني بالكامل داخل سيارة للترحيلات.

من أبرز إيجابيات “اشتباك” هو الاختيار الجيد والموفق لأبطال الفيلم، وهو ما يجعل استثناء ممثل للإشادة به يتطلب فعل الشيء نفسه مع باقي الأبطال، فأكتفي بكتابة أسماء من احتفظت بهم الذاكرة وهم; نيللي كريم، طارق عبد العزيز، هاني عادل، خالد كمال، أحمد مالك، حسني شتا، عمرو القاضي، جميل برسوم، محمد السباعي، مي الغيطي، أشرف حمدي، علي الطيب، محمد علاء، محمد قلبظ، محمد عبد العظيم، محمد رضوان، أحمد داش، محمد السويسي، عاطف عمار، أحمد عبدالحميد حفني، أحمد التركي.

جميعهم أجادوا في أدوارهم، واستطاع دياب أن يدير كل تلك المواهب المجتمعة في مساحة قليلة دون أن يحدث أي خلل في الأداء والمواجهات بين الشخصيات المختلفة.

بالإضافة إلى ظهور محمد عادل كضيف شرف للفيلم، حيث يظهر في أحد المشاهد وهو يقف على سلم إحدى البنايات ويقوم بإطلاق الرصاص بإتجاه قوات الشرطة، وقد يكون في ظهوره في ذلك الدور محاولة للإشارة إلى دوره الذي قدمه في فيلم “الجزيرة 2” الذي قام بكتابته نفس مؤلفي فيلم “اشتباك”، وهي تجربة غير جديدة على أفلام محمد دياب، حيث قام من قبل بإقناع بشرى بالظهور بنفس الشخصية التي قدمتها في فيلمه “678” كضيفة شرف في إحدى لقطات فيلم “أسماء” الذي قام بإخراجه صديقه عمرو سلامة.

الفيلم يطرح عدة أسئلة افتراضية من خلال المواقف التي يتعرض لها الأبطال، لكن بقي السؤال الأكثر فلسفة دون إجابة من صناع الفيلم، وهو؛ كيف يخرج جميع الأبطال من سيارة الترحيلات دون أن يتعرض أي منهم للأذى؟

نرشح لك

[ads1]