مصطفى الجنيدي يكتب: سنة أولى حب!

كنت أصحو مبكرًا، وأهرع إلى حقيبتي التقفها على كتفي، وخلفي أصوات أمي تترجّاني أن ابتلع سندوتشات الجبنة والبيض المصحوبة بكوب الحليب، إلا أن إجاباتي بالرفض كانت تسبق خطواتي المتسارعة بحجة عدم تأخري عن موعد جرس المدرسة، وقبل أن أدلف من باب المنزل الذي كان مبنيًا بالطوب اللّبن كان يبادرني “أبويا” ـ هكذا نطلق عليه نحن الصعايدة ـ بدلاً من تمييع الاسم كـ “بابا أو بابي ـ ولا حتى father”؛ لأننا نعتبر ـ ونحن صغارًا ـ أن منْ يدلّع أبيه بمثل هذه المسميات “عيل مايص” !، قائلاً : ” استني يا مصطفى، ويدسّ في جيبي ورقة نقدية فئة العشرة قروش.

ثم تتهادي إليَّ كلماته ناصحًا اسمعها وراء ظهري”خلّي بالك من شنطتك، وكمان فلوس السندوتشات، وبطل شقاوة في الفصل، أردد متلهفًا قبل أن أتوارى مختفيًا ” حاضر .. حاضر.

وهناك بجوار “وابور الميّه” تلوح من بعيد أسوار مدرستي، تلك المدرسة التي تهدمت أسوارها، ولم يعد الاعتناء بها إلا نادرًا، ندخل الفناء الكبير ونصطف لتحية العَلم وتنتابنا السعادة عند يعلن عن أسماء الفائزين في مسابقة رسم أو موضوع تعبير أو إجادة في جماعة الصحافة المدرسية بأن يتم الإعلان عن الفائز بـ “علبة هندسة” أو علبة ألوان أو حتى قلم رصاص، فهذه الجائزة رغم بساطتها إلاّ أنها كانت تحمل كثيرًا من الفخر والاعتزاز بين الزملاء الذين يبادرونك بالتهنئة قائلين ” ورينا كده أخدت إيه، ومنهم مَنْ يرمقك بحسد ومقللاًَ من جائزتك ” مسطرة وفرحان بيها قووووي”.

وعندما تأتي الفسحة ويضرب الجرس نتسابق إلى “حوش المدرسة”؛ لالتهام ما حملته “الشنطة” من “رغيف شمسي أو “فايش” أو قنابل صغيرة تسمّى عندنا بـ “الكشك” وهي أكلة قليل من عبادي الشكور يعرف طعمها، إلى أن نفاجئ، ونحن نلتهم بنهم ما بحوزتنا من أكل بيتي، بقطيع من الخرفان يغزونا ويقطع جلستنا تحت أنقاض أسوار المدرسة التي نسعد حين نغادرها إلى الشارع ونحزن عندما ندخلها، خاصة لو لم نكن قد كتبنا ما علينا من واجبات .

أما الفرحة الوحيدة التي كانت السبب في استيقاظي مبكرًا والهرولة إلى المدرسة دون حتى أن أتناول الإفطار، هو موعدي مع الحبيبة ذات “المريلة الكحلي” وهي دون الـ 12 عامًا، حبٌ طاهر ونقي وعفيف نتبادر ضاحكين، نسعد حينما نلتقى، نسترق النظرات والمدرس منهمك في الشرح، نتغامز عندما نجيب على أسئلة صعبة يطرحها مدرس العلوم، نغضب حينما يتعرّض احدنا لعصا المدرس؛ لتأخير عن الحصة كان، أو لم يقم أيّا منا بكتابة الواجب، فعلى الرغم من انقضاء العمر واشتعال الرأس شيبآ، فعندنا يمر طيف هذه الأيام في سنوات الحب البرئ، وتداعي إلينا نسائم العمر الجميل، نردد جميعآ في صوت رخيم وحميم ما قاله فاروق الشعر “جويدة” :

وغدًا تسافر كالرياح عهودنا

ويعود للحن الحزين شراعنا

ونعود يا عمري نبيع اليأس في دنيا الضلال

ونسامر الأحزان نلقي الحلم في قبر المحال

أيامنا في الحب كانت ..واحة

نهرًا من الأحلام فيضا من ظلال

والحب في زمن الضياع سحابة

وسراب أيام وشيء من خيال

ولقد قضيت العمر أسبْح بالخيال

حتى رأيت الحب فيك ِ حقيقة

سرعان ما جاءت، وتاهت .. بين أمواج الرِّمال ..!

 

نرشح لك

[ads1]

كمال أبو رية: لهذا السبب انفصلت عن ماجدة زكي

رانيا بدوي تبكي بسبب عمرو أديب

ايهما أفضل فيلم “كابتن مصر” ام فيلم “جحيم في الهند” ؟ اضغط هنـــا

بنر الابلكيشن