أحمد حسني يكتب: لا تنفخوا في نار الطائفية

طوال الأسبوع الماضي وأنا أتابع ما يدور في قريتي “طهنا الجبل” بالمنيا، من تبعات للحادث الذي راح ضحيته شاب مسيحي، وأصيب 3 آخرون، إثر مشاجرة بين مسلمين ومسيحيين، وكل يوم يزداد خوفي على أهلي وأبناء قريتي بشكل خاص، وعلى مصر بشكل عام، فحالة الاحتقان بين الشباب تتصاعد ساعة بعد الأخرى، على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”.

مسلمو القرية يرفضون توصيف ما حدث بـ”الفتنة الطائفية”، يقولون إن بعض الشباب المسيحي رفض السماح لعدد من الأطفال، لم يكمل أكبرهم عامه السادس عشر، وكانوا يستقلون عربة كارو، بالمرور في الشارع، واعتدوا عليهم، وأن أحد الأطفال استنجد بشقيقه، الذي يبلغ من العمر نحو 20 عاما، وتحول الأمر إلى مشاجرة انتهت بإخراج الشاب المسلم سلاحا أبيض من ملابسه، وضرب المسيحيين الأربعة، “دفاعا عن النفس”، وأن الواقعة لم تصل إلى حد الفتنة الطائفية.

الشرطة وتحقيقات النيابة تؤكد رواية المسلمين، وروايات بعض المسيحيين التي نقلتها وسائل الإعلام تقول إن الأطفال الذين كانوا يستقلون العربة الكارو سبوا القس المسيحي، ربما يكون ذلك حدث، لكن هل يستوجب ذلك الاعتداء عليهم وهم أطفال، إلى حد ضرب أحدهم بالحذاء، ما يجبر أهلهم على التدخل لحمايتهم؟، وهل يستوجب أيضا اعتداء المسيحيين على الأطفال، معاقبة أحدهم بالقتل؟.

ما حدث يوم الواقعة بالنسبة لنا مكررا، فكثير ما تحدث مشاجرات بين المسلمين والمسيحيين، تكون أسبابها عادية، وبعيدة عن الطائفية، ومع استدعاء كل طرف لمناصريه يتحول الأمر إلى طائفي، لكن الخطر هذه المرة ما يحدث من تراشق وتلاسن بين شباب القرية على موقع “فيس بوك”.

من لم يترب في بلادنا لن يفهم ما يقلقني، فقريتنا تعتبر من المجتمعات المغلقة، درجة الاحتكاك بين الطرفين فيها كبيرة جدا، البيوت متلاصقة، والأراضي الزراعية متداخلة، والمواصلات العامة تقل الجميع إلى أعمالهم ومدارسهم وجامعاتهم في أوقات محددة، ولا يمكن أن يمر يوم على أحد، دون أن يرى أفراد الطرف الآخر كثيرا، وربما أكثر من أهله.

في بداية الحادثة، تعاطف كثير من المسلمين مع الشاب المتوفي وأهله، الدماء غالية ومقدسة، ولا يمكن لأحد أن يفرح لإراقتها، خاصة في بلادنا، لكن سرعان ما انقلب هذا التعاطف بسبب ما يحدث من تراشق على موقع “فيس بوك”.

وفي الحقيقة لم أفهم لماذا انقلب المتعاطفون بهذه السرعة، حتى أرسل لي شقيقي “برينت سكرين” لما يكتبه مسيحيو القرية على صفحاتهم، كلماتهم تنضح بالطائفية والشتائم موجهة للجميع، أقلها أنهم يصفون الإسلام بـ”الدين الإرهابي” وجيرانهم المسلمين بـ”الدواعش”، وهو ما آثار حفيظة المتعاطفين من الطرف الآخر، وقد تراجعت عن كتابة الشتائم حتى لا أكون قد شاركت فيما يحدث من تهييج.

ربما تقول إن رد فعل الشباب المسيحي مبرر، فقد تعرض بعضهم للقتل والإصابة، لكن تعميم العقاب خطأ، واستهداف الدين لا البشر المخطئين جريمة ثتير مشاعر الآخرين، وتهدد السلم الاجتماعي.

إن كان ما حدث مشاجرة عادية فالدولة هي المسئول الأول عن إقرار السلم والاستقرار فى القرية ومعاقبة الجاني، وإن كانت “فتنة” فالدولة متهمة بالتقاعس عن مواجهة الاحتقان الطائفي الذي عشش فى النفوس منذ زمن بعيد، لا بالقانون فقط، إنما بإعادة صياغة المناخ الثقافي بما يسمح بالتعايش بين الطرفين.

“لا الإسلام دين إرهابي ولا المسيحية كفر”، إن لم يسلم الجميع بهذه الحقيقة ويقرها كقاعدة فى التعامل مع الآخر فنحن مقبلون على مأساة، ستأتي على الأخضر واليابس.

الاحتقان تمدد والأمر يقترب من الانفجار، وبدا ذلك واضحا من تعليقات المسيحيين على تصريحات قيادات الكنيسة، يكفيك أن تقرأ تعليقات الشباب القبطي على البيان الذي نشرته الكاتدرائية حول لقاء البابا تواضروس الثاني بالرئيس عبدالفتاح السيسي، على هامش تخريج دفعة الكلية الحربية، لتكتشف أن الاحتقان وصل بالأقباط إلى حد التجرؤ على البابا، وهو أمر غير مسبوق وينذر بخطر.

ورغم رفضي لتدخل رجال الدين فى مثل هذه الأمور، وأنه لابد من ردها إلى القانون فقط، لكن لأن خضوع المسيحيين لرجال الدين أكبر من خضوهم للقانون، فلابد من تدخل الكنيسة لوقف الملاسنة.

بالتأكيد هناك من ينفخ في النار من الطرفين، البعض يريدها أن تشتعل أكثر، لكن الوطن كله سيدفع ثمن ذلك، ونحن لا نطالب بأن يفلت الجاني من العقاب، لكننا نريد إخطاع الجميع تحت طائلة القانون.

نرشح لك

[ads1]

هذا ما فعلته C.A.T في عامها الأول

إعلامية مصرية تغير اسمها!!

ايهما أفضل فيلم “كابتن مصر” ام فيلم “جحيم في الهند” ؟ اضغط هنـــا

بنر الابلكيشن