وليد رشاد يكتب: مراسل "عمرو أديب"

خبر رحيل الاعلامى الكبير “عمرو اديب” عن شبكة قنوات اوربت بعد عطاء استمر قرابة 20 عاماً شكل صدمة للعاملين داخل الشبكة كما شكل نفس الصدمة لدى جمهوره ومتابعيه فى كل انحاء العالم العربى من المحيط للخليج، تعودنا كعاملين فى الشبكة على تلقى اخبار واشاعات مشابهة من وقت لاخر حول رحيل “عمرو اديب” وكنا نتلقاها بنوع من السخرية، باعتبار ان العلاقة بين “عمرو اديب” واوربت هى علاقة زواج كاثوليكى فاوربت لا تستغنى عن “اديب” وهو لا يجد نفسه فى غير اوربت، حتى انه عندما اجرى حواراً صحفياً قبيل ثورة يناير ذكر فيه انه لن يترك اوربت حتى لو اختاروه رئيساً لجمهورية القنوات الفضائية.

لكن هذه المرة كانت الامور تبدو مختلفة فقد تلقيت الخبر فى العيد (او الاشاعة وقتها) بمزيج بين الشك والتصديق وليس بالسخرية المعتادة، لان الشواهد كانت تؤكد رحيل “عمرو” ففى اخر حلقاته يوم الاحد 28 رمضان بدا كمن يودع جمهوره ويستعرض انجازات البرنامج بل ويعتذر لجمهوره عن ارتفاع صوته او حدته فى بعض الاحيان، كذلك لم يكن معتاداً ان يلتقط “عمرو” صورة تذكارية مع جميع العاملين فى الاستوديو فى شهر رمضان وعندما تم التقاط تلك الصورة شعرت ان الامور تبدو جادة، لا سيما مع اصرار “عمرو” على حضور افطار القناة فى الجمعة الاخيرة من رمضان والتقاطه ايضاً الصور التذكارية مع كل الموجودين.

وبعد ان اصبح الخبر شبه مؤكد تداعى الى ذهنى شريط طويل من الذكريات منذ اول تقرير قدمته فى برنامج القاهرة اليوم عام 2002 بعد ايام قليلة من انضمامى للشبكة، عندما اقنعت المخرجة “عزة شعبان” منتج ومخرج البرنامج وقتها “طارق الكاشف” باننى موهوب ومثابر وانهم يحتاجون الى شباب مثلى لضخ دماء جديدة فى البرنامج، وبعدها اقتنع بموهبتى وقدمنى على الشاشة وراهن الجميع على نجاحى كمراسل وقبيل رحيله من القناة اكد لى ما معناه انه كسب رهانه وكانت تلك من اكبر شهادات التقدير التى حصلت عليها فى حياتى، وبعد ظهورى على الشاشة انطلقت لاصنع لاول واهم واقوى برنامج توك شوو عربى مئات بل يمكن الاف التقارير فى كل المجالات سياسية واجتماعية وانسانية وفنية ورياضية وطبية بل وساخرة ايضاً واصبحت المراسل الاغزر انتاجاً فى تاريخ البرنامج، مررت تقريباً مع “القاهرة اليوم” بكل المراحل باستثناء مرحلة ضربة البداية وعشت معهم كل الايام الحلوة والصعبة خصوصاً تلك الفترة التى تم فيها ايقاف البرنامج بقرار سيادى، لكننى كنت اشعر وقتها براحة ضمير وباننى قلت ما يجب ان اقوله وان الارزاق على الله، وكذلك عاصرت عشرات الوجوه على شاشة البرنامج من مذيعين ومراسلين وخبراء وممثلين وتبدلت الوجوه مرات عديدة، ولم يستمر ثابتاً على شاشة البرنامج طوال تلك السنوات الطويلة غير “عمرو اديب” والعبد لله، بالاضافة للفنانة “رجاء الجداوى” مقدمة اشهر فقرة فى البرنامج والفقرة الوحيدة الثابتة منذ ظهور البرنامج وهى فقرة “اسألوا رجاء”، رحل الكثيرون وجاء غيرهم بل ان البعض ذهب وعاد مرة اخرى ولكن استمرت تجربتى مع “عمرو اديب” كتجربة مميزة ومتفردة، لدرجة جعلتنى حالياً اقدم مراسل لبرنامج توك شوو فى العالم العربى او بكلمات اخرى اقدم مراسل مستمر مع برنامج تلفزيونى منذ ظهور برامج التوك شوو فى العالم العربى، او كما يحلو لبعض المراسلين الشباب ان ينادونى بشيخ المراسلين، حتى عندما اراد المراسلون اختيار رئيساً لرابطة مراسلى مصر وافق الجميع على اسمى بالتزكية.

شبكة قنوات اوربت لم تكن ابداً قنوات تقليدية بل كان لها دائماً ستايل خاص يميزها عن غيرها من القنوات ربما بسبب تشفير قنوات الشبكة او طبيعة الجمهور او الادارة، لذلك كان دائماً من الصعب ان يظهر احد على شاشة اوربت بل ان البعض كان يحلم بمجرد الظهور على شاشة القناة وخصوصاً فى برنامج “القاهرة اليوم” ولو لمرة واحدة او لثوان معدودة، الا ان احلامه ذهبت ادراج الرياح امام دقة ادارة القناة التى كانت دائماً تضع معايير صعبة فى الاختيار لدرجة اننى مررت باختبارات عديدة ومتكررة حتى اتمكن من الظهور فى البرنامج، ورغم صعوبة اجتياز اختبارات الظهور الا ان عمر البرنامج الطويل اتاح ظهور وجوه متعددة على الشاشة سواء مذيعين او مراسلين معظمهم الان نجوم العمل الاعلامى فى اماكن مميزة، ومنهم مع الاحتفاظ بالالقاب “نيرفانا ادريس”، “خالد الجندى”، “خيرى رمضان”، “مفيد فوزى”، “عزت ابو عوف”، “احمد موسى”، “حمدى رزق”، “محمد شردى”، “شافكى المنيرى”، ” ضياء رشوان”، ” خالد ابو بكر” واخيراً “رانيا بدوى”، “مريم امين” بالاضافة الى الراحل “حسين الامام”، “هالة فاخر”، وكثير من المراسلين اشهرهم حالياً “انجى المقدم”، “سارة حازم”، “شيرين سليمان”، لكن ظل “عمرو اديب” دائماً هو قائد الجوقة او المايسترو الذى ينظم ايقاع العمل، حتى فى الحلقات التى غاب فيها لظروف خاصة كان حاضراً معنا بروحه واسلوبه، وقد كنت حاضراً فى كل الاوقات والفترات ومع كل مقدمى البرنامج ومررت بايام صعبة بل وخطيرة احياناً الا اننى اعتز بتلك الرحلة وذلك العطاء، وما زلت اذكر التقارير التى قدمتها قبل ثورة يناير فى عام 2010 وكانت من ضمن اسباب زيادة وعى الناس وادراكهم لحجم الفساد فى البلاد وبعدها نزولهم ثائرين وغاضبين فى ايام ثورة يناير، ولا يمكن ان انسى اننى كنت مراسل اخر تقرير فى اخر حلقة هواء قبل اغلاق البرنامج من قبل نظام مبارك فى اواخر رمضان 2010، وكان تقريراً عن اسرتين يعيشون معاً فى شقة واحدة متواضعة وضيقة بحمام مشترك فى منطقة الدويقة، واكدت لى احدى الامهات ان الاولاد ينامون تحت السرير لعدم وجود مكان !! واتصلت بالبرنامج بعدها مشاهدة كريمة وطلبت منى ان تتبرع للاسرتين بشقتين فى اى مكان جيد، وكان من حسن حظى ايضاً ان يكون التقرير الوحيد الذى اذيع فى حلقة عودة البرنامج فى فبراير 2011 بعد تنحى مبارك هو تقريرى من ميدان التحرير عن احتفال الناس وذكرياتى مع الثورة.

وكذلك لا يمكن ان انسى مجموعة التقارير والتغطيات التى قدمتها فى فترة من اصعب فترات مصر، كنت اعلم وقتها جيداً ان حياتى قد تكون ثمناً لتلك النوعية من التقارير ولكنى كنت اعتبر ذلك واجب مهنى ووطنى فى ذات الوقت، عندما كنا نظن ان الفساد انتهى وعلينا ان نعيد بناء البلد بالحقائق والعمل (قبل ان نكتشف بعدها ان الفساد مثل مستر اكس لا يموت بسهولة !!)، وكنت حريصاً ان انقل لمشاهدى “القاهرة اليوم” الذين اعشقهم كل الحقيقة سواء من محمد محمود او ماسبيرو او التحرير او القصر العينى او العباسية او الاسكندرية او الاتحادية او كوبرى القبة او المقطم، كنت اقدم المداخلات والتقارير وخلفى دوى وغبار قنابل الغاز وربما طلقات الرصاص الحى، لدرجة وصلت الى اعتراض ادارة القناة متمثلة فى الاستاذ الخلوق “مصطفى السقا” والذى رفض باصرار فى احدى المرات عودتى لمكان الاحداث خوفاً على حياتى، ولا يمكن كذلك ان انسى ايضاً تقريرى التاريخى عن اراء المتواجدين امام دار الحرس الجمهورى يوم 3 يوليو 2013 والذى عرض قبل لحظات من اعلان وزير الدفاع وقتها “عبد الفتاح السيسى” عزل الدكتور “مرسى” وتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار “عدلى منصور” الحكم بصفة مؤقتة.

طوال تلك الرحلة كنت دائماً فخوراً بانتمائى لبرنامج “القاهرة اليوم” ذلك البرنامج الذى اثر فى حياة مصر السياسية المعاصرة وساهم فى اسقاط نظامى حكم متتاليين، ورغم اعتزازى بالبرنامج الا ان ذلك لم يمنع الكثيرين من البسطاء وربما المسئولين والمشاهير ان يصروا على وصفى بلقب مراسل “عمرو اديب”، صحيح اننى افتخر بالانتماء لبرنامج “القاهرة اليوم” وشبكة قنوات اوربت بشكل عام الا اننى ايضاً كنت ولا زلت سعيداً حينما ينادينى احدهم بلقب مراسل “عمرو اديب”.

نرشح لك

[ads1]

وليد رشاد يكتب: الرابحون والخاسرون في سباق رمضان

المعلومات المتاحة عن منفذ هجوم نيس

صحف فرنسا تتحدث عن الرعب في نيس

الأزهر مهاجمًا لعبة البوكيمون : تجعل الناس كالسكارى

بنر الابلكيشن