لينا مظلوم تكتب: الإعلام في حسابات البيع.. الشراء.. التحالف

نقلا عن البوابة

فى إطار التحولات التى شهدتها الساحة الإعلامية خلال الأسابيع الأخيرة وسيتكشف المزيد عن خفاياها على صعيد كلا الشقين الاقتصادى والمهنى.. نجحت الدعوة التى أطلقها الإعلامى القدير أسامة كمال لتنظيم مسيرة حملت شعار (معًا من أجل الحياة)، تضامنًا مع حادثة الطائرة المصرية، فى تقديم أهم نموذج للدور الإعلامى المرجو أن يكون ضمن أهداف هذه التغييرات.. حيث اجتمع حول «قلب» مصر كل الأطراف العربية والدولية المتحضرة فى مسيرة اتسمت بكل مظاهر الرقى.

أبرز الملاحظات على المسيرة تجسدت فى الالتفاف الشعبى الهائل حول وزير الطيران شريف فتحى تقديرًا له على الكفاءة التى أدار بها – مهنيا وسياسيا – أزمة الطائرة المنكوبة منذ اللحظات الأولى ونجاحه فى مخاطبة الإعلام الغربى بلغة قائمة على حقائق مهنية مقابل «هستيريا» الشائعات التى انطلقت من معظم هذه المنابر الإعلامية، ورغم ذلك أتيحت لى فرصة التأكد من الوزير أن قناة مثل (سى إن إن) تجاوزت عن بث الكثير من تصريحاته واكتفت بما يدعم مزاعمها. نجاح المسيرة بكل المقاييس هو نموذج لطبيعة الدور المهنى للإعلام الذى تكررت الإشارة إليه فى البيانات التى صدرت عن التحالفات الإعلامية الجديدة.

على الصعيد المهنى كل الشعارات البراقة التى حملتها البيانات لن تنجح فى انتشال سوق الإعلام المرئى من فشل «المكلمة» المنعقدة يوميا على شاشاته إذا لم تعتمد جديا على الكفاءات المهنية أولًا عن طريق إعادة الحياة إلى مهنة الإعداد بعدما أصبحت تُدار بأسلوب «مقاولى الأنفار».. تحكمها المجاملات والاعتماد على قائمة أسماء مكررة يتداولها العاملون فى كل الفضائيات.. بصرف النظر عن أى اعتبارات مهنية أخرى. ثانيًا بالنظر إلى ما يمكن اعتباره الشق الإيجابى لهذه التحالفات والصفقات فى تحقيق التعددية بما يضفى على المناخ الإعلامى قدرًا من التنوع.. يفرض تحقيق هذا الهدف إجراء تغيير جوهرى – وليس فقط شكليًا – فى المضمون.

الفضائيات الخاصة اكتفت عبر الأعوام الماضية بحالة الترهل التى فرضتها سيطرة أسماء محددة على شاشاتها.. وجوه انشغلت بالمحافظة على وهم «الزعامة» و«النجومية» دون التفكير فى تقديم أى بادرة حقيقية تعكس الدور المهنى كما فعل الإعلامى القدير أسامة كمال. كل الوعود البراقة التى تضمنتها البيانات لن تكون لها قيمة أكثر من الحبر الذى كُتِبت به ولن تتجاوز صفة كونها مجرد مناورات بين رجال أعمال إذا لم تقترن بعملية «غربلة» دقيقة تحكمها الاعتبارات المهنية فقط بعيدًا عن كل الذين استخدموا «سلم» الإعلام مجرد وسيلة لتحقيق نجومية السينما أو الزعامة السياسية!.

الشق الاقتصادى لكل التغييرات التى تشهدها السوق الإعلامية ما زال يحيطه الغموض وعدم الشفافية.. من المؤكد أن تراجع المهنية وبالتالى نسب المشاهدة دفع هذه القنوات نحو أزمة مالية كما أن تكرار تعبير فصل الملكية عن إدارة القناة لا يغير الواقع الذى يؤكد وجود دوافع أخرى لدى ملاك هذه القنوات سواء الدفاع عن مصالحهم الاقتصادية أو الاقتراب من دوائر صنع القرار السياسى. حتى إشكالية تراجع حسابات المكسب والخسارة أمام فوائد قوة التأثير التى تحققها هذه المنابر لخدمة مصالح أصحابها لم تمنع ملاك القنوات من إيجاد صيغ أخرى للدخول ضمن تكتلات تمنحهم المزيد من مساحة التأثير الاقتصادى.

على الصعيد السياسى.. منذ اليوم الأول لتولى الرئاسة لم تتغير رسائل ومناشدات الرئيس السيسى إلى الإعلام حول التمسك بالموضوعية والحقائق.. كما أثبتت الأيام صدق مقولة الرئيس عن عدم وجود «شلة» مقربين له سواء من الإعلام أو المهن الأخرى، بالإضافة إلى المنظومة التى شكلتها مؤسسة الرئاسة فى التواصل مع الإعلام وتدار بكل مقاييس المهنية والتنظيم.. كل هذه الشواهد تؤكد عدم جدوى أى محاولات للضغط أو التأثير على القرار السياسى عبر وسائل مخاطبة الرأى العام. من الثوابت البديهية أن المجتمع لا يملك حق مساءلة أو تتبع ثروات رجال الأعمال فى وجود قوانين تراجعها لكن مخاطبة الرأى العام بالتأكيد تستدعى وقفة أو مراجعة لبعض التفاصيل المتعلقة بتمويل هذه الصفقات.. لدينا رجال أعمال قاموا ببيع أو شراء قنوات مصرية دون الكشف عن إذا ما كان تمويل هذه القنوات سيقتصر على رجال أعمال من مصر أو ستشمل شراكة مع رجال أعمال من الدول العربية؟.. خصوصًا أن التعامل المالى لبعض رجال الأعمال لا يصل إلى حجم تمويل كيانات إعلامية ضخمة.

بعيدًا عن نزعات التعصب أو «الشوفينية» تظل أهمية الحاجة إلى طمأنة الرأى العام بمزيد من الوضوح والشفافية حتى لا يجد المشاهد نفسه فى يوم أمام مسخ إعلامى كالذى تبثه (سى إن إن) أو (بى بى سي) أو الجزيرة.

بارقة الأمل فى الخريطة الإعلامية الجديدة التى تتشكل ملامحها تكمن فى إيجاد حلول مواكبة للصفقات الاقتصادية تسعى إلى معالجة الأزمات المهنية التى تواجه الفضائيات الخاصة، والنظر عند تشكيل كوادرها الإعلامية إلى عناصر المهنية والتطوير لانتشالها من الترهل الذى أصاب مفاصلها نتيجة المجاملات والوساطة.

بنر الابلكيشن