شيماء جلال تكتب : شباب فى محرقة التجربة

 

“حد ضامن يمشى آمن أو مآمن يمشى فين”، هل تعرفون أن الخوف أحد مراحل صناعة الغضب؟، وهل تعرفون أن الغضب هو الدافع إلى التصرف دون عقل؟.

عندما تزرعون الشباب فى أرض الخوف، لن تجنو سوى الغضب، فى ظلمة الزنزانة يتحول الخوف إلى كراهية وحقد، ويتحول المحبوس إلى قنبلة موقوتة لا يحكمها العقل، ولا تفيد معها الأعذار والمبررات، ولن توقف مؤشرات غضبها أي مشاريع  تنموية أو تسهيلات أو قروض.

فى الزنازين تتغير ملامح الروح، وتتبدل ملامح الوجه، فتغيب الابتسامة، وتحل بدلا منها خطوط الحزن والغضب.

تمهلو، وانظرو إلى التجارب التى تزجون فيها هذا الشباب، حتى يمكنكم تحليل أسباب ردود الفعل الغاضبة تجاهكم، فالتجارب وحدها هي ما يشكل طريقة تفكير الإنسان.

لا أتحدث هنا عن الشباب ذو الانتماءات السياسية، رغم أن الانتماء السياسي لا يعطي لأحد الحق في التنكيل به، فهم على الأقل سلكوا دروب السياسة بإرادتهم، ويعرفون مسبقا ما قد يتعرضون له، لكن أتحدث عن الشباب العابر فى أرض التعبيرعن الرأى، والباحث عن الشعور بذاته، أتحدث عن شباب تزرعون في قلبه الخوف، لمجرد أنه حاول التعبير عن رأيه، يتحول في النهاية إلى غضب تجاه الجميع.

أي قنبلة بشرية تتفنون فى صناعتها بالحكم على شاب بأن يقضي 5 سنوات من عمره في السجن، لمجرد أنه خرج يعبر عن رأيه فى قضية تخص التراب الوطنى، بغض النظر عن اتفاقكم أو اختلافكم معه.. خمس سنوات هي مدة كافية لنقله من عذوبة الشباب إلى هموم الكهول، ومن اعتدال التفكير إلى قمة التطرف، لأنه لم يعد لديه ما يخسره.

تحت بند “الاحتراز”، جرت العديد من حملات القبض العشوائي على الشباب من الشوارع، فهل يبرر “الاحتراز” ذلك الخوف الذي زرعتوه فى قلب طفل لم يتعد الخامسة عشر من عمره، عندما التقطته يد أحد المخبرين، وألقت به فى ظلام المدرعة، فجلس مرتعدا يراقب تزايد أعداد المقبوض عليه معهم، دون أن يتمكن من رؤيتهم في الظلام، بينما كان كل منهم يشم رائحة الخوف في أنفاس جاره.

القبض على فرقة شبابية تحمل اسم ” أطفال الشوارع”، كل ما تملكه كاميرا موبايل، وأكبر أعضائها عمرا لا يتجاوز الـ19 عاما، لأن حجم التفاعل معهم على مواقع التواصل الاجتماعي أثار قلق الأجهزة الأمنية، فكانت النتيجة هي المزيد من التفاعل معهم بعد القبض عليهم، وأصبح الآلاف يتناقلون الفيديوهات التي أنتجتها الفرقة، والمحملة بالنقد اللاذع والسخرية التي يتقنها أبناء هذا الجيل.

هل الحل لوقف الانتقادات والسخرية هو توجيه الاتهامات لأعضاء فرقة شبابية تندرج تحت قانون الإرهاب؟!!، هل ستتوقف السخرية والنقد بحبس هؤلاء الشباب؟.. بالطبع لا، فالمئات سيحلون محلهم.. الحل إذن هو دراسة ما يثير سخريتهم، والالتفات بجدية إلى انتقاداتهم، طالما أنهم وجدوا الآلاف يتفقون معهم فى الرأي، ويشاركون فيديوهاتهم  الساخرة.

فيديوهات “أطفال الشوارع” كانت هي الطريقة التي اختارها أعضاء الفرقة للفت أنظاركم إلى رأيهم، هي نوع من المشاركة التى تطالبونهم بها، لكنهم اختاروا آلية المشاركة الخاصة بهم، واختاروا لغة هي الأقرب لجيلهم، فخذوا ملاحظاتهم وكلماتهم مأخذ الجد، وصححوا أنفسكم، أو ردوا على انتقاداتهم بشكل عملي، وخاطبوهم بلغتهم، استخدمو كلماتهم وموسيقاهم في الرد عليهم، فالحالة تستحق الدراسة، ولن ينهيها الحبس.

مطاردة الكلمات الساخرة وأصحابها لن يقضى على الاختلاف، فهذا الجيل سيتفنن في صناعة عالمه الموازي، الذي لن تستطيعوا الوصول إليه، فتصبحون بمطاردته كمن يحاول أن يفرغ البحر من مائه، أو يمسك الريح بقبضة يده.

يقلقكم شباب الألتراس، ويثير دهشتكم تماسك التنظيم؟!، ادرسوا ما مر به من تجارب ولحظات خوف جمدت الدماء فى عروقهم، عندما كان أفراده في ستاد بورسعيد، وستاد الدفاع الجوى، فمن نجا منهم لن ينسى ما شاهده طوال حياته، وستظل لحظات الخوف والغضب رابطا بينهم، لتشكل رابطا نفسيا أقوى بكثير من تشجيعهم لفريق كرة قدم.

تزرعون الخوف فى القلوب، عندما تستوقف الحملات الأمنية الشباب، وتفحص هواتفه المحمولة، وتستعرض ما يكتبه على الحساب الشخصي بمواقع التواصل الاجتماعي، وتفتح الرسائل المتبادلة بيه وبين أصدقائه وأسرته.. وبعد هذه الحملات قد يتوقف بعض الشباب عن توجيه الانتقادات التي يشعر بها، وقد تحل بدلا منها عبارات مؤيدة ومهادنة، لكنكم بهذا تخلقون لأنفسكم رأيا عاما مخادعا، لا علاقة له بالواقع.

تقفون في حيرة، وتتساءلون “لماذا لا يمكننا التواصل مع الشباب؟، طرقنا كل الأبواب، ووفرنا فرص العمل، وأقمنا المشاريع، واستضفناهم، واستمعنا إليهم، دون أن نتمكن من التواصل معهم”.. ربما تحتاجون إلى دراسة نفسية هؤلاء الشباب، ودراسة الأثر النفسي لما يتعرضون له من تجارب تلقونه فى محارقها.

يقر الرئيس بتجاوزات سببها الخيارالأمنى الضاغط فى ظل موجات من الإرهاب، ويوجه تعليماته بمراجعة كشوف المحبوسين ظلما مرة واثنين وثلاثة، كما أصدر قرارات بالإفراج عن 4 دفعات منهم حتى الآن، وهي دفعات ضمت مئات الشباب، لكن في المقابل تدخل السجون دفعات جديدة، تنتظر دورها فى مراجعة الكشوف، وعندما يتم الإفراج عنها، لن تكون ممتنة للرئيس ولا للدولة، ولن يوجهو الشكر لأحد، ولن تفرح الأمهات بينما تستقبل “بقايا شباب”.

لدينا تجربة سابقة في صناعة الغضب، حدثت في تسعينات القرن الماضي، مع موجة إرهاب الحركات الاسلامية، حيث تم القبض على مئات الشباب على سبيل الاحتراز والتحقيق والتحري، فخرجوا من السجون أكثر تطرفا، ما نعاني من ويلاته اليوم، والغريب أن هناك من يصر على استنساخ نفس التجربة السابقة بكل تفاصيلها، دون أن يفكر في أنه لا سبيل إلى التصالح مع الشباب، طالما استمر دوراننا في نفس الدوائر المغلقة، وطالما استمر إلقاء الشباب في محرقة التجربة المرة.