شيماء جلال تكتب: شباب.. مبيقولش لأ

ماهى مواصفات الشباب الذى تريده الدولة؟، مواصفات الشباب الذي يستحق لقب “الشباب الوطني” في نظر الأجهزة الأمنية؟.

هل هو الشباب “اللي مبيقولش لأ؟!!”، ويتفق مع وجهة نظر النظام على طول الخط.. الشباب الأليف، فلا خلاف ولا اختلاف.. الشباب المضبوط على موجة “نعم”.. الشباب الذي يوقع على بياض للنظام، دون أن يفهم الفارق الشاسع بين التأييد والتطبيل، الاقتناع والادعاء، التوعية والتدجين.

الكتالوج الرسمي لشباب التأييد المطلق انتهى مع سقوط نظام مبارك، وعقب ثورتين، أصبحت هناك تركيبة شبابية مختلفة لابد أن يتعامل معها النظام السياسي كأمر واقع، وأن يجد صيغة للتواصل معها واحتوائها، وأن يوضح لأجهزته الأمنية أن الاختلاف ليس جريمة ولا خيانة، وأن النقد ليس إهانة.

تعانى الدولة من حالة فصام بين ما تطرحه من رؤى نظرية فى تعاملها مع الشباب، وما يتم تطبيقه عمليا على الأرض، تؤكد على اتساع مساحة الحرية، واحترام وجهات النظر المتباينة، تدعوه للمشاركة السياسية، وتتململ مع أول بوادرالاختلاف فى الرأى أوالتعبير عنه !!.

تصر الدولة على الانتصار بالضربة القاضية في كل الأزمات، دون أن تضع الشباب في حسبانها، وتأبى أن تقدم بعض التنازلات فى معاركها لاستيعابهم، فالخصومة مع أشخاص بعينهم تعميها عن الالتفات إلى تشابك بعض الخيوط مع الشباب، كأحد أطراف هذه الأزمات، ما يستوجب التعامل بـ”مشرط الجراح” الدقيق.

يفوتها أن الانتصار الحقيقي في احتواء الشباب، بوصفه أحد أهم وأكبر القطاعات الشعبية، والوقود الرئيسي لأي تحرك شعبي، ويفوتها أن ما تعتبر انتصارا، باستعداء الشباب، هو الهزيمة الكاملة.

يجب أن تتفهم الدولة وأجهزتها التركيبة النفسية للشباب، الذي يحتاج إلى الشعور بالانتصار فى بعض معاركه، سواء مع النظام، أو في محيطه الأصغر، “النقابي” أو “المؤسسي”، ويحتاج أن يكون عنصرا فاعلا فى المعادلة، دون أن تكتم الأجهزة الأمنية على أنفاسه، بدعوى هيبة الدولة.

لا تعي الأجهزة الأمنية خطورة سقوط الشباب في متوالية الهزائم النفسية، سواء شباب الأطباء، أو الصحفيين، أو المحامين إلخ، لكن لابد أن ينتبه لها صانع القرار السياسي إلى هذه الخطورة، فهو من يتحمل في النهاية تكلفة غضب الشباب.

الكارثة الكبرى الآن، هي تفويض الأجهزة الأمنية لإدارة الأزمات السياسية، دون أن تضع في اعتبارها حسابات التعامل مع الشباب، ووضعا لهم في خانة الخصوم، فالتعامل مع الشباب على أنهم “شوية عيال ميعرفوش مصلحتهم ولا مصلحة البلد”، واستدعاء الوجوه القديمة بوصفهم “حكماء” فى أزمات يتصدرها الشباب، يزيد الأوضاع احتقانا، ويشعل حربا نفسية بينهم وبين الوجوه القديمة، بكل ما تمثله من استفزازات، وتاريخ من المصالح مع الأنظمة السابقة، التى ثار عليها الشباب أنفسهم.

العقليات الأمنية غير الواعية بضرورة ضبط المعادلة بين الأمن والرأي تزرع ألغاما في أرض الشباب، ويؤدي الضغط وكتم الأصوات إلى انفجارات متفاوتة القوة، بينما يتجمع الغضب المكتوم في المعارك الصغيرة المتفرقة، ليصبح قنبلة موقوتة، قابلة للانفجار في وجه النظام على المدى الطويل.

تعد الشريحة العمرية العليا من الشباب، التي دخلت عقدها الثالث، الأقل اندفاعا، بعدما أثقلت أعباء الحياة والالتزامات الاجتماعية كواهلهم، وتورط  بعضهم  فى شبكات مصالح معقدة، لكن مع استمرار التضيق عليهم، يصبح أمامهم أحد خيارين، إما العزوف عن المشاركة السياسية والنقابية تماما، أو الانخراط أكثر في شبكة المصالح، بغض النظر عن تعارضها مع الصالح العام وتوجهات الدولة.

أما الشريحة الأصغر سنا، والأكبر فاعلية على الأرض، والواقعة بين 15 عاما ونهاية العشرينات، فهي الأكثر اندفاعا وحماسا، والأقل خوفا، لأنها لم تتلوث بعد بالتورط في بحار المصالح، ولا ترهبها عصا الأمن، لذلك فأن أي محاولة لقمعها تزيدها إصرارا، ويؤدي “الحبس” إلى وضعها داخل حضانات للمعارضة، وداخلها يصبح الشباب أكثر غضبا تجاه الدولة والنظام، وتجاه أي مبررات تساق لهم عن نسق الدولة، وهي مبررات لن يستوعبها إدراكهم، ولن تقنعهم، فلا ترغيب ولا ترهيب يجدى معهم، فماذا أنتم فاعلون؟!.

ينظر النظام تحت أقدامه، لا يرى سوى انتصارات وقتية فى معارك آنية، يعتقد أنه تجاوزالأزمات، وأخمد الأصوات، يطمئن لحالة الهدوء المؤقت، لا يدرك أنه هدوء يسبق العاصفة، يشبه الوقت الذى تأخذه المواد الكيميائية فى التفاعل، قبل أن تكون مركبا شديد التعقيد، فيفاجئ بتوحد شباب من توجهات مختلفة ومعارك مختلفة وهزائم مختلفة، معارضة ومؤيدة، يمين ويسار، لتقف صفا واحد فى وجهه.

هيبة الدولة الحقيقية فى تطبيق القانون، وتحكيم ميزان العدل، فى استيعاب واحتضان الجميع باختلافهم ،هيبة الدولة فى احترامها واجلالها، وليس الخوف من عصاها الأمنية.