محمد الباز يكتب: لماذا لم يتحدث الرئيس عن أزمة الداخلية _ الصحافة من الفرافرة؟

نقلاً عن البوابة

قبل أن يبدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمته التى ألقاها أمس الخميس ٥ مايو ٢٠١٦ فى حفل إطلاق إشارة البدء لحصاد القمح بمشروع المليون ونصف مليون فدان من الفرافرة، اختار أن يعبر الى الموجودين من خلال ثلاثة مداخل مختلفة.

المدخل الأولى… قبل أن يتحدث قال: فعلا هى دى مصر اللى بجد، وكررها أكثر من مرة، تعليقا على أغنية اسمها ” هى دى مصر اللى بجد” أنتجتها الشئون المعنوية بالقوات المسلحة، وكتب كلماتها البسيطة والشعبية الشاعر الشاب أحمد حسن راوؤل ولحنها عمرو مصطفى، وأداها عشرة من الشباب الجدد الذين تتمتع أصواتهم بحيوية وطاقة وأمل.

لم يصادر السيسي على أى معنى آخر لمصر قد تراه أنت، وقد أراه أنا، لكنه عبر باحساسه عن مصر التى يراها، أو بالأدق التى يتمناها، مصر متفاءلة منتجة متوحدة، يغنى لها الشباب ويعملون من أجلها.

المدخل الثانى… أثنى السيسى على مجموعة من الشباب الذين حققوا إنجازات رياضية وذكرهم بالاسم وهم، نور الشربينى التى حصلت على بطولة العالم فى الأسكواش سيدات، ومحمد الشوربجى الذى حصل على بطولة العالم فى الأسكواش، وفريق كرة اليد الذى حصل على بطولة الدورة الإفريقية وتأهل الى الأولمبياد، وإيهاب عبد الرحمن ثانى العالم فى الرمح، وعمرو الجزيرى بطل العالم فى الخماسي الحديث، وحسام بكر ثالث العالم فى الملاكمة، ومحمد إيهاب ثانى العالم فى رفع الأثقال، ورمضان درويش ثانى العالم فى الجودو، وهداية ميلاد ثالث العالم فى التايكوندو.

أراد الرئيس بإشارة عملية وهو يدشن إنجازا كبير ضمن مشروع المليون ونصف مليون فدان، أن يقول أن هناك إنجازات أخرى فى مجالات مختلفة، يجب الاحتفاء بها، وأتوقع أن يقابل الرئيس هؤلاء الشباب الرائعين لتكريمهم.

المدخل الثالث… كانت إشارة الرئيس الى المواطنين الذين قالوا له أنهم معه فلا يخاف، وردهم عليهم بأنه لا يخاف، ثم تأكيده عبر وقائع معينة كان هو طرفا فيها أنه لا يخاف، فمن وقف فى ٣ يوليو ليعلن عزل الاخوان من الحكم استجابة لثورة الشعب المصرى فى ٣٠ يونيو لا يمكن أن يخاف، ومن يدعو لحوار بين الرئيس والقوى السياسية فى نوفمبر ٢٠١٢ لا يخاف، ومن يقف فى الكلية الحربية فى يناير ٢٠١٣ يحذر من دخول مصر فى نفق مظلم لا يخاف، ومن يمنح مهلة ٧ أيام ليتجاوزوا خلافاتهم لا يخاف، ثم من يحدد مهلة ٤٨ ساعة لإنهاء الوضع المأزوم فى الشارع لا يخاف.

لم يكن الرئيس فى حاجة للإشارة الى هذه المواقف للتأكيد على أنه لا يخاف، فيكفى من حمل روحه على كفه ونزل بها إلى الميدان ليواجه عصابات الأخوان ومن يشايعونهم أن نعرف شجاعته ونزاهته وتجرده، وهو فضل لا يمكن لنا أن ننكره أو نتنكر له، ولا يمكننا أن نستسلم لمن يزرعون الفتنة بين صفوفنا، هؤلاء الذين دفعوا الرئيس دفعا الى التأكيد على بديهية مفروغ منها، وهى أنه لا يخاف.

لن استسلم لجهابذة التحليل النفسى ، الشعب كله تقمص شخصية المحلل النفسى وهو يقرأ خطاب الرئيس، فما دام يقول أنه ليس خائفا، ويكررها مرات عديدة، فمعنى ذلك أنه خائف، فهو يتحدث بشكل دفاعى، ويحاول أن يغطى على ما يخفيه فى نفسه، فالرئيس فعليا بعيدا عن حالة الجدل العقيم التى نقضى بها أوقاتنا يشعر أنه يفعل ما عليه، ينجز وينجح ويسمع بأذنيه ثناء خبراء العالم على الأداء الاقتصادى، يشعر أن ملايين البسطاء من هذا الشعب يقفون خلفه لأنه لا سند لهم بعد الله الا هو، الجيش المصرى الذى هو عمود البلد الفقرى يدعمه ويسانده لأنه اختيار الشعب، قوات الأمن تسانده وتقف الى جواره، مؤسسات الدولة تعمل لتحقيق أفكاره وتنفيذ مشروعه.

ما الذى يجعله يقلق إذن؟

حالة الحريات وانتقادات لا تكف عند فئات معينة منها الصحفيين الذين يدافعون هم أيضاً عن حقهم؟

انه يستوعب ذلك جيدا، يتفهم أنه لابد أن يكون هناك خلاف، فمن المستحيل أن يتفق عليه كل الناس، ومن المستحيل أن يمنحونه ثقتهم، وعليه فهو يتفهم ما يحدث فى الشارع، لأن هذه طبيعة الأشياء.

تحدث الرئيس بعد ذلك عن المشروعات التى أنجزها والمشروعات التى ينوى إنجازها، فى إشارة الى أن الوضع مستقر، وهو ماض فى طريقه الى دولة القانون التى يحلم بها كما نحلم بها نحن أيضا، وهو كلام منطقى جدا لا يمكن أن تنازعه فيه، أو تقول أنه على خطأ، فمن منا لا يحلم بدولة القانون.

وهنا لابد أن أتوقف قليلا، فعندما تلقيت الدعوة لحضور هذه الاحتفالية، كنت قد انتهيت من العدد الذى أعلنا فيها موقفنا لمناصرة قضية نقابة الصحفيين والمهنة من وراءها، وهو موقف ثابت لن نتراجع عنه، لم أتوقع أن يحضر الرئيس، فما كنا نعرفه إنه سيكون فى الفرافرة السبت وليس الخميس، لكن يبدو إن هناك رسائل عاجلة أراد الرئيس أن يبعث بها الى الجميع، فتم تقديم الموعد ٤٨ ساعة.

بعد ساعات عرفت أن الرئيس سيكون موجودا، توقع كثيرون فى مناقشات واتصالات تليفونية أن الرئيس حتما سيتحدث عن أزمة نقابة الصحفيين مع وزارة الداخلية، لكنى استبعدت ذلك، رأيت انتظارا فى عيون بعض من حضروا من الزملاء الاعلاميين الحفل، لكنى كنت واثقا أنه لن يتطرق الى الموضوع بصراحة.

فهمت فقط من كلمته ” ضرورى أن يكون المصريون على قلب رجل واحد لأن هناك من يعمل على تفرقتنا” أنه ليس راضيا على ما يحدث، أو بالأدق ما كان يتمنى أن يحدث.

لكن لماذا لم يتحدث الرئيس صراحة عن الأزمة ؟

سأقول لك ما أرى أنه تفسيرى لما جرى.

فعل الرئيس خيرا بالطبع لأنه لم يتحدث عن الأزمة صراحة، المطلوب منه أن يكون على مسافة واحدة من مؤسسات الدولة، إقحامه فى كل كبيرة وصغيرة لن يكون ملائما ولا مفيدا، ستقول أن الرئيس فعلها قبل ذلك، اعتذر لفئات عديدة من المجتمع، سأقول لك، فعلها الرئيس دون ان يطلبها منه أحد، بادر هو ألى ذلك، أما الصحفيين فقد طلبوها منه، وأعتقد أن هناك تحفظات كثيرة على إقحام الرئيس فى الأزمة بهذه الطريقة، وكان لابد أن يظل بعيدا عن رذاذها، لأنه شئنا ام أبينا يظل الحكم الأخير، ثم ما الذى يجعلنا نجزم أن الرئيس على ثقة بأن الحق كله معنا، يبدو أنه يريد تحقيقا فيما حدث، وهذا ما يجب أن نطالب به.

يمكن ان تستوقفني وتقول ان الرئيس بدا منحازا عندما ظهر وزير الداخلية الى جواره فى الحفل، فالرسالة واضحة بأنه يؤيده ويدعم موقفه، يمكننى أن أوافقك الرأى بالطبع، لكنى تعاملت مع الموقف على أنه حضور بروتوكول، فلم يكن وزير الداخلية وحده موجودا فى الحفل، بل كان هناك آخرين، وعليه فلا يعنى وجوده دعما أو مساندة، لأن الرجل الذى يطالب بدولة القانون لن يهدره، وينحاز لطرف على حساب طرف آخر قبل أن تنتهى التحقيقات.

وزير الداخلية نفسه فى حوار جانبى معنا ( الزميلان محمود مسلم رئيس تحرير الوطن وعماد الدين حسين رئيس تحرير الشروق) بدا أنه مقتنعا بأنه لم يخطئ وانه كان ينفذ القانون، وقال أنه ليس طرفا فى الموضوع، فنحن لم نطالبه باعتذار مثلا حتى يكون صاحب قرار فى الأزمة، بل نطالب بإقالته، والمعنى أنه لا يملك قرارا فيما نريده بشأنه، وهو يتحدث هنا بعقلية أمنية، رغم أن الموضوع سياسى بامتياز، وهو جزء من المشكلة، وكان يمكن أن يستوعب الموقف من البداية برسالة رسمية الى النقيب يشرح له ما جرى ويعتذر عنه، لكنه تأخر كثيرا.

هل تغير الرئيس عبد الفتاح السيسى؟

مؤكد أنه تغير، فى أزمات سابقة أقل خطرا وصخبا من أزمة النقابة تدخل وأنهى الموقف باعتذار، لكنه أصبح يتعامل مع دولة فيها مؤسسات، وارد أن يكون بينها مشاكل وأزمات، والمنطقى أن يترك الأمر للقانون.

ما أقوله هنا ليس تبريرا للرئيس، لكنه محاولة للتفسير، أما رأيى الذى لم يتغير فهو أن الدولة كان يمكنها ألا تدخل هذا النفق المتأزم، وعليها الآن أن تعمل على حل الأزمة، العند هنا لن يكون مفيدا، ولن يستفيد أحد عندما تكون الداخلية فى مواجهة الصحافة، كل منا لديه أدواته التى يجيد استخدامها، والنتيجة نزيف هائل لن يقدر أحد على تحمله نتائجه الكارثية.

صحيح أن الرئيس لم يتحدث عن الأزمة، لكن عليه أن يتدخل، بما يحقق دولة القانون التى حدثنا عنها، لا أطالبه بأن ينحاز، ولكن لا أقل من أن يكون هناك تحقيقا محايدا وشفافا، النيابة العامة جعلت نفسها طرفا ببيانها الذى أدان النقيب وتحدث عن الالتزام بالقانون فى اقتحام النقابة فلا أقل من ان يكون هناك قاضى تحقيق، يلتزم الجميع بنتائج ما يصل اليه.

الصحافة ليست خصما لهذا الوطن ولن تكون،ومن الخطر أن تضعها الدولة فى خانة إليك، لأن الجميع فى هذا الوضع خاسرون… واللهم بلغت اللهم فاشهد.