محمد شعير يكتب: هل ذهبت إلى نقابة الصحفيين اليوم؟!

أنا صحفى.. أعتز وأفتخر كثيرا بمهنتى الرسالة.

فى اللحظات العصيبة.. وعندما تدفعك الأحداث دفعا إلى أن تكون طرفا فى معركة.. لا بد من أن يكون لك موقف.
فى بعض المعارك.. تبدو بعض المواقف كالجرى تقافزا وسط حقل من الألغام.. تظن أن ما تراه “حكمة” سوف ينجيك ويوصلك.. لتقدم رسالتك.. لكنك “فى الواقع” إما هالك أو مصاب.

هل من الحكمة أن ترفع راية الحكمة بينما الرماح نواهل بجوارك؟!.. إن فعلت فإنك ستكون أول من تقطر “بيض الهند” من دمه!
ما العمل؟!

أنا صحفى.. وهناك معركة طاحنة تدور رحاها بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية؟.. مع من أكون؟.. “أجب!”.. سؤال ملغوم.. إجابته لا تحتمل التأجيل أو التأويل.. إجابته سيذكرها لك التاريخ.. ويذكّرك بها الضمير.
“مع من أنت؟ أجب!.. هل ذهبت إلى النقابة اليوم؟!”.

.. وقد أجبت…..

الحق أننى لم أذهب.. ولم أندم على أننى لم أذهب.. لم أتهم من ذهب.. وأرفض السباب لمن لم يذهب.

لم أذهب.. ليس لأننى ضد الحرية.. أيقف ضد الحرية من يدرك رسالة مهنته القائمة على الحرية؟.. وليس لأننى “أمنجى” يبحث عن مصلحة مع وزارة الداخلية.. إن واصلت القراءة أصلا ستجدنى أدمر بيدى كل مصلحة مع “الداخلية” وغيرها.. فاقرأ واصطبر.

لم أذهب.. لأننى لم أصدق.

لم أصدق طرفى المعركة معا.. وزارة الداخلية والقائمين على نقابة الصحفيين.. كل من الطرفين رفع شعارات لم يطبقها هو.
لم أصدق “الداخلية”.. عندما رفعت شعار ضرورة تطبيق القانون.. واختارت هذا الأسلوب لتطبيقه ضد الصحفيين وسط جو

المشحون.. حاربت “المواطنين النشطاء” لأنهم يكتبون السباب.. وجندت “المواطنين البسطاء” للدفاع عن القانون بالسباب.

أنا صحفى.. ولا “ريشة” فوق رأسى.. أنا أول من يطلب تطبيق القانون على الجميع فى كل وقت وحين.. ولكن أليست هناك من سياسة؟!.. سياسة لأجل تطبيق القانون لا لتعطيله.. كنت سأصدق لو أننى قرأت الكلمات التالية فى بيان رسمى لوزارة الداخلية يتم إعلانه للرأى العام.. قبل الأزمة لا بعدها…..

“… وتهيب وزارة الداخلية بالسيد نقيب الصحفيين سرعة تسليم المذكورين لأجهزة الأمن، تنفيذا لقرار النيابة العامة بضبطهما واحضارهما، إعلاء لسيادة القانون. وذلك فى اطار حرص الوزارة على حفظ مكانة وهيبة مقر نقابة الصحفيين، كرمز وقلعة لحرية التعبير، بعدم قيام أجهزة الأمن بدخول المقر، ولو لتنفيذ أمر قانونى بالضبط”.

لم أقرأ بالطبع هذه الكلمات.. لكننى فوجئت بأن أجهزة وزارة الداخلية قررت واختارت أن تنفذ عملية الضبط، ليلا، فى يوم عطلة رسمية، بنفسها ووحدها، وهى تعلم بالطبع تبعات ذلك.

أكان فى الأمر رسالة مقصودة للصحافة والإعلام؟!.. الإجابة فى رأيى.. نعم بالطبع بلا أدنى شك.. وقد وصلت الرسالة!
ولكن….

لم أصدق أيضا القائمين على أمر نقابة الصحفيين ومشايعيهم.. رفعوا شعارات الدفاع عن الحرية.. وتنكروا لحرية قطاع من الصحفيين طالبوا بطرح الثقة فى مجلس النقابة.. باعتبار أنه قام بتسييس كل القضايا.. وانتهاج سياسة ثوار لا معارضين.. أبطال لا نقابيين.. فرحين بالصدام لا مرحبين بالحوار.. رافضين ولاعنين ومزايدين على كل من آمن بالحرية كـ “غاية” واختلف معهم على طريقة الدفاع عنها كـ “وسيلة”.. أرادوها يوم الأربعاء “جمعية عمومية” قانونية – بنص رسائلهم للأعضاء- ثم قلبوها “اجتماعا” أصدروا فى ختامه القرارات باسم “جموع الصحفيين”.. جددوا الثقة لأنفسهم بأنفسهم.. وبينما طالبوا بإقالة مسؤول راحوا يزايدون على اقتراح اللجوء إلى تحكيم المسؤول الأعلى.. إذ كيف يحتكمون إليه وهم فى الأصل ثوار عليه؟!

كنت سأصدق القائمين على أمر نقابة الصحفيين ومشايعيهم.. لو أنهم فى هذا الظرف العصيب وضعوا مجلس النقابة فى “ميزان الثقة” أمام جموع الصحفيين حقا.. وتركوا هذه الجموع لتختار “بحريتها” بقاءه أو رحيله.. لكنهم لم يفعلوا.. وما فعلوه هو الحشد.. وإطلاق الاتهامات بشق الصفوف.. وكيل السباب بأحط الألفاظ.

أعلنت وزارة الداخلية “فكرتها”.. واتهمت من يرفض أسلوبها بأنه ضد “القانون”.. وأعلن مجلس نقابة الصحفيين “مبدأه”.. واتهم من يرفض أسلوبه بأنه ضد “الحرية”.

“من ليس معنا نحن – لا الفكرة- فهو ضدنا”.. فى الحالتين تلك هى المسألة.

عشية الأربعاء.. لم أشعر بصدق الطرفين.. لم أسترح للذهاب.. فلم أذهب.

أنا صحفى.. أعتز وأفتخر كثيرا بمهنتى الرسالة.. مارست حريتى بطريقتى.. فى عدم الذهاب.. دون أن أتهم أو أطعن.. ومارست أنت حريتك بطريقتك وأخلاقك.. بالتخوين والسباب.. لكم حريتكم ولى حريتى.

مارست حريتى بطريقتى.. ولم أحجر على حرية أحد أو أزعم العلم بنواياه.. لكننى لم أعد قابلا للحشد أو التخويف بالصراخ.. لا يحشدنى إلا عقلى.. وصوت ضميرى.. لكم ضمائركم ولى ضميرى.. هو ما سوف يسألنى عنه الله.

لعلى شخّصت الأزمة كما أراها.. من وجهة نظرى.. أما إذا سألتنى – وأنت صحفى مثلى- عن الحل.. عن البديل.. فاسأل أنت ضميرك أولا.. “هل حقا تريد الحل؟!”.. ومع هذا فالحل فى رأيى هو الحوار.. وفى الحوار طالب بما تشاء.. فاوض.. راوغ.. انتزع – لأجل الحرية-  اليوم مكسبا واترك للغد مغنم آخر.

لكنك.. لن تستطيع أن تفعل ذلك.. إلا إذا كنت – فى قرار نفسك- مؤمنا بدور المعارض لسياسة.. لا الثائر على نظام!
لذلك.. حدد موقعك من فضلك.. بحريتك.. ودعنى أحدد موقعى.. بحريتى.. ولا تتحدث بإسمى.. إلا إذا اكتمل النصاب!
حزين أنا لأجل الحرية.. ولأجل القانون.. حزين لغياب السياسة والكياسة.
غاضب أنا ممن ينتهكون الحرية.. غاضب ممن يدافعون عنها.

يوم الأربعاء فى نقابة الصحفيين….

لم أذهب.. ولم أندم على أننى لم أذهب.. لم أتهم من ذهب.. وأرفض السباب لمن لم يذهب.

.. وهنا فى هذه السطور…..

لم أرفع راية الحكمة.. بل حاولت فقط إرضاء ضميرى.. مهما نهلت رماح المعركة من دمى!