في اليوم العالمي للصحافة.. لا حديث عن "صناعة التدريب الاعلامي"

شامة درشول – المغرب

يحل اليوم العالمي للصحافة كل سنة ويجتر معه نفس الحديث كل سنة… ترتيب الدول التي تعرف حرية في الصحافة، تصنيف الدول التي يتعرض فيها الصحفيون للقتل أو القمع، إحياء ذكرى الصحفيين المفقودين، وتكريم لصحفيين أعطوا الكثير لمهنة المتاعب كما توصف…

وسط هذه الاحتفالات المتكررة بنفس الشكل، ونفس الخطاب، ونفس “البكائيات”، يغيب الحديث عن “صناعة التدريب وتطوير الاعلام”.

في بلدي المغرب، لا يتم الحديث في اليوم العالمي للصحافة إلا عن تقرير منظمة مراسلين بلا حدود وتصنيفها للمغرب في المراتب غير المتقدمة في حرية الصحافة، ولا يتم الحديث الا عن أشكال قمع الصحفيين، واجترار للحديث عن قانون الصحافة، والصحافة الالكترونية الذي مللنا من الحديث عنه، وهو رافض الخروج الى الوجود كما يعد كثيرا وزير الاتصال في البلاد.
لا أحد يتكلم عن التدريب الاعلامي، لا أحد يتحدث عن تطوير الاعلام، لا أحد يتحدث عن تطور الإعلام، لا أحد يتحدث عن إقامة منتديات إعلامية قوية… لأن لا أحد يعي بعد أن هذا المجال بات صناعة خدمات لا يزال المغرب متجاهلا لها.

لكن تشخيص واقع الإعلام المغربي قد يعطي بعضا من التبرير لهذا التجاهل أو الجهل مادام أن في المغرب ورغم مؤسساته الإعلامية المتعددة ليس بعد بصناعة قوية.

لماذا؟ صناع القرار في البلاد وحدهم فقط من يعرفون السبب، ووحدهم من لا يزال يجهل قوة الإعلام في صنع ما يعرف بـ “السمعة الدولية” لبلد ما، ولا يزال يجهل قوة صناعة الإعلام في لعب دور قوي للضغط من أجل فرض اختيارات ومواقف المغرب، وتقوية الجبهة الداخلية والخارجية للبلاد.

في سنة 2012، في عز الربيع العربي الذي كان وقتها ينقلب خريفا، غادرت إذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولية والتي كانت تحتفل بسنتها الـ 32، وكان صحفيوها شبابا وشيوخا يقاومون التغيير الذي حملته التكنولوجيا الى الاعلام.

غادرت المؤسسة التي كانت مدرسة لعدد من صحفيي المغرب وباقي البلدان المغاربية بعد أن استسلمت لممانعة الإذاعة الدولية في تأسيس خلية تدريب داخل الراديو تقوم بمتابعة تطور تكنولوجيا الإعلام، وتشرف على تدريب صحفييها وصحفيي باقي البلاد والمنطقة على كل ما يساعدهم في البقاء كصحفيين “متطورين” يواكبون تطور الميديا السريع والذي لا تزيده تطور التكنولوجيا إلا جنونا.

غادرت المؤسسة وقررت أن أجعل هدفي تحويل المغرب إلى قطب إقليمي في “التدريب وتطوير الإعلام”. كانت الظروف مواتية، مصر البلد الذي كان رمزا للإعلام وكبار الإعلاميين بدأ يضيق على المنظمات والمؤسسات الإعلامية، ويحاكم عددا من العاملين فيها، من بين هذه المنظمات كان المركز الدولي للصحفيين والذي يتواجد مقره بواشنطن، راسلت المركز، أخبروني أن المغرب أرض يجهلونها، فوعدتهم أني سأجعلها أرضا معلومة لهم، بدأنا بسلسلة من المحاضرات جول “الهاكس هاكرز” وعقد لقاءات بين الصحفيين والتقنيين من أجل رواية القصة الخبرية بطريقة رقمية.

عقدت المحاضرات بالمعهد العالي للإعلام والتواصل بالرباط، حضره عدد من الطلبة والصحفيين، كانت أولى المحاضرات من تقديم المصري أيمن صلاح والذي تحدث وقتها عن “أن تكون رقميا أو لا تكون”، نجح اللقاء وبدأ المركز الأمريكي يعرف المغرب فقرر عقد عدد من المؤتمرات التدريبية على أرضه لصالح صحفيين ونشطاء من مختلف الدول العربية، إضافة إلى تنظيم زيارات إعلامية استفاد منها صحفيون أمريكيون، جزائريون، سودانيون وجنسيات أخرى.

المركز بات عليما بأرض المغرب، لكن المغرب لا يزال يرفض أن ينفتح على “صناعة التدريب وتطوير الإعلام”، وتساءلت دوما هل لأن المغرب البلد الفرنكوفوني يجهل بالمنظمات الأمريكية والبريطانية والأسيوية والألمانية والهولندية وغيرها التي تقدم خدمة تدريب وتطوير الإعلام؟

تساؤلات كثيرة واجهتني وأنا أخطو نحو تحقيق حلمي في تحويل المغرب إلى قطب في هذا المجال مادام يصر على رفض أن يتحول إلى قطب إعلامي قوي، لكن الأمر لم يتوقف عند التساؤلات، بل شمل عددا من الإشكالات التي كانت تواجهني من قبيل:
-غياب مؤسسات إعلامية مغربية تهتم بالتدريب وتطوير الإعلام وبشكل خاص تكنولوجيا الإعلام، المؤسسات الموجودة إما توفر خدمات إعلامية تقليدية تقوم على تقديم الأخبار أو التنشيط الإعلامي، أو مؤسسات تهتم بالتكنولوجيا فقط، هذا الوضع اضطرني إلى اقناع المركز الدولي للصحفيين ومنظمات دولية أخرى بعقد شراكات مع مؤسسات كانت متخصصة في التكنولوجيا فقطـ، أو أخرى في الإعلام فقط، فلا يوجد بعد في المغرب مؤسسات متخصصة في تقديم خدمة التدريب والتطوير في تكنولوجيا الإعلام.

-غلاء المغرب بالمقاربة مع الدول العربية التي اعتادت هذه المنظمات العمل فيها، وقف عاملا غير مساعد في إقناعها بالعمل المستمر في المغرب.

-البعد الجغرافي للمغرب بالنسبة للدول العربية كمصر ولبنان والأردن وغيرها

-الصورة النمطية عن المغرب وأنه بلد يصعب فيه التواصل باعتباره فرنكوفونيا، الناطقون بالانجليزية فيه قلة وكذلك الناطقون بالعربية.
-صعوبة الحصول على الفيزا لصالح المشاركين من بعض الدول العربية يجعل هذه المنظمات تفضل عقد لقاءاتها في بلدان تستقبل الجميع مثل تركيا أو الأردن أو تونس.

-اهتمام هذه المنظمات التي تعمل في مجال التدريب والإعلام بتدريب الصحفيين في المناطق المتوترة أكثر من اهتمامها بالتدريب في مناطق تحظى نوعا ما بالاستقرار السياسي، لا أزال أذكر أحد مدراء أكاديمية دوتشي فيليه الألمانية للتدريب الإعلامي حين سألته لماذا كل هذا الاهتمام باقامة تداريب إعلامية في ليبيا وتونس والأردن ومصر فأجابني: “المغرب بلد مستقر، يوم يزعزع استقراره سوف نهتم بشكل أكبر بإقامة تداريب فيه”.

جواب هذا السيد كان صادما لكن صريحا، وهو ما يدق ناقوس التنبيه ويفرض على صناع القرار الإعلامي في البلاد الاهتمام بشكل أكبر باقامة صناعة حقيقية في مجال التدريب وتطوير الإعلام والمؤتمرات الإعلامية وغيرها من الخدمات في هذا المجال بأموال مغربية محضة بدل الاكتفاء بالحديث كل سنة عن الصحافة وحرية الصحافة ووضع الصحفي وتجاهل كبير للحديث عن تطور الإعلام وعن صناعة التدريب الإعلامي التي لا يزال المغرب يصر على تجاهل قدرتها في مساعدة المغرب على تبوؤ مكانة قوية في المنطقة.