أحمد عمر يكتب : إعلام الأزمات

دائمًا ما يُقال إن الوقوع في الأزمة يمنح أطرافها خبرات في تجاوز أزمات أخرى، وهو منطق ربما يكون في ظاهره سليما، لكنه في الجانب المقابل سيتحول لقاعدة أصيلة للفشل إذا ما قررت أطراف أي أزمة عدم استخلاص الدروس المستفادة والعِبر المستقاة منها.

ينطبقُ ما سبق مع الحادث المؤسف الذي وقع صباح اليوم الثلاثاء، باختطاف طائرة مصرية أقلعت من الإسكندرية في طريقها إلى العاصمة القاهرة، لكنَّ شخصًا قرر أن “يعكنن” على البلد وأهلها، فزعم أنه يحمل حزاما ناسفا وطلب من كابتن طاقم الطائرة التوجه إلى قبرص، وهو ما حدث بالفعل، لكنَّ الأزمة انتهت بسلام دون أية خسائر في الأرواح أو الممتلكات.. والحمدلله.

ظاهريًّا.. يبدو ما حدث أنه سيناريو لفيلم كوميدي، رغم فداحة التهديد، وهول النتائج التي كانت ستترتب على هذه الحادثة إذا ما آلت لنهاية مأساوية، والتي كانت ستتحول حينئذ إلى كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهو ما يستدعي الحديث عن إدارة الأزمات على المستوى الحكومي الرسمي، وإعلام الأزمات فيما يتعلق بأسلوب وطريقة إدارة وسائل الإعلام لمثل هذه الأزمات، وكذلك ثقافة الأزمات والتي تعكس كيفية تعاطي الشعوب والأفراد مع الأزمات.

إنَّ ثمة نتائج يُمكن استخلاصها من هذه الحادثة على ثلاثة مستويات:

– أولا: المستوى الرسمي؛ وهنا أتحدث عن التصريحات الرسمية سواء في مصر -مالكة الطائرة وأغلب من على متنها يحملون جنسيتها- وكذلك في قبرص -الدولة التي “ابتليت” بالطائرة المخطوفة. المشهد بدا في بادئ الأمر مرتبكا وغير مُتماسك؛ فربما هي المرة الأولى منذ سنوات طويلة يتم فيها اختطاف طائرة مصرية بهذه الصورة، لاسيما في قبرص، التي أعادت إلى الأذهان الحادث الذي وقع في العام 1978 وفي المطار ذاته، مطار لارناكا.

الجهات المعنية المصرية -وتضم شركة مصر للطيران، ووزارة الطيران المدني، ورئاسة الجمهورية والوزراء، علاوة على الأجهزة المتعددة للأمن المصري- أصيبت بالارتباك، وسبب هذا الارتباك لا يعدو كونه إلا ضعفا في الخبرات وانعدام التدريبات الخاصة بأوقات الأزمات. وخيراً فعلت وزارة الطيران المدني بأن شكَّلت غرفة لإدارة الأزمة، لكنَّ المؤتمر الصحفي الذي ظهر فيه الوزير شريف فتحي ربما زاد من ضبابية المشهد، وأوْحَى لعدد من المتابعين -لاسيما غير المتخصصين- بأن ثمة غموضا وتهديدا غير مسبوق يواجه الطائرة المصرية؛ وذلك مع رفض الوزير الإفصاح عن أية معلومات أو تحركات مرتقبة لإنهاء الأزمة. الوزير فتحي رغم أنه ظهر أمام عدسات المصورين رابط الجأش متحليًا بالصرامة في كثير من دقائق المؤتمر الصحفي، إلا أنه ضرب بعرض الحائط كيفية التعامل مع “صحفيي المطار” الذين لم ينتظموا في أسئلتهم، وطغت العشوائية عليهم في طرح الأسئلة والنقاشات. الوزير أيضا لم يُحسن الرد على بعض الأسئلة، وقد ألتمسُ له العذر، لكن ما الذي يدفع وزيرًا إلى الرد على سؤال صحفي حول الاستعانة بشركة أمن لإدارة المطارات المصرية قائلا: “إنت شايف يعني إن دا وقت مناسب لسؤال زي دا؟!”، أعلم أن الوزير في ذلك الوقت ربما يكون في وادٍ والحديث عن هذه الشركة وادٍ آخر، لكن: ما الذي يمنع الوزير من الرد الحاسم كما رد بحسم بأنه لن يكشف عن أيٍّ من أسماء الركاب أو المشتبه به في خطف الطائرة، وهو الموقف الذي ينبغي الإشادة به. ولعل هذه هي النقطة المضيئة في المؤتمر الصحفي؛ حيث بدا الوزير حازمًا في عدم الكشف عن أي معلومات ربما تعيق تحرير الرهائن الذين يحملون أهمية أكبر من أي شيء آخر، خصوصا لو كان سَبْقا صحفيا مزعوما.

– ثانيا: المستوى الإعلامي؛ وكما أقول دائما “الإعلام.. حدِّث ولا حرج”، قل ما يحلو لك من اتهامات لوسائل الإعلام أو رفض للمحتوى المقدَّم، فهي مشروعة مادام لا يحكمنا -كجماعة صحفية- أية معايير أو مواثيق مهنية. البعض يدافع عن هرولة المواقع الإلكترونية والفضائيات لبث أنباء ومعلومات لا تتحلى بالقدر الكافي من المصداقية، بأنها تحقيق لـ”السبق الصحفي” أو “الخبر الحصري” أو “الانفراد”. وأزعم أنَّ الصحافة في مثل هذه القضايا ينبغي أن تتعاطى معها من منطلق أن حياة الإنسان وحريته أقوى من أي إنجاز مهني مهما بلغ من القوة والتأثير بعد ذلك.

ومن المُفزِع أن بعضا من المواقع الإلكترونية التي روَّجت لأنباء -ثبت فيما بعد أنها عارية عن الصحة- تتهم شخصًا بأنه المختطِف، نشرت النفي ومن ثم المعلومات الصحيحة، دون أي اعتذار واجب ومُستَحَق للقارئ الذي تعرَّض لعملية تضليل ربما لا تكون مُتعمَّدة، لكن أقل ما يقال عنها أنها تمت على أساس من عدم المسؤولية. وخيراً فعل المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء عندما أصدر بيانا يعتذر فيه لأحد ركاب الطائرة المخطوفة بعدما ورد اسمه “خطأَ” بأنه المشتبه به في القيام بعملية الخطف.

وزير الطيران المدني
وزير الطيران المدنى

ولكن السؤال: كيف نتغلب على مثل هذه الأخطاء في المستقبل؟ والإجابة برأيي تتمثل في تبني المؤسسات الصحفية برامجَ تدريب للصحفيين تساعد على تأهيلهم مهنيا، خصوصا إذا ما علمنا أن أعدادا كبيرة ممن يعملون كصحفيين حاليا لو طلبت منه أن يفرِّق بين الخبر والتقرير فسيقف مكتوفَ الأيدي جاحظَ العينين!

– ثالثا: المستوى الشعبي؛ وأخص بالذكر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها فيسبوك وتويتر، وكذلك واتس آب. فقد طرح رواد الموقع الأزرق أطروحات أفضل ما يمكن وصفها به أنها أطروحات عديمة المسؤولية، فضلا عن تحول الأمر من مسألةٍ جدية لا تقبل المزاح إلى “مُولد” للسخرية ممَّا قيل إنها تفاصيل عن عملية الاختطاف، لكن لا تثريب على هؤلاء، خاصة إذا ما كان الأغلبية منهم يستقون معلوماتهم من صفحات يقوم على إدارتها مراهقون أو على أقل تقدير راغبون في زيادة أعداد المعجبين بالصفحة، أو مشاركة (Share) أقوى تعليق!

إن هذه الحادثة تستدعي إيلاء قضية إدارة الأزمات مزيدا من الاهتمام. وفي عالم الإعلام لا مناص من التشديد على مواثيق العمل الصحفي، وأن يتحلى الصحفي بالنزاهة والقدرة على تحري المصداقية، وأن يكون أول درس له في مدرسة الصحافة أن الإنسان أغلى من أي سَبْق، وأن كرامته مصونة من أي انتهاك.

اقرأ أيضًا:

أحمد عمر يكتب: سوريا وحلحلة الأزمة بـ”أثمان غامضة”

أحمد عمر يكتب: هيكل.. العابد في محراب صاحبة الجلالة

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا