هشام المياني يكتب: مش هنسمعك انت بس

(نقلا عن جريدة المقال)

” أنا عارف مصر زي ما أنا شايفكم قدامي كده.. وعارف مشاكلها وعلاجها بالظبط زي ما أنا شايفكم قدامي كده.. وانا بقول لكل اللي بيسمعوني.. لو بتحبوا مصر ما تسمعوش كلام حد غيري.. إسمعوا كلامي أنا بس”.

هذا هو ملخص كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال حفل إطلاق رؤيته وحكومته لما يسمى استراتيجية التنمية المستدامة في مصر 2030.

الرئيس يأمرنا أمرا بأن لا نسمع إلا كلامه هو بس، ولا نسمع لأحد غيره، فهو حتى لم يقل لنا أن نسمع لصوت عقلنا وضميرنا وشعورنا، لا.. فهذا غير مسموح، فحتى ضميرنا يمكن أن يخدعنا وعقلنا يمكن أن يوهمنا ويجعلنا نتآمر على بلادنا، أما الرئيس فهو وحده الذي يعرف الصواب ولا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه.

جملة “اسمعوا كلامي أنا بس وما تسمعوش حد غيري” كانت هي القول الفصل في خطاب الرئيس أمس، ولذلك فقد التقطها المصريون وتعاملوا معها بسخرية منقطعة النظير، وهذا طبيعي، لأن المحيطين بالرئيس لو كانوا يشيرون عليه بالصواب لما جعلوه ينطق بمثل هذه الجملة، فجميع الدراسات الإعلامية ودراسات التخاطب مع الرأي العام تؤكد أن لغة الأمر وتقديم النفس على أنها العالمة وحدها بكل بواطن الأمور لا تفلح وأول طرق الفشل في توصيل الرسالة المرادة.

الرئيس يتحدث عن أنه يعرف مشاكل مصر جيدا مثلما يرانا امامه بالضبط، والرد الطبيعي عليه ما دمت تعلم مشاكلنا بالضبط وتعلم علاجها فلماذا تتركها تتفاقم هكذا أم أنك تتركنا نجرب هذه المشاكل وستتدخل في اللحظة الأخيرة مثل البوليس الذي يأتي في نهاية كل فيلم عربي؟

لم يتوقف السيسي عند هذا الحد بل قال نصا إن كلامه لا يخاطب به المثقفين ولا السياسيين والمفكرين بل المصري البسيط لأنه يريد من الكل أن يفهم وتكون هناك وحدة صف قادرة على مجابهة التحديات.

وكلام الرئيس هنا مكرر دائما، فهو في كل كلمة تقريبا يؤكد أنه لا يخاطب المثقفين ولا المفكرين، وهذا إن دل فإنما يدل على أنه يضيق بهم أو بأفكارهم وأراءهم وانتقاداتهم ولا يطيقها ومن ثم فهو يتوجه للبسطاء حتى يكون حائلا يمنع وصول المثقفين والمفكرين إليهم.

ثم يقول السيسي إن صبره وطول باله لا يعني أنه سيسمح لأي شخص بأن يقترب من مصر، ويهدد الرئيس قائلا” اللي هيقرب من مصر.. أقسم بالله العظيم هشيله من على وش الأرض”.

أطلق الرئيس هذا التهديد الغاضب والمرعب دون أن يحدد من يقصده أو طبيعة الاقتراب الذي يقصده من مصر، وهل الانتقاد يمثل في نظره اقتراب من مصر ومؤامرة عليها ورغبة في هدمها؟

الرئيس لا يريد لأحد أن يتكلم غيره، وهذا كان واضحا جدا لدرجة أن قال لكل من ينتقد أو يتحدث في موضوعات تخص الدولة أو مشروعاتها ” ياريت قبل ما تتكلم إدرس الموضوع الأول قبل ما تتكلم.. ولو مش عارف تعالى وأنا أقولك الموضوع بالضبط”.

الرئيس يرى أن كل من يتحدث أو ينتقد لا يفهم وغير واع بالأمور ولا تفاصيلها، وفي نفس الوقت يطلب منا أن نذهب إليه ليفهمنا التفاصيل أو الموضوعات، وهذه كارثة في حد ذاتها أن الرئيس يتحدث تقريبا كل يومين ويرانا لا نفهم شيء عن الأمور الخاصة بالدولة، ومع ذلك يتفاخر دائما بأنه يكاشفنا بالتفاصيل والحقائق دائما، كيف ذلك يا سيادة الرئيس؟

السيسي تحدث للمرة الأولى عن مسألة سد النهضة بوضوح واعترف لأول مرة بأن السد سيمثل ضررا على مصر وأن مصر وافقت واتفقت مع إثيوبيا على بناء السد فعلا ومع ذلك توهمنا الحكومة بمسألة المفاوضات.

فالرئيس قال نصا” هنعمل محطات معالجة مياة.. واللي هيقولي ليه.. هقوله فيه سد بيتبني وفيه اتفاق مع الناس إنهم هيحجزوا المياه لفترة زمنية معينة حتى بناء السد.. هل أترك الفلاح بدون مياه؟.. لازم اعوض نقص المياه ده”.

هذا اعتراف صريح بأن السد سيضر بمصر في حين أن السيسي وحكومته دائما ما كانوا يؤكدون لنا أنه لن يمثل اي ضرر على مصر، وهذا اعتراف صريح بما قلناه وكتبناه وقاله الخبراء والمثقفون الذين ينتقدهم الرئيس، فنحن لطالما كتبنا أن السد سيضر بمصر وان مصر وافقت على بناءه وأن المفاوضات لا قيمة لها وأنها مجرد وهم تخدعنا به الحكومة التي اتفقت ووافقت بالفعل على السد ولذلك أثيوبيا تسير في البناء بوتيرة ثابتة.

السيسي يطالبنا بأن لا نسمع غيره، ومع هذا فهو الآن يعترف اعترافا متأخرا جدا وصادما، يعترف بما قلناه كثيرا عن كارثة السد الأثيوبي على مصر، وفي الوقت نفسه يطالبنا الرئيس بأن نتحمل ونصبر على معالجة ما فعله هو وحكومته بشأن هذا السد.

للأسف يا سيادة الرئيس، “مش هنسمعك انت بس” سنظل نسمع ونعمل عقولنا ونحكم على الأمور بالمنطق والعقل والضمير، لأنه باعترافك ثبت أن ما قلناه كان الصحيح، وما سوقته لنا سيادتكم وحكومتكم لم يكن الحقيقة، وسد النهضة خير دليل، مش هنسمعك وحدك ونتمنى أن لا “تشيلنا من على وش الأرض”.

اقـرأ أيـضـًا:

هشام المياني يكتب: هل يتعامل السيسي مع القوانين بكشف الإنتاج؟

هشام المياني يكتب : أمين الشرطة أهم من رئيس الجمهورية عند وزارة الداخلية

هشام المياني يكتب: مصر مفيهاش دستور.. بس فيها جريدة رسمية!

هشام المياني يكتب : الأجهزة تسير بالسيسي عكس الاتجاه

هشام المياني يكتب: السيسي مش زعلان من الشباب.. بس ممكن يتقبض عليهم بالخطأ!

هشام المياني يكتب: تجديد النفاق السياسي

هشام المياني يحقق: هل كان “هيكل” وراء القبض على “صلاح دياب”؟

هشام المياني يكتب: لا عودة للوراء يا ريس لأننا في الوراء أصلا 

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا