محمد سلطان محمود يكتب : لغز فتاة الكوبري

“فتاة في أواخر سنوات المراهقة تقفز من فوق كوبري قصر النيل لتلقي مصرعها غرقآ”

تلك هي الحقيقة الوحيدة المؤكدة في الخبر أما باقي التفاصيل فمنذ وقوع الحادث وحتى الآن تطالعنا وسائل الإعلام بروايات مختلفة ومتعددة المصادر وجميعها تتناقض.

فبين شاهدان تتناقض رواياتهما و صديقة مجهولة و اب مكلوم لم يتفق اي منهم علي شيء.

الحكاية الاولي هي الاشهر علي مواقع التواصل الاجتماعي..وهي اكثر الحكايات التي تداولها الإعلام،الفتاة كانت مطاردة من متحرش حاول تشويهها بمادة كاوية فقفزت الي النيل هرباً ، و اكد احد شهود الحادث بحسب ما اكد لوسائل الاعلام انه شاهد المارة يلقون القبض علي المتحرش و انه ظل لمدة ساعتين ينتظر انقاذ الفتاة. و لم يذكر هذا الشاهد اى شيء عن حضور الشرطة لتسلم المتحرش من عدمه.

الحكاية الثانية منسوبة لشاهد اكد انه رأي الفتاة برفقة بعض اصدقائها (شابان و فتاة) يجلسون علي سور كوبري قصر النيل، و ان احدهم مازحها محاولا خطف حقيبتها فأختل توازنها و سقطت في النيل لتلقي حتفها غرقأ و يقوم اصدقائها بالفرار ، و هي حكاية يصعب تصديقها لافتقاد تفاصيلها للمنطق.

و نظرآ لتضارب روايات الشهود و تعليقات القراء المشككة في مصداقية الاخبار، كان علي الصحف البحث عن مصدر اخر للاحداث، لتطالعنا المواقع الاخبارية بحكاية ثالثة جديدة و هي انتحار الفتاة لمرورها بأزمة نفسية ،و انها اخبرت صديقة لها كانت بتسير برفقتها برغبتها في الانتحار ثم باغتتها و قفزت. و نسبت بعض المواقع تلك الحكاية لصديقة مجهولة للفتاة دون إشارة الي كيفية تواصلهم معها او توصلهم اليها.

و سرعان ما خرج والد الفتاة لينفي تلك الرواية و يؤكد ان ابنته لم تتعرض لأي ضغوط نفسية او اسرية، و انه سمع عن وفاتها غرقآ من صديقتها التي خرجت معاها للتنزه علي كوبري قصر النيل.

لتخرج رواية رابعة  تجمع بين القصة الثانية و الثالثة في تفاصيلها..يمكن تلخيصها فيما نشره احد المواقع الاخبارية في خبر يفتقد عنوانه لابسط قواعد المهنية وصف فيه الفتاة بأنها متعددة العلاقات و انتحرت هربا من الفضيحة عندما تم اكتشاف امرها!

تلك تبدو كأسوأ حكاية و اكثرهم قسوة ، الاب لم يخرج لينفي تلك الحكاية..و لكن وسائل التواصل الاجتماعي رفضتها

الحادث له شهود وثقوا شهاداتهم عبر موقع فيسبوك و اتفقت شهاداتهم مع الحكاية الاولي التي تخلي عنها الاعلام بعد ساعات قليلة من نشرها.

ربما كان يجب علي وسائل الإعلام تحري بعض الدقة ، لان تضارب الروايات بين موقع اخباري و اخر يدل ان التأليف هو وسيلة تغطية الحدث. دون الإكتراث بما يؤديه هذا التأليف من الاساءة لفتاة لا تملك حق الدفاع عن نفسها.

 لم يقم اى موقع اخباري بالبحث عن الرجلان الذان قاما بالقفز خلف الفتاة في محاولة فاشلة لانقاذها من الغرق او الشخص الذي قام بتصوير فيديو غرق الفتاة واهداءه لاحد المواقع الاخبارية ، فهم فقط من يمتلكون القصة الاقرب للحقيقة.

 لكن لم يهتم أحد بهؤلاء الاشخاص ، ربما لما يتطلبه ذلك من جهد حقيقي للبحث عن صحة الرواية، و هو مايفتقده العديد من المواقع الاخبارية التي اعتادت ان يكون ابرز اخبارها تصريح لفنان عبر فيسبوك او مشاجرة لأحلام عبر تويتر.

و طالما الـtraffic  موجود يبقي الجودة في الموجود..و يجعله عامر و اهو كله بيعدي في الزحمة..