فن الكوميكس هو فن كأي فن يجمع ما بين الرواية والرسم والسينما، قصة يتم معالجتها، تحول هذه القصة لمجموعة من اللوحات الفنية، توضع هذه اللوحات خلف بعضها لتعطيها نوعًا من الحركة كالسينما، وهذا لا يعيبه فأي فن يتكون من مجموعة من الفنون الأخرى.
عندما بدأت تعلم فن الكوميكس منذ أكثر من 15 سنه قال لي أساتذة هذا الفن تصور أنك تشاهد فيلمًا سينمائيًا خذ من هذا الفيلم صورًا فوتورغرافية تختزل الكثير من الحركة، وخذ أهم العبارات في الحوار وانسبها لأصحابها، هذا هو الكوميكس بشكل عملي مبسط.
يقع الكثير من الخلط حتى بين المتخصصين في فن الكوميكس .. فن قصص المصورة – الفن التاسع .. وكلها مسميات لنفس العمل الفني، بين الكوميكس والكاريكاتير فيعتبرون أي شيء فوق كادر واحد يعتبر كوميكس، وهذا ليس صحيحًا بالمرة فما نراه في الصحافة المصرية هذه الأيام هو كاريكاتير وليس كوميكس كما يدعي البعض، حتى لو كان على اربع كادرات، فهذا لا يحوله إلى كوميكس، فكل منهما فن يختلف عن الآخر جذريًا، لكل واحد منهم مقوماته التي لا يعتبر عدد الكادرات جزءًا منها، فلم أقرأ تعريفًا واحدًا يعرف الكاريكاتير على أنه فن الكادر الواحد، فالكوميكس يحكي قصة قد تكون سياسية أو اجتماعية أو رومانسية أو… الخ، لكن الكاريكاتير تسجيل لمواقف أو حدث بشكل ساخر بهدف السخرية أو الإعتراض أو النقد الإجتماعي، فهو مرتبط باللحظة والحدث، فالكوميكس يأتي من داخلنا فهو إبداع داخلي، أما الكاريكاتير فهو يأتي من خارجنا مرتبط بالأحداث العامة وما يدور في المجتمع في هذه اللحظة، وهذا لا يعني أن الكوميكس منفصل عن الواقع، لكن الكوميكس يحركة ابداعنا وخبراتنا في الحياة، التي تتجمع وتتشكل وتتبلور في شكل عمل فني ، بخلاف الكاريكاتير الذي يحركة روح السخرية والنقد اللاذع لحدث واقعي، فليس معنى أني حين اترجم على جوجل كلمة كوميكس فيظهر لي (رسوم هزلية) هو أن من المفروض كلما قرأت قصة مصورة أن أضحك، أو ابتسم، هذا ينطبق على فن الكاريكاتير ، لكن الكوميكس يحكي قصة قد تكون قصة رعب.
فن الكوميكس يسير عبر زمن تحكى فيه قصة بالصوت والصورة قد تأخذ سنوات، بعكس الكاريكاتير الذي يوثق لحظة بشكل ساخر بالصوت والصورة، فلو وضعنا كل واحد في ملف المحتوى سنجد أن الكوميكس عمل أدبي، والكاريكاتير عمل صحفي، ولكل منهما ما للأعمال الأدبية أو الصحفية وما عليها، بالضبط كالفرق بين الكتابة الأدبية والكتابة الصحفية ، هذا لا يعني أن أحدهما أفضل من الآخر ، ولا يعني أيضًا أن كلهم واحد، الفصل بينهما لا يكون بالمزاج الشخصي.
أول من قرر أن أن يطلق على ما نراه من رسوم كاريكاتيره في صحفنا المصرية اليوم هو شخص منبع ثقافته الكوميكسية تعود لموقع (ويكيبيديا) .
لكنه لم يكلف نفسه عناء البحث، فوقتها سيجد “كريزى كات” أو القطة المجنونه لجورج هيرمان بهذا الشكل، ما علاقة هذه القصة بما نراه في صحافتنا اليوم، جورج هيرمان يقدم قصة كوميكس كاملة، فيها كل مقومات فن الكوميكس ، وليس معنى أنه أخذ صفحة من جريدة وطبع عليها قصته ضمن فنون صحفية أخرى أن كل من يفعل هذا يصبح عمله قصة كوميكس، الكوميكس والكاريكاتير ليس من ضمن تعريفاتهما نوع ورق الطباعة.
مثلث الكوميكس: الكاتب – الرسام – الناشر
مع أن كل واحد منهم يتملص من تحمل المسؤولية عن فشل صناعة الكوميكس العربي، إلا أن ثلاثتهم في النهاية مظلومون، وهذا لا يعني أنهم لا يتحملون جزءًا من المسؤولية، والموضوع كله لا يخرج من حيذ التعاملات المادية، أدت لإنهيار صناعة الكوميكس بشكل شبة تام.
كاتب الكوميكس (الأديب): يكتب قصة كاملة، ثم يقوم بمعالجتها دراميًا، بعدها يبدأ في كتابة سيناريو كامل قد يطول ليصل لمئات الكادرات (المشاهد بلغة السينما) وفي النهاية يحصل على ألفين أو ثلاثة آلاف جنيه على أكبر تقدير، ويعمل في مهنة مجهولة (ماذا ستقول لخطيب أختك حين يسألك “أنت بتشتغل ايه؟!”)، فلما يكمل؟! نفس الشخص بموهبته لو قام بكتابة سيناريو فيلم أو مسلسل، لا يختلف كثيرًا عن سيناريو الكوميكس، بل إن الكوميكس أصعب فليس لدى كاتبه رفاهية الإسهاب في الحركة أو الحوار ولا صفحة توقف نهر خيالك، وفي نفس الوقت سيحصل على مئات الآلاف من الجنيهات قد تصل لملايين مع الأيام ثمنًا لمسلسل أو فيلم، فيغادر عالم الكوميكس تاركًا الساحة مفتوحة لأنصاف الموهوبين التي تصل في بعض الأحيان إلى معدومي الموهبة، الذين يعتقدون مع الأيام أنهم موهوبون ومحترفون فعلًا.
رسام الكوميكس (الفنان): لديه نفس مشكلة الكاتب، ما الذي يجبرني على تحمل (استهبال) الكاتب حين يكتب له مثلًا (ممدوح يخرج من باب الفندق المتواضع ذي النجمتين الموجود وسط سوق شعبي في ساوباولو، نجده مفزوعًا من زحام السوق) ليظل هو ضائع في عالم الإنترنت يبحث عن شكل الفنادق ذات النجمتين في ساوباولو، وكيف يكون السوق في ذات المدينة ، ليجد نفسه يرسم فندق بنجمتين وسوق بكل تفاصيلة في ساوباولو وشخص مندهش، كل هذا في كادر واحد يأخذ أسبوع عمل ولن يأخذ أحد باله منه، وما الذي يجبر الرسام على تحمل تعديلات وتغييرات الناشر المبنية على لا شيء إلا أمراضه النفسية الموجودة داخلة هو فقط، أذكر أحد الناشرين العرب حين اشترط علينا أثناء التحضير لمجلة للأطفال (تحت 12 سنه) ألا يتم تقديم طفل وطفلة في كادر واحد بدون محرم، وفي النهاية سيأخذ اربعة أو خمسة آلاف في رسم القصة، في حين أنه لو تفرغ للفن التشكيلي ونمى موهبته قليلًا ليقوم كل عام بعمل معرض لوحات له سيكفيه ثمن بيع 10% من اللوحات في الحياة في مستوى مادي جيد جدًا طيلة العام.
ناشر الكوميكس (الصانع): الكل يراه ظالما جشعا شريرا، إلا أني أراه في أغلب الأحيان معذورا، فتكلفة مجلات الكوميكس مرتفعة على أي ناشر، والمهتمون بالكوميكس قليلون، ودورة الحياة قصيرة (بالنسبة للمجلات)، فأنت تريده أن يتكلف ثمن مجلة أو كتاب 4 لون كامل، على افخر أنواع الورق، مقابل أن يبيع ألف نسخة؟! فإذا كانت الروايات نفسها الآن لا تبيع (إلا من تلك الأعمال التي تلعب الصدفة في أغلب الأحيان دورها لتبيع ويمكنني أن أذكر لكم أسماء كل الروايات التي باعت خلال العشر سنوات الأخيره فهم ليسوا كثيرين)، ثم أني أريد أن يخبرني أحد عن إسم مجلة كوميكس واحده تربح من بيع نسخها (حتى لو على مستوى العالم)، اتعرف كيف سيكون ثمن نسخة المجلة لو فكرة في الربح من بيع نسخها.
الحل:
في كلمة واحده “المؤسسة”، هذا ما يحدث في كل الدول التي بها صناعة كوميكس، فبيع الكوميكس (مجلات وكتب) غير مربح، فمن يعتقد أن مؤسسة عملاقة في جحم “ديزني” تربح من بيع مجلة ميكي وويني.. وغيرهم يكون مضحكا، فالمجلة واجهة أو صفحة دعايا لإستثمارات المؤسسة فالمربح هو استغلال محتوى المجلة، الذي يبدأ بتحويل الشخصيات الكوميكس لملصقات على “المجات” و”التيشيرتات” وكتب تلوين والأقلام والكراسات، حتى بيع مجسمات بشكل الشخصيات، ومن خلال بيع حقوق النشر، وتحويلها لأفلام كارتون، بإختصار صنع كل شيء عليها صورة الشخصيات، وتقديم أي خدمة بإسم الشخصيات، هكذا تربح المؤسسة، ويكون لديها المقدرة المادية على الدفع بسخاء على الكتاب والرسامين ..الخ من القائمين على صناعة الكوميكس ليقوموا بكل ما يستطيعون لعمل قصص كوميكس يمكن أن نطلق عليها عالمية.
لا يقوم بصناعة الكوميكس الآن إلا مؤسسات تتعامل مع نشر الكوميكس كجزء من الوجاهة الإجتماعية لمؤسستهم، أو مغامرون يعشقون الكوميكس، وكلاهما لا ينشأ صناعة.